رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


محللو الأسهم و(أوز) نسيم طالب

[email protected]

يتنافس الكثير من المحللين على شاشات القنوات الفضائية سواءً محلياً أو عالمياً في استعراض قدراتهم التحليلية على التنبؤ بمسار الأسواق المالية. ودائماً ما أطرح التساؤل التالي: لو كان هؤلاء واثقين ثقة مطلقة بما يقولون لما وجدوا وقتاً للظهور على شاشات التلفاز ولاستغلوا أوقاتهم في جني أكبر أرباح ممكنة باستغلال تلك المعلومات. ولا أعتقد أن أياً منهم يفعل ذلك من منطلق (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) ومن باب حب الخير للناس، لأن الطبيعة البشرية مجبرة على حب الذات. هذه الحقيقة قد لا يرغب الكثيرون في سماعها وقد تغضب الكثير من إخواننا من محللي الأسهم على الفضائيات، لكنه الواقع وعلينا تقبله. وأعلم أن أكثر من سيغضب من تلك الحقيقة محترفو التحليل الفني الذين بلغوا مستويات عالية من الثقة في أدوات التحليل الفني حدت بالبعض منهم إلى تحديد أرقام بعينها لما سوف يصل إليه مستوى المؤشر أو لما ستبلغه أسعار بعض الشركات وعلى مدى زمني بعيد. في مقال اليوم أحاول تسليط الضوء على بعض من الحقائق التي تبين أن عملية التحليل والتنبؤ بمسار الأسواق المالية تنطوي على حالة كبيرة من عدم التأكد وأن بعض حالات النجاح تعود إلى مصادفات إيجابية ولا تعكس بالضرورة المهارة والقدرة التنبؤية لصاحبها.
فمنذ القدم والإنسان يحاول من خلال اكتسابه المعارف المختلفة الوصول إلى (القدرة الكاملة) على التنبؤ بالمستقبل لكنه لم يصل ولن يصل إلى ذلك، لسبب وحيد، أن ذلك يعني نهاية العالم. وقد يقول قائل إنه لا حاجة لأن تخبرنا بذلك لأن هذه حقيقية بديهية، نعم الكل يعرف ويؤمن بهذه الحقيقية، لكن التفكير انطلاقا من هذه الحقيقة سيجعلنا نكون أكثر انتقادا وأقل انحيازا عندما نستمع إلى من يحاول إفهامنا أنه يعرف الكثير عن الأحداث المستقبلية، خصوصاً ما يتعلق منها بالأسواق المالية. إن ما تحاول شتى العلوم والمعارف خصوصا، الإحصائية والرياضية والاقتصادية منها، هي البحث عن الأحداث الأكثر احتمالا من خلال قراءة تاريخ الأحداث. لذلك عادة ما يتم رسم الأحداث وتحديد احتمالاتها من خلال المنحنى الطبيعي Normal Distribution والذي يأخذ شكل الجرس Bill Curve. فالأحداث التي تقع على الأطراف هي الأقل احتمالا أما الأحداث التي تقع قريباً من المنتصف فهي الأحداث التي تكون أكثر احتمالا للحدوث مما يعني أن علينا التركيز عليها بشكل أكبر. لذلك فإنه ومنذ ظهور نظرية التوزيع الطبيعي للأحداث، ركز الباحثون على بناء نماذج التنبؤ بالأحداث المستقبلية على هذا الأساس، بمحاولة استخلاص احتمالات وقوع الأحداث المختلفة من القراءة التاريخية لها. فالأحداث الأكثر حدوثاً في الماضي هي الأحداث الأكثر حدوثاً في المستقبل. هذه الفكرة بسبب منطقيتها فلسفياً ورياضياً لا تزال تمثل محور التفكير العلمي للباحثين في شتى العلوم والمعارف ولم يحاول الكثيرون المساس بها على الرغم من ظهور مدارس أخرى كالـ Bayesians تحاول نقد هذه المدرسة.
لكن اللبناني الأصل والأمريكي الجنسية نسيم طالب قلب هذه الطريقة من التفكير رأساً على عقب عندما قدم كتابيه الأول: Fooled by Randomness والثاني The Black Swans. والحقيقة التي يحاول نسيم تقريرها في الكتاب الأخير أحدثت نوعاً من الصداع لدى محللي الأسواق المالية في وول ستريت ولدى أكثر الناس ألمعية في علوم التمويل والاقتصاد والإحصاء من أمثال ما يرون سكولز وروبرت إنجلز الحائزين جائزة نوبل في الاقتصاد. فهو ينطلق من حقيقة أن الطريقة التي نرى ونقرأ بها الأحداث تجعلنا نركز على الأحداث الأكثر احتمالا Probable والتي تتركز كما أشرت في منتصف التوزيع الطبيعي، بينما نهمل الأحداث التي تقع في ذيل التوزيع الطبيعي بسبب أنها الأحداث الأقل احتمالا. هذا يحدث بشكل متكرر على الرغم من أن الأحداث الأقل احتمالا قد يكون لها تأثير كبير Massive Impact حياتنا وقد تأتي على كل ما عملناه خلال السنوات السابقة (سلبية) أو قد تحسن الطريقة التي نعيش بها بشكل جذري (إيجابية). ومن أمثلة تلك الأحداث (السلبية) الحرب العالمية الأولى، أحداث الحادي عشر من سبتمبر، انهيار فبراير 2006 للسوق السعودية، انهيار سوق سندات الرهن العقاري. أما الأحداث الإيجابية فتتمثل في أغلب الاختراعات التي جاءت من قبيل المصادفة ولم تكن مخططاً لها مثل الليزر، علاج السرطان، الفياجرا. كل هذه الأحداث تتصف بأنها الأحداث الأقل احتمالا Improbable لكنها مع ذلك تحمل تأثيراً كبيراً قد يستمر إلى عدة سنوات. هذه الأحداث هي ما يطلق عليها نسيم طالب The Black Swans أو الأوزة السوداء، انطلاقا من الفكرة التي كان الإنجليز يؤمنون بها وهي أنه لا يوجد على وجه الأرض إلا أوز أبيض إلى أن تم اكتشاف أستراليا وتم اكتشاف أن هناك أوز أسود في أستراليا.
لذلك فإن مشكلة محللي الأسواق المالية ضعف قدرتهم على التنبؤ أو التقليل من أهمية هذه الأحداث أو الـ The Black Swans لأنها تقع في أطراف التوزيع الطبيعي. هذا على الرغم من أهمية هذه الأحداث في التأثير في عوائد الاستثمارات خصوصاً على المدى الطويل. لذلك يضرب نسيم مثالاً لأحد أصدقائه في وول ستريت الذي قضى ثماني سنوات جمع خلالها ثروة قدرها ثمانية ملايين دولار، بينما خسر هذه الثمانية ملايين في ثماني دقائق. والسبب في ذلك يعود إلى أنه لم يقدر فعلاً أن هناك أوزة سوداء ستأتي على مدخرات ثماني سنوات. ولنعد بالقليل إلى ما قبل شباط (فبراير) 2006 ولنبحث في تصريحات المحللين، فهل توقع أحدهم أن يحدث ذلك الانهيار. أكاد أجزم أن لا أحد في خضم ذلك الارتفاع توقع ذلك، بل إني أتذكر تصريحات البعض ببلوغ المؤشر 25 و 30 ألف نقطة. وما بين غمضة عين وانتباهتها، يغير الله من حال إلى حال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي