صناعة التحرش الجنسي!!
لا تعجبوا كثيراً من هذا العنوان, فموقعي ككاتب في جريدة "الاقتصادية", يحتمُّ علي أن أتحدث بين حين وآخر عن أداة من أدوات الاقتصاد المعاصر, والصناعة اليوم من أبرز الأدوات الاقتصادية التي تنهض بها الدول والشعوب, والسعودية هذه الأيام تتهيأ لتكون من الدول الصناعية الثماني؛ بما لديها من نهضة اقتصادية شاملة, ولكنها - كما عودتنا - تتهيأ لجذب الصناعات النافعة, التي تعود على شعبها بالخير والرفاهية, لا لجذب الصناعات الضارة, أعاذنا الله منها!
وفي ظل التقدم الحضاري المادي, والتأخر الحضاري المعنوي (الأخلاقي), أصبح لدى بعض الدول وَلَه بتصنيع بعض السلوكيات, حتى أنتجت بعض الدول الشرقية والغربية شيئاً يسمى: "التحرش الجنسي", وهي صناعة ثقافية جنسية, تخدش كرامة الإنسان, وتتسلل إليه في أخص ما يملك, أداتها الاختلاط, وموادها الخام الأعضاء الظاهرة, وهدفها الأعضاء المستترة!!
أما كيف ابتكرت تلك الدول هذه الصناعة, فهو حين تفتقت قريحتها قبل عشرات السنين بفكرة نزع الحجاب عن المرأة, ثم شرَّعت اختلاط الرجال بالنساء في أماكن العمل, وحضت عليه في قوانينها وأدبياتها, ثم ألهبت هذه الغريزة بمشاهد العري والفساد, فأنتجت بذلك التشريع هذا السلوك المؤذي, وأفرزت بتلك الممارسات هذا المنتج الضار, المسمى تلطفاً بـ "التحرش الجنسي", سواء كان برضا الطرفين - كما تبيحه قوانينهم, وتنأى به عن مفهوم التحرش - أو بغير رضاهما, كما تمنعه وتجرِّمه, والنتيجة الطبيعية لذلك:
أصبح من العادي أن ترى في تلك البلاد رجلاً يغمز امرأة في قارعة الطريق.
وأضحى من الطبيعي أن تراه يقبلها وهما ينتظران الحافلة.
وصار من الممكن أن تراه يحضنها وهما يجلسان على كرسي القطار.
وظل من المتوقع جداً أن تراه يمارس معها الجنس وهما مستلقيان في منعطف طريق, أو في زاوية حديقة... (حياء من الناس!!).
وما زال الموضوع يتطور منذ سنين طويلة, حتى ابتليت تلك المجتمعات بظاهرة جنسية جديدة تسمى: "الاغتصاب" وهي جريمة, تمنعها أنظمتهم, وتجرمها قوانينهم, وقد انتشرت هذه الظاهرة, وكثر ضحاياها, حتى أصبحوا بمئات الآلاف, بل بالملايين!! وأحياناً يكون المستهدف بهذه الجريمة: المرأة العفيفة (وهي عملة صعبة في تلك البلاد), أو الطفلة الصغيرة, أو المرأة المسنة...!! وقد طفح الكيل بسبب هذه الجرائم, حتى ظهرت الدراسات الأجنبية, وصدرت التقارير الغربية, التي تكشف عن جانب من هذا التحرش الجنسي البغيض:
فقد كشفت بعض التقارير الخاصة بالاغتصاب في الولايات المتحدة (مثلا) بأن حادثة اغتصاب تسجل كل ست دقائق!! وأن جرائم الاغتصاب أكثر الجرائم تسجيلاً في محاضر الشرطة, والمدن الأمريكية.
وتقول بعض التقارير المنشورة في الإنترنت: إن 90 في المائة من حوادث الاغتصاب لا تصل إلى سجلات (البوليس) "الشرطة", وهذا يعني بعملية حسابية بسيطة: أن 10 في المائة من حوادث الاغتصاب تتم كل ست دقائق, أو أن جريمتين – تقريبا - تتم كل دقيقة!! وحسب الإحصائيات التي قامت بها بعض المؤسسات النسائية, فإن نصف النساء العاملات في الولايات المتحدة, والبالغ عددهن 40 مليون امرأة, أو أكثر, يتعرضن للمضايقات الناجمة عن الجنس ولو مرة واحدة في حياتهن المهنية, وتمتنع الكثيرات منهن عن الشكوى والتظلم من هذه المضايقات؛ خشية أن يفقدن عملهن!
وفي (لوس أنجلوس) التي تشتهر بأنها عاصمة حوادث الاغتصاب في العالم: واحدة من ثلاث فتيات فوق سن 14 عاماً معرضة للاغتصاب!!
