المستشفيات الجامعية والتصنيف الجديد لجامعة الملك سعود
لقد نجحت حكومة خادم الحرمين الشريفين في التعامل مع تصنيف الجامعات الذي صدر قبل سنتين كفرصة للتصحيح بدلا من سب الظلام والإغراق بنظريات المؤامرة. فالتصنيف الذي صدر قبل سنتين ذيل بالجامعات السعودية حين كانت في المرتبة 2998 من أصل ثلاثة آلاف جامعة عالمية، فضلا عن عدم استحقاقها لأي مرتبة في استفتاء أجري عن أفضل 500 جامعة في العالم.
لا شك أن مهمة مدير جامعة الملك سعود الدكتور عبد الله العثمان وقتها لم تكن سهلة بل كانت متسارعة ومتسابقة مع الزمن من أجل تصحيح ما يمكن تصحيحه قبل نهاية عام 2008 موعد التقييم الأحق. وفعلا وبدعم من حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قفزت جامعة الملك سعود في التصنيف العالمي للجامعات من الرقم ما بعد ثلاثة آلاف إلى الرقم 380 وذلك في التصنيف الذي أصدره سايبر مارتكس المركز الإسباني قبل فترة وجيزة.
أجد أن الوقت قد حان لأن يلتفت مدير الجامعة إلى المستشفيات الجامعية من أجل رفع كفاءتها التي تحتاج إلى إعادة هيكلة من جديد. ولعلي لا أكون مبالغا إذا قلت إن تصنيف المستشفيات الجامعية حاليا لن يكن أفضل من تصنيع الجامعة قبل سنتين. لذا فإن المستشفيات الجامعية في حاجة إلى إعادة النظر وإعادة هيكلة لتكون في مصاف المستشفيات العالمية المرموقة. فكلية الطب في جامعة الملك سعود - جامعة الرياض سابقا - هي خرجت كوكبة من أطبائنا العالميين كمعالي الدكتور عبد الله الربيعة، والدكتور زهير الهليس وغيرهما من أطبائنا الذين تخطت شهرتهم المحافل الدولية.
فكلية الطب ما زالت تزخر بكوادر وطنية مفخرة لنا جميعا، لكن مشكلتها الأزلية تكمن في عجز إدارة كلية الطب في إقناع وزارة المالية من أجل تحويل المستشفيات الجامعية إلى مستشفيات التشغيل الذاتي، كما هو حال المستشفيات الحكومية الأخرى. وقد عبر عميد كلية الطب الحالي وعميدها السابق ومساعدوهم في أكثر من مناسبة وعبر أكثر من وسيلة إعلامية عن فشلهم في إقناع وزارة المالية بضرورة تحويل المستشفيات الجامعية إلى مستشفيات التشغيل الذاتي كبقية المستشفيات الحكومية الأخرى، خصوصا أن المستشفيات الجامعية تخسر كوادرها بسبب عجز نظامها الحالي في المحافظة على كوادرها الطبية، فضلا عن استقطاب كوادر بشرية جديدة.
مما يزيد معاناة المستشفيات الجامعية فقدانها كوادرها الوطنية ليس فقط كأطباء بل كأساتذة وأعضاء هيئة تدريس. ولعل قرار مجلس الوزراء استثناء أعضاء هيئة التدريس في كلية الطب وأطباء الكلية بالتعاون مع مستشفيات القطاع الخاص كان الهدف منه الوصول إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف. لكن السؤال الحيوي هل فعلا أرضى هذا القرار جميع الأطراف، المريض والطبيب ووزارة المالية؟ نتيجة هذا القرار لم تعد الآن خافية على قارئ هذا المقال وواقعها كفيل بالإجابة عن هذا التساؤل.
لا شك أن تحويل المستشفيات الجامعية لمستشفيات "تشغيل ذاتي" ضرورة يمليها واقع هذه المستشفيات. فمستشفيات التشغيل الذاتي أثبتت قدرتها على رفع كفاءة الخدمات الصحية بدلا من تشغيل المستشفيات عبر عقود التشغيل التي كانت نتائجها "لم ينجح أحد" أو تشغيل المستشفيات عبر الكادر الصحي المتهالك.
