لو طبقنا الشريعة لمَا كان شبح الانقباض الائتماني يخيم على رؤوسنا
الذي كان سيحدث بدلاً من ذلك هو أن المتطلبات التي تفرضها الشريعة الإسلامية في الإقراض الحصيف، واقتسام المخاطر، والحظر المفروض على أكل الربا، هذه المتطلبات تؤمن مناعة للمقترضين وللاقتصاد العالمي من المأزق الذي نعيشه منذ ستة أشهر. وفي سبيل ذلك فإنه حتى أقسى منتقدي أسقف كانتربري ربما يشعرون بالعرفان ولو بقدر ضئيل.
والآن كيف سيكون موقع التمويل الإسلامي، الذي تتعامل به الآن بصورة متزايدة شركات المحاماة في لندن ونيويورك، ضمن الجدال الساخن الذي يدور الآن حول العلاقة بين النظام القضائي البريطاني والأحكام الشرعية؟
إن رئيس الوزراء البريطاني على وجه الخصوص بحاجة إلى معرفة الجواب عن هذا السؤال. في الأسبوع الماضي جاء على لسانه ما يلي: "يجب أن تستند القوانين البريطانية إلى القيم البريطانية، ويجب أن يكون كل من القانون الجزائي والقانون المدني البريطاني مهيمناً على القانون الديني." فكيف يتفق ذلك مع ما قاله جوردون براون حين كان وزيراً للمالية، حيث أراد "أن يجعل بريطانيا بوابة التمويل الإسلامي والتجارة الإسلامية"؟ وفي سبيل ذلك أدخلت الحكومة تغييرات على النظام الضريبي ليشتمل على التعاملات التي تتم وفق الأحكام الشرعية.
إذا أردت أن تدرك عمق الأثر الكامل للشريعة على شركات المحاماة وعلى الأعمال في الحي المالي في لندن، فما عليك إلا الذهاب إلى شركة كليفورد تشانس، حيث التمويل الإسلامي هو أحد النشاطات المهمة. حازت هذه الشركة على لقب أفضل شركة في التمويل الإسلامي لعام 2007 من مجلة يوروماني Euromoney، ويعمل فيها عشرات المحامين المتخصصين في الأحكام الشرعية في الشرق الأوسط ولندن. يقول حبيب موتاني: "إن عقد الصفقات الملتزمة بالأحكام الشرعية هو جزء ثابت مما نقوم به. فهو جزء من التعاملات الرئيسية العامة".
ولكن هل يعني ذلك أن هناك منطقة اختصاص قانوني في لندن تنافس الاختصاص الحكومي؟ هل تسللت الشريعة إلى الحي المالي في لندن من الباب الخلفي في حين أن الأسقف الطيب يقف حائراً على الباب الأمامي؟ إليكم هذا الجواب الذي يتفق مع روح عدم الوضوح الذي يميز الكنيسة الأنجليكانية، والجواب هو ’نعم (وقدر يسير من لا)‘. الأمر الواضح في هذا المقام هو أن التعاملات التي وضع أسسها المحامون البريطانيون في لندن تخضع لمراجعة الفقهاء المسلمين في الشرق الأوسط والشرق الأقصى، وهؤلاء يقررون مدى التزامها أو عدم التزامها بالأحكام الشرعية. فإذا كانت مخالفة للشريعة فإن المحامين يتوقفون عن إتمامها. معنى ذلك أنه من الناحية العملية فإن اختصاص الشريعة الإسلامية له أساس قوي متين في الحي المالي في لندن.
من جانب آخر لا بد أن تكون هذه التعاملات متمشية كذلك مع القانون البريطاني. يقول دافيد بارزيلاي من شركة نورتون روز، إن القوة الكبيرة للقانون البريطاني هي مرونته، حيث إنه يتطور ويتكيف باستمرار للتعامل مع الظروف الجديدة والمطالب الجديدة من مستخدميه. وبالتالي فإن القانون يسمح تماماً، بموجب قانون التحكيم لعام 1996، بإنشاء مجلس شرعي يُعترَف به على أنه الهيئة المختصة بالتحكيم في النزاعات المتعلقة بالأحكام الشرعية، وقراراته يجب أن تُحترَم من قبل المحاكم الإنجليزية، شريطة أن يلتزم المجلس، بطبيعة الحال، بالمبادئ القانونية الإنجليزية. يقول بارزيلاي: "من الأمور التي لا يستطيع المجلس أن يقوم بها هي أن يصدر أحكاماً تخالف القانون الإنجليزي".
أما إن كان ذلك يشكل، على حد تعبير أسقف كانتربري، "سوقاً" لمناطق الاختصاص، فهذه نقطة فيها أخذ ورد. ولكن الأمر الذي يثبته ذلك فعلاً هو المرونة الهائلة للقانون الإنجليزي استناداً إلى المبدأ البرجماتي الذي يقول إن بإمكانك أن تفعل معظم ما تريد شريطة أن يكون ذلك من خلال منهج يتمتع بقدر كاف من الابتكار. على سبيل المثال فإن حسن خان، من خان بارتنرشيب، استطاع في الفترة الأخيرة تحقيق عدد من النجاحات لعملاء صينيين لدخول الشرق الأوسط باستخدام صفقات ملتزمة بالأحكام الشرعية ضمن القانون البريطاني.
إن الصفقات الملتزمة بالأحكام الشرعية يرجح لها أن تكون ذات ربحية أقل من التعاملات الغربية لأنه لا بد من دفع رسوم إضافية للالتزام بأحكام ذات طابع متشدد إلى حد ما، وهو يشبه الرسوم الإضافية التي تدفع مقابل الدخول في استثمارات أخلاقية أو لشراء الخضار الطبيعية التي تزرع من دون مواد كيماوية.
الجانب الآخر الذي يقيد تطور القوانين الشرعية، كما يقول منتقدوها، هو أن الفقهاء في الغالب لا يتفقون على أمر واحد، وتكون نتيجة ذلك أن الأطراف الداخلة في التعاملات لا تشعر باليقين التام حول الصفة الشرعية للتعاملات. وهذا هو المقام الذي يمكن فيه الاستفادة من شركات مثل كينج وسبولدينج. وفقاً لما يقوله جواد علي، الذي يعمل شريكاً في المؤسسة، فإنها تتمتع بسمعة طيبة بأنها موثوقة من حيث قدرتها على تطوير هياكل عملية وتعاملات مبتكرة ملتزمة بالأحكام الشرعية وفقاً لما يقرره فقهاء معروفون.
يقول جواد علي: "هناك ’حلقة متنامية‘ من الإجماع بين الفقهاء المسلمين الذين يتفقون في معظم الحالات. والتحدي الماثل أمامهم هو أنه في حين أن المصرفية الغربية تعود جذورها إلى مئات السنين، فإن عمر المصرفية الإسلامية هو عقد واحد فقط. وهذا يعني أنها لا تزال تطرق أرضاً جديداً. ربما تكون هناك بعض الأمور الخلافية ولكنها تُسوَّى الآن بصورة سريعة". وكما يبدو فإن النمو المتواصل للتعاملات القائمة على الأحكام الشرعية، على حد تعبير أسقف كانتربري، هو "أمر لا يمكن تجنبه".