وفي حديث تلفزيوني أعلن حاكم ولاية (كاليفورنيا) حربًا لمدة عشر سنوات بكلفة خمسة مليارات دولار لمكافحة جريمة الاغتصاب, وتحدث الحاكم قبل سنوات عدة - واسمه Jer Brauon - عن الحال التي وصلت إليها الأوضاع في المدينة, بقوله: "إن مستوى الخوف ودرجة العنف البشعة أنشأت جوًّا من شأنه تقويض حقنا الأساسي في أن نكون أحرارًا في مجتمعنا!!".
وفي تقرير صحافي لجريدة "نيويورك تايمز": أن الجيش الأمريكي يواجه اتهامات كثيفة تتعلق بتحرشات جنسية، واعتداءات جنسية بحق مجندات أمريكيات, من جانب زملاء لهن, وخاصة في العراق والكويت وأفغانستان.
ولكثرة الشكاية من التحرشات الجنسية في أماكن العمل, ومقاعد الدراسة, وفي وسائل المواصلات المختلطة, وغيرها..., عمدت بعض الدول إلى تخصيص مقاعد خاصة للنساء في بعض المدارس, وفي بعض القطارات..., ومن ذلك معهد (ميلز أوكلاند) ويقع في مدينة (أوكلاند) في ولاية (كاليفورنيا), حيث لا يدرس في هذا المعهد إلا البنات, وحين أراد المعهد - بقرار من مجلس الإدارة - أن يرفع من سقفه المالي, بفتح المجال أمام الذكور للدراسة, احتجت الطالبات لذلك, وقمن بإضراب شامل عن الدروس, كما قمن بجمع ثلاثة ملايين دولار للجامعة؛ لتغطية العجز المالي, ما حمل أعضاء المجلس عن التراجع عن قرار السماح بالاختلاط!!
وهكذا بدأت تتعالى بعض الأصوات الحرة؛ للمطالبة بإلغاء الاختلاط بين الجنسين, واتخذت لذلك خطوات عملية, وأين؟ في البلاد الغربية التي تتخذ من العلمانية: أسلوب سياسة, ومنهج حياة!! تقول الكاتبة الإنجليزيةLady Cook، التي أحست بعواقب الاختلاط الوخيمة, وذلك قبل عشر سنين في صحيفة Alaieo ما نصه: "إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طبعت المرأة بما يخالف فطرتها, وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنى, وهنا البلاء العظيم على المرأة..., ثم تقول: أما آن لنا أن نبحث عما يخفف - إذا لم نقل: عما يزيل - هذه المصائب العائدة بالعار على المدنية الغربية, أما آن لنا أن نتخذ طريقًا تمنع قتل الآلاف من الأطفـال الذين لا ذنب لهـم...!!".
وهذا يكشف أن من أهم الأسباب هذه الجريمة الأخلاقية: اختلاط النساء بالرجال في أماكن العمل, كما أن من أسبابه الظاهرة: كشف مفاتن المرأة, والصور الإباحية التي تنشر عن طريق الفضائيات, وبرنامج you tube ونحوه, وبلوتوثات الهواتف النقالة..., ونحو ذلك مما أصبح اليوم وقوداً لهذه الممارسات الشاذة..
ومما يؤسف له حقاً: أننا أصبحنا نقرأ ونسمع عن حوادث تحرش جنسي في بلادنا الحبيبة, التي تنعم بقدر كبير من المحافظة والالتزام, والسر في هذا أنه بدأ يتسلل إلينا فيروس الاختلاط في بعض أماكن العمل الخاص, إضافة إلى توظيف بعض الشباب لبرامج التقنية الفضائية والعنكبوتية في رؤية ومشاهدة الإباحية, وترويجها وإشاعتها, حينذاك بدأنا نصاب بهذه "الميكروبات" البشرية الضارة, التي قد يصعب مقاومتها بالمضادات الحيوية, مهما بلغت قوتها, وقديما قيل: "الوقاية خير من العلاج", ولهذا أملنا كبير في معالي وزير العمل, بأن يهيئ فرص العمل للمرأة في جو هادئ, بعيد عن الاحتكاك بالرجال, لنبدأ من حيث انتهى الآخرون, لا من حيث بدأوا, ولاسيما أن غالب المجتمع يتشوف لهذا المناخ المحافظ, والمتوافق مع شريعتنا السمحة, التي ألمحت إلى أهمية الحجاب, وإلى خطورة التهاون فيه, كما في قوله جل وعز: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين...!!"، وقوله تعالى: "فلا يؤذين" فيه إشارة إلى ما يؤدي إليه التهاون بالحجاب, من الأذية المسماة اليوم بـ "التحرش الجنسي", فهل نقف عند كتاب ربنا, وتعاليم نبينا؟ هذا هو الظن بمسؤولينا, والله تعالى أحكم, وأعلم.