أعود مرة أخرى إلى السؤال السابق في كيفية رفع كفاءة المستشفيات الجامعية من أجل أن تكون رائدة في تقديم الخدمات الصحية؟
ولعلي أجد أن الإجابة تبدأ بتساؤل آخر هل من الأفضل ربط المستشفيات الجامعية بكلية الطب؟
وهل كلية الطب هي الكلية الوحيدة المستفيدة من المستشفيات الجامعية؟
أليست الكليات الطبية الأخرى ككلية طب الأسنان وكلية الصيدلية وكلية العلوم الطبية ممن يستفيد ويتدرب في المستشفيات الجامعية؟
لذا أجد أن أول خطوات التصحيح تبدأ بفصل كلية الطب عن المستشفيات الجامعية لما في ذلك مصلحة لكلية الطب والمستشفيات الجامعية. فميزانية كلية الطب مثقلة بميزانية المستشفيات الجامعية، كما أنه من غير المنطق أن تكون ميزانية المستشفيات الجامعية تحت مظلة إحدى كليات الجامعة ومرتبطة بعميد إحدى هذه الكليات.
الغريب أن الكثير من المستشفيات الجامعية في أوروبا وأمريكا خصوصا مرتبطة بالجامعة وليس عبر كلية الطب كجامعة هارفر التي ترتبط بأكثر من مستشفى وغيرها كثير.
ولعل البعض يتساءل كيف يسهم فصل إدارة المستشفيات الجامعية عن إدارة كلية الطب في رفع كفاءات المستشفيات وكلية الطب؟
وللإجابة عن هذا التساؤل فإني أجد أن استقلال المستشفيات الجامعية عن كلية الطب يسهم في اختلاف النظرة عن المستشفيات الجامعية كمزود للخدمة العلاجية وليس كجزء من كلية. فوزارة المالية عند تعاملها مع المستشفيات الجامعية كمستشفيات مزودة للخدمة العلاجية وليست فرعا من كلية من كليات الجامعة.
فالمستشفيات الجامعية يجب أن تكون مستقلة إداريا عن كلية الطب، حيث يتم التعامل بين إدارة المستشفيات الجامعية وكلية الطب على أساس أن أعضاء هيئة التدريس في كلية الطب يعملون مع المستشفيات كما يتعاملون حاليا مع مستشفيات القطاع الخاص. فأعضاء هيئة التدريس يتقاضون أجرهم كعضو هيئة التدريس كبقية أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، كما يمكن للأطباء المتميزين بتقاضي أجور إضافية جراء عملهم في المستشفيات الجامعية.
فأعضاء هيئة التدريس في كلية الطب بدلا من تعاونهم مع القطاع الخاص يكون تعاونهم مع إدارة المستشفيات الجامعية ككيان مستقل وليس كجزء من كلية الطب. كما أن التشغيل الذاتي للمستشفيات الجامعية سيساعدها في رفع كفاءتها خصوصا إذا تم ربطها إداريا بمدير الجامعة مباشرة مما يسرع إنهاء الإجراءات الإدارية والمالية. علاوة على ذلك فإن ارتباط المستشفيات الجامعية مباشرا مع مدير الجامعة يساعدها من الاستفادة من جميع الكوادر المؤهلة في الجامعة سواء في الشؤون المالية أو الإدارية أو القانونية أو غيرها.
ختاما أكرر دعوتي لمدير الجامعة بضرورة الالتفاتة للمستشفيات الجامعية خصوصا كونها مستشفيات تخدم شريحة كبيرة من المواطنين وكون المستشفيات الجامعية محاطة بخبراء قادرين على تشغيلها على أرقى المستويات. فالبداية الصحيحة تتم عبر تصحيح إداري يعقبه تغيير في مستوى الخدمة ومن ثم نوعيته. فكما كان عام 2008 بداية مرحلة جديدة وتصنيف جديد لجامعة الملك سعود فهل يكون بداية مرحلة جديدة للمستشفيات الجامعية أيضا؟ أرجو ذلك.