رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


حقوق الأطفال وسقوط الشعارات (2 من 2)

[email protected]

في مقال الأسبوع الماضي تناولنا حق الطفل في العيش في حضن والديه وعدم فصله عنهما إلا في الظروف القسرية والقاهرة التي تستوجبها مصلحة الطفل, وذلك تمشياً مع التشريعات السماوية والفطرة البشرية, وكما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الطفل. وإذا علمنا أن حقوق الطفل هي مجموعة المعايير والأسس التي تضمن له حياة كريمة تتفق ومتطلبات البشر الأساسية ومن دونها لا يستطيع الإنسان أن يعيش حياة طبيعية محافظاً على كرامته, فإن الأمر يستوجب التعرف على واقع حقوق الطفل على أرض الواقع في عالم اليوم. كما تجدر الإشارة إلى أن القواعد والأسس يفترض أن تنطبق على كل البشر بغض النظر عن عرقهم ودينهم وجنسهم وعمرهم ولونهم، وهذا ما أكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. ولو تأمل الإنسان في الممارسات القائمة في العالم في حق الطفل لوجد كثيرا من المخالفات وإساءة التعامل والامتهان لحقوقه والنيل من كرامته وإنسانيته. المادة الـ 27 من الإعلان العالمي أكدت ضرورة أن يعيش الطفل حياة تتناسب ونموه الجسمي، العقلي، الروحي، الأخلاقي، والاجتماعي، لكن هذا الحق قد لا يتحقق لكثير من الأطفال نظراً لتقصير والديهم، أو عجزهم عن الوفاء بمتطلبات النمو السليم، أو لإهمالهم، وعدم اهتمامهم بهذا الموضوع مع تراخي الجهات الرسمية وعدم متابعتها هذا الشأن. ولذا نشاهد بعض مظاهر التشرد والضياع لبعض الأطفال في بعض مدن العالم العربي والإسلامي، ودول العالم أجمع, ما أوقعهم في الجريمة والاستغلال من قبل العصابات، وهذا أفقدهم حقهم في العيش حياة كريمة تتفق وإنسانيتهم، ولذا فهم ينامون في الطرقات، ويعملون أعمالاً تتنافى مع إنسانيتهم، ولا تناسب أعمارهم، ومستوى تفكيرهم، كما يترتب على هذا الوضع حرمانهم من التعليم والتربية التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الطفل في مادته الـ 28، والتي أكدت حق الطفل في التعليم الأساسي, بل وجوبه لكل الأطفال مع إعطاء الفرصة للراغبين في التعليم العالي، إضافة إلى إتاحة الفرصة للتعليم المهني بهدف إكساب الطفل ما يؤهله لخوض غمار الحياة، وكسب لقمة عيشه بصورة شريفة .المادة الـ 29 من الإعلان العالمي لحقوق الطفل أكدت ضرورة توجيه تعليم وتربية الطفل لنمو شخصيته النمو السوي، وتطوير مهاراته، وقدراته العقلية بأفضل صورة ممكنة، وهذا النوع من التربية لو تحقق للطفل سيترتب عليه إعداد الطفل ليكون عضواً فاعلا وناجحاً في مجتمعه بدلاً من أن يكون عالة وعبئاً عليه، ومصدر شقاء، ومشكلات له، ولأسرته، ومجتمعه. مجموعة مواد في الإعلان العالمي لحقوق الطفل أكدت أهمية تجنيب الطفل الأعمال الشاقة التي لا تناسب عمره وطاقته ومستوى تفكيره ومشاعره, كما نصت على ذلك المادة الـ 32، أما المادتان الـ 37 و38، فتناولتا قضية تجنيد الأطفال، والزج بهم في الحروب، والنزاعات بين الدول، أو النزاعات التي تحدث في البلد الواحد، وضرورة الكف عن هذه الممارسة كما أكدتا ضرورة تجنب اعتقال الأطفال، أو سجنهم طالما