المسؤولية الاجتماعية بين قدم المبادرات وحداثة المفهوم (1 من 2)
في كل مرة نتحدث فيها عن التنمية وتحقيقها باستدامة عبر "المسؤولية الاجتماعية" يقوم أحدنا فيرمي القطاع العام بالتقصير، ويتحدث آخر عن تقاعس الشركات، وتلوح مؤسسة بجملة من الأعمال الخيرية، ويرد إعلامي بخلط بعض الأمور - كعادة بعضهم - وقد يشكك خبير في فهمنا لهذا المصطلح "الحديث" ويذهب أكاديمي بإلقاء التهمة على المجتمع. المشكلة أننا نوجد أرضا خصبة للكثير ممن يتفننون في المراوغة والالتفاف حول الموضوع سعيا وراء البروز هنا أو الظهور هناك دون أن تكون لهم إضافة فعلية, ولو أن خبراءنا وخبيراتنا في التنمية والمسؤولية الاجتماعية كثفوا جهودهم خلال العقود الأربعة الماضية لقولبة المصطلح في مجموعة أخلاقيات ومبادئ لكفانا الله "اللت والعجن" ولَكُنا الآن نقيس بمؤشرات علمية مدى تقدمنا في ذلك وتحديد "أين هي الحلقة الضعيفة"؟. أعتقد أن المسألة أصبحت استهلاكا للوقت وإسرافا وتبذيرا للورق مع بعض الاستعراض مما يؤكد استمرار تسجيل الحضور الإعلامي وكأنه شعار معظم أنشطتنا اليوم. لذلك نحتاج إلى الإجابة عن أسئلة عدة من أهمها "هل المسؤولية الاجتماعية أخلاقيات أم أعمال فعلية ميدانية؟, وما الذي نجنيه بنشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية إذا كنا نقدم على طرح الأمور بطريقة عشوائية وخلط لا يؤصل تعريفا أو معنى يوضح الأهداف ويوسع المدارك ولا حتى يعود بنفع أكثر ديمومة من المانشيتات الاستهلاكية؟, ثم أليس هناك مبادرات تترجم ما نصوره أنه حديث وهو قديم قدم الإنسان؟. وهل يقع ما قام به موسى عليه السلام تجاه المرأتين أن سقى لهما الرعي تحت مصطلح المسؤولية الاجتماعية؟. نحن نريد من الخبراء قيادتهم للطرح والتوجيه بأسلوب أفضل ليس فقط على مستوى المؤتمرات والدورات، ولكن أيضا على مستوى البحث العلمي والنشر الإعلامي المركز بما يعرف الجميع مفهوم ما نتحدث عنه.
جميعنا يعلم أن بالتثقيف والمعرفة يمكن أن يخرج الفرد من الجهل والانطواء والانهزامية والوقوع في العثرات إلى سبر وديان الفرص وتخطي الحواجز للنجاح والإقدامية وتحقيق الإنجازات. هذا سيقودنا إلى بداية مشوار السعي للعيش الكريم والازدهار الدائميْن وهو ما نأمل أن يقلدنا فيه أبناؤنا ليحصدوا ما زرعنا ويبذروا بذورا جديدة للأحفاد. إن تعلم الفرد كيفية حماية موارد وممتلكات الوطن أو تعليم أبنائه وذويه كيفية الإنفاق والادخار أو آلية الحماية من الإصابة بالأمراض أو دعم برامج الوقاية الصحية كتنمية صحية للمجتمع أو الترفع عن أذية الآخرين بالاهتمام بالتأدب مع العامة في أي مكان لهي بوادر كريم العيش والازدهار الذي ننتظره. إن مجرد التحقق من أسس القضايا والعوامل المؤثرة فيها وصنع القرارات بناء على دراسة متأنية نتفادى بها التعسفية أو التسرع الذي يضر بأصحاب القضايا أو من لهم علاقة بها بشكل مباشر أو غير مباشر لهي من منميات المسؤولية الفردية تجاه مجتمعه. على النقيض فتكرار مفاوضة السعودي للقبول براتب أقل أو ترك العمل لعدم الحاجة أو تشويه صورته بين مجتمعه أو زملائه لإجباره على التنازل عن حقوقه أو إنهاء عقده دون سابق إنذار أو تعطيل أوراق بعثة موظف طبيبا كان أو فنيا لغرض ما أو لآخر، أو عدم قراءة اللوائح والاجتهاد في إصدار القرارات التعسفية أو التسلط عليه بأي من هذه الصور وغيرها لهو الدليل القاطع على أننا نوغل في انتشار الفرقة والإحباط بين أفراد المجتمع ما يعني أننا نُنَظر حينما نتحدث عن المسؤولية الاجتماعية.
المهم الآن هو كيف نصل بالفرد إلى فهم مصطلح "المسؤولية الاجتماعية"؟. من وجهة نظر خاصة الوضع يتطلب تعاونا كبيرا من قبل كبار منسوبي القطاع الخاص قبل القطاع العام حتى ولو كان فقط في هذه المسألة. إن التعاون الذي ننشده في هذا الشأن لا يعني فقط صرف الأموال في برامج مؤقتة أو لأهداف محددة تنظمه شركة تأمين أو يتحمله تاجر واحد أو ترسم طريقه مكاتب استشارية, ولكن هو خطة متكاملة لمدى طويل وشريحة كبيرة وأهداف متعددة متتالية ومعتمدة بعضها على بعض. هذا لا محالة سيمكن المجتمع من تحمل مسؤولية حل مشاكله وبمجرد تحديد إثر المشاكل وحجمها اقتصاديا واجتماعيا، فكلنا سنشارك فعليا في تنمية المسؤولية لدى المجتمع. كما أعتقد أن على الشركات والمؤسسات الخاصة القيام ببرامج أو مشاريع تعاونية تشجع الموظفين مثلا على تغيير كثير من عاداتهم في مكان العمل مثل استخدام الموارد كالورق والسعي لإعادة تدويره واقتصار استخدام الأنوار على الغرف المستخدمة وتوقيت استخدام الماء في المباني حتى نهاية الدوام ومن ثم إغلاقه لليوم التالي, والحرص على تبني قياس مدى نجاح هذه المبادرة أو تلك الأنشطة... إلخ. من المهم أيضا تبني الإيجابية والتنافس في موقع العمل لصالح المنشأة والعمل وتكريس أهمية الوقت في كل الأمور والشؤون. ولا ننسى أن غرس مفهوم التطوع وتقديم الأعمال الخيرية ليس لخفض تكاليف أو تقليص استقدام عمالة، ولكن لصناعة أفراد يؤسسون مجتمعا مثقفا ومنتجا ومسؤولا يقوم بواجباته مراعيا بعضه الآخر بشكل مستديم يمكن أن يحسن من علاقة التاجر بالفرد وعلاقة أفراد المجتمع بعضهم بعضا, وللحديث بقية.