أن هناك فرصة لتجنب هذا الأمر، وفي حال الاضطرار لهذا فلا بد من عدم تعريضهم للتعذيب أو التعامل القاسي. توقفت عند هاتين المادتين، وتساءلت حول التزام دول العالم وشعوبها بهما ومراعاتهما . خلال الأيام الماضية تناقلت وسائل الإعلام صور الأطفال الذين زجت بهم حركة العدل والمساواة السودانية وغررت بهم للهجوم على العاصمة الخرطوم، وتساءلت، وأنا أشاهد هذا المنظر: كيف يتجرأ أناس يرغبون في تحقيق حياة أفضل لمواطنيهم على تقديم هؤلاء الأطفال ليكونوا ضحية صراع، وخلاف مع حكومة السودان مع تعريضهم للمخاطر وحرمانهم من التعليم، وكم سرني، وسر غيري إعلان حكومة السودان الإفراج عن هؤلاء الأطفال، وتسليمهم لذويهم، فهؤلاء الأطفال لا ذنب لهم, فهم يتعرضون لشحن نفسي يغريهم للانخراط في الأعمال العسكرية أو ربما ظروفهم الاقتصادية السيئة هي ما ساعدت على هذا الأمر, وفي كلتا الحالتين فإن استغلالهم وتوريطهم جريمة لا تغتفر، ولذا أقترح على حكومة السودان أن تعمد إلى الأسلوب التربوي بهدف تعليم هؤلاء الأطفال وتمكينهم من بناء ذواتهم حتى يخدموا أنفسهم وعائلاتهم ومجتمعهم الكبير، وذلك بإعطائهم فرصة التعليم الأساسي والمهني والعالي في حال رغبتهم وقدرتهم على ذلك، لأن في هذا غرس للمواطنة والانتماء للمجتمع الكبير بدل الانتماء لإقليم دارفور.
الصورة الثانية التي استوقفتني كممارسة لا إنسانية هي صورة الشاب عمر خضر الكندي الجنسية العربي الأصل، الذي اعتقلته القوات الأمريكية في أفغانستان، وهو في سن الـ 15، وذلك في عام 2002 بحجة أنه ينتمي للقاعدة، وتم ترحيله إلى سجن جوانتنامو، ولا يزال يقبع هناك، ويعاني التعذيب النفسي والجسدي، وذلك كما يدل الشريط القصير الذي تم بثه عبر الفضائيات، وهو يبكي لعجزه، وصعوبة الظروف التي تحيط به . تساءلت هل هذه الممارسة إنسانية؟ وهل تتفق مع حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق الطفل بشكل خاص؟ الإجابة لا, وذلك كما سبق الإشارة إلى مواد حقوق الطفل الصادرة في الإعلان العالمي ، لكن المصيبة أن من يرفع لواء حقوق الإنسان هو أول من يخالفها، ويتركها خلف ظهره. طفل في سن الـ 15 كيف يتم وضعه في سجن جوانتنامو مع بالغين، وبصورة تهدد نموه العقلي، والعاطفي؟! المعروف أن دول العالم تخصص دوراً خاصة للأطفال الخارجين على القانون، ويعمل في هذه الدور أفراد مؤهلون، ومتخصصون، وذلك بهدف إعادة التأهيل، والتربية، وليس بهدف التعذيب، والإساءة لكن حالة عمر خضر تكشف كثيرا من المآسي التي لا بد للحكماء والمثقفين، ودعاة حقوق الإنسان من الوقوف عندها، والتساؤل بشأنها بدلاً من تركها تمر مرور الكرام . كما أن عمر خضر لم يكن على الأراضي الأمريكية حتى تتم معاملته بهذه الطريقة البشعة واللا إنسانية, حيث عند اعتقاله كان على الأراضي الأفغانية، وأمريكا هي التي ذهبت إلى هناك فأي حق لأمريكا يخولها لاعتقاله ومن ثم ترحيله إلى جوانتنامو، لماذا لم يترك شأن اعتقاله للحكومة الأفغانية التي وجد على أراضيها؟! لا شك أن هذا السلوك يتنافى مع الفطرة البشرية السوية ويتعارض مع المواثيق الدولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي