توقعات باتخاذ الحكومة 3 خطوات إضافية لمواجهة التضخم في السعودية
توقع تقرير اقتصادي صدر أمس اتخاذ الحكومة السعودية ثلاث خطوات في خطتها لمواجهة التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته في عام 2007, تتمثل في تقديم المزيد من الإعانات وضبط الأسعار، احتواء الكتلة النقدية، وتعديل سعر الصرف للعملة السعودية.
وعزا التقرير الصادر من شركة جدوى للاستثمار هذه التوقعات, إلى أن الخطة السابقة التي اتخذتها الحكومة والمكونة من 17 بندا تسغرق آثارها في مواجهة التضخم بعض الوقت رغم أنها ـ على حد وصف التقرير ـ معتدلة بصفة عامة وتوظف معطيات السوق الأساسية في معالجة بعض الأسباب الرئيسة للتضخم.
ويقول التقرير إن العديد من السياسات التي تطرح على الملأ ويتناقش حولها الناس باعتبارها حلاً للتضخم ربما تؤثر بصورة عكسية في جانب آخر من جوانب الاقتصاد. وعليه، فإن الحكومة ستواصل نهجها الحالي المتمثل في اتخاذ خطوات صغيرة ذات أهداف عملية واضحة.
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
عد تقرير اقتصادي أصدرته أمس شركة جدوى للاستثمار أنه ليست هناك سياسة واحدة لها القول الفصل في معالجة التضخم في السعودية. ويذهب إلى أن التقرير يقول "نعتقد أن العديد من السياسات التي تطرح على الملأ ويتناقش حولها الناس باعتبارها حلاً للتضخم ربما تؤثر بصورة عكسية في جانب آخر من جوانب الاقتصاد. وعليه، نعتقد أن الحكومة ستواصل نهجها الحالي المتمثل في اتخاذ خطوات صغيرة ذات أهداف عملية واضحة". إلى التفاصيل:
في إطار خطة الحكومة السعودية لمكافحة التضخم صادق مجلس الوزراء في 28 كانون الثاني (يناير) الماضي على حزمة من 17 إجراء لتخفيف آثار ارتفاع الأسعار. وسيكون لهذه الحزمة تأثير إيجابي واسع إما نتيجة لزيادة الأجور وإما بسبب انخفاض الأسعار، إلا أن تأثيرها الأكبر سيكون على موظفي الدولة من ذوي الدخل المنخفض نتيجة لزيادة أجورهم. وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات لن تقود إلى التخلص من التضخم كمشكلة رئيسية إلا أنها ستحد من ارتفاع بعض الأسعار.
وتلك الحزمة من الإجراءات ستكلف الحكومة 13,5 مليار ريال كإنفاق إضافي وإيراد مفقود هذا العام، بينما ستبلغ تكلفتها خلال ثلاث سنوات، وهي الفترة التي ستطبق خلالها تلك الإجراءات، 67 مليار ريال. وبناء على تقديراتنا بتسجيل فائض قدره 187 مليار ريال في ميزانية 2008، فلن تشكل هذه التكلفة عبئاً ثقيلاً على خزانة الدولة. كما أن تأثير هذه الإجراءات على التضخم سيكون محايداً. ونستبعد أن تؤدي زيادة أجور موظفي الدولة إلى زيادة الضغوط التضخمية بدرجة كبيرة ولن يكون لتخفيض المصروفات والرسوم وبقية الإجراءات تأثيراً عميقاً في معدل التضخم ككل.
ارتفاع الأسعار
أدت الأسعار المرتفعة في جميع أنحاء المملكة إلى تآكل القدرة الشرائية للمستهلكين مما دفع الحكومة للتدخل. ونعتقد في المحصلة النهائية أن استجابة الحكومة كانت معقولة، خاصة أن حكومات أخرى في المنطقة رفعت من أجور موظفيها بمستوى أكبر أو أنها اتخذت خطوات كانت مرغوبة شعبياً إلا أنها ليست ذات تأثير كبير في التضخم. ويدل قرار الحكومة السعودية بزيادة الأجور بواقع 5 في المائة للعامين 2009 و2010 على أنها تتوقع أن يظل التضخم عند هذا المستوى خلال السنوات الثلاث المقبلة. ومع ذلك نعتقد أن الحكومة ستتخذ خطوات أخرى لمعالجة التضخم.
أهم بنود خطة مكافحة التضخم
- زيادة أجور موظفي الدولة بواقع 5 في المائة كل سنة على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
- زيادة إعانات الضمان الاجتماعي بنسبة 10 في المائة.
- تحمل الحكومة 50 في المائة من رسوم الموانئ ورسوم إصدار الجوازات ورسوم رخص السير ونقل الملكية وتجديد إقامات العمالة المنزلية.
- استمرار الحكومة في سياسات مراقبة وضبط أسعار السلع الأساسية ومراجعة تلك السياسات بعد 3 سنوات.
- تأسيس هيئة عامة للإسكان والتعجيل ببناء المساكن الشعبية التي تم رصد الميزانية اللازمة لها سلفاً.
- ضرورة إجازة سياسة جانب العرض التي تهدف إلى تنويع مصادر توفير السلع بحيث تتم تغطية الطلب المحلي بأسعار معقولة.
- ضرورة اتخاذ خطوات للتشجيع على المزيد من المنافسة وإجهاض محاولات القطاع الخاص للتحكم في الأسعار وممارسة الاحتكار (مراجعة نظام الوكالات التجارية) وزيادة الوعي لدى المستهلك.
- الإسراع بإجازة قانون الرهن العقاري.
- مراجعة نظام تسعير الأدوية ودراسة نظام التأمين الصحي.
ما تكلفة تلك الإجراءات؟
تشكل زيادة أجور موظفي الدولة أضخم بند في النفقات الجديدة، إذ ستزداد القيمة الكلية لبند الأجور الذي بلغ العام الماضي 170 مليار ريال حسب تقديراتنا (كان في حدود 162 مليار ريال حسب آخر بيانات متوافرة لعام 2006) بنحو 8.5 مليار ريال عام 2008 وذلك بعد تطبيق الزيادة المقررة بواقع 5 بالمائة. وبإضافة نسبة الـ 5 في المائة المقررة للعامين التاليين ستبلغ التكلفة الكلية لحزمة القرارات الخاصة بدعم موظفي الدولة 52 مليار ريال بنهاية عام 2010. وفقاً لإفادة وزير العمل والشؤون الاجتماعية تبلغ القيمة الكلية لإعانات الضمان الاجتماعي نحو 830 مليون ريال في الشهر، وبإضافة الزيادة الجديدة البالغة 10 في المائة تصل الزيادة السنوية في تكلفة الضمان الاجتماعي مبلغ مليار ريال. وعلاوة على الحزمة الجديدة منحت الحكومة مستحقي الضمان الاجتماعي الذين تأثروا ببرودة الطقس في الآونة الأخيرة مساعدات بلغت جملتها 650 مليون ريال.
ونقدّر التكلفة السنوية لاقتسام الحكومة مع المواطن تكلفة رسوم الموانئ ورسوم إصدار الجوازات ورسوم رخص السير ونقل الملكية وتجديد إقامات العمالة المنزلية وذلك لفترة ثلاث سنوات في حدود ثلاثة مليارات ريال. كذلك يؤدي تحمُّل الحكومة 50 في المائة من قيمة رسوم الموانئ لمدة ثلاث سنوات إلى انخفاض عائداتها بنحو مليار ريال سنوياً (يرجى ملاحظة أن رسوم الموانئ لا تؤثر في التعرفة الجمركية ومن ثم لا تداعيات لها على الاتحاد الجمركي الخليجي). وسيقتطع هذا الإنفاق الإضافي والإيراد المفقود، وفقاً لأسعار متحفظة للنفط (في حدود 45 دولارا للبرميل من خام النفط السعودي؛ 49 دولارا للبرميل من خام غرب تكساس القياسي)، نحو ثلث فائض الميزانية المقدرة للعام المالي 2008 البالغ 40 مليار ريال. ولكن فائض الميزانية الذي توقعناه في تقريرنا حول الميزانية (الميزانية السعودية لعام 2008) الصادرة في كانون الثاني (ديسمبر) 2007 الذي كان مبنياً على سعر افتراضي للنفط (72 دولارا للبرميل من خام النفط السعودي؛ 76 دولارا للبرميل من خام غرب تكساس القياسي) هو في حدود 187 مليار ريال. وكنا قد أشرنا في تقريرنا المذكور إلى أن "الحكومة ستتخذ خطوات لمواجهة آثار ارتفاع مستوى التضخم" وأدخلنا ذلك الاحتمال في حساباتنا التحليلية مما يجعلنا نستبقي على توقعاتنا بشأن فائض الميزانية.
تأثير الإجراءات المتخذة في التضخم
نعتقد أن تأثير الإجراءات الحكومية الأخيرة في التضخم سيكون محايداً بصفة عامة، فزيادة أجور موظفي الدولة جاءت أقل من المعدل الحالي للتضخم مما يستبعد معه أن يكون لها تأثير كبير في التضخم، كما أن إجراءات تخفيض الرسوم على الخدمات الحكومية ورسوم الموانئ وغيرها من التدابير التي تستهدف مكافحة المنافسة غير الشريفة وزيادة الوعي لدى المستهلك هي الأخرى لن تكون ذات تأثير مباشر وعميق في مستوى التضخم ككل وإن أدت إلى خفض أسعار بعض السلع. أما التعجيل في بناء المساكن فسيقلل من ارتفاع الإيجارات ولكن على المدى الطويل.
تقل نسبة الـ 5 في المائة التي ارتفعت بها أجور موظفي الدولة عن معدل التضخم الحالي الذي سجل 7 في المائة في كانون الثاني (يناير) الماضي، مما يجعلنا نستبعد أن يكون تأثيرها في التضخم كبيراً. وبصورة عامة يستدل القطاع الخاص باتجاه أجور موظفي الدولة كمؤشر عند تحديد مستوى الأجور لديه، لكن وعلى الرغم من أن النقص في المهارات في بعض أنشطة القطاع الخاص أدى إلى زيادة الأجور بأكثر من 5 في المائة إلا أن معظم العاملين الأجانب يعملون وفق عقود ثابتة وليس لديهم فرصة كبيرة للمساومة مما يجعلنا غير قلقين من حدوث ضغوط تضخمية بسبب زيادة أجور موظفي القطاع الخاص. وتتجاوز الزيادات الإضافية بنسبة 5 في المائة للعامين 2009 و2010 توقعاتنا بمتوسط التضخم في هذين العامين بقليل، إلا أن الفجوة ليست كبيرة بحيث تجعلنا قلقين من تأثيرها في التضخم في المستقبل.
تأثير زيادات أجور موظفي الدولة على التضخم
يعتقد كثير من الناس أن زيادة أجور موظفي الدولة هي طريق سهل للحكومة للتخفيف من آثار التضخم، وهذا ما جعل المواطنين في جميع دول مجلس التعاون الخليجي يضغطون لزيادة الأجور حتى تحققت لبعضهم، مثل سلطنة عمان التي طبقت زيادة بلغت 43 في المائة بينما طبقت الإمارات زيادة وصلت إلى 70 في المائة. لكن يتعين أن تأتي الزيادة في الأجور من خلال تعديل معدلات التضخم الحالية وزيادة إنتاجية العامل، ذلك أن رفع الأجور إلى أعلى من هذا المعدل سيؤدي إلى المزيد من التضخم لأن جزءاً كبيراً من الزيادة في الأجور سيتم إنفاقه مما يرفع حجم الطلب وبالتالي زيادة الأسعار. وربما تكون زيادة أجور موظفي الدولة بنسبة 15 في المائة التي تم تطبيقها في آب (أغسطس) 2005 ساهمت في ارتفاع التضخم الذي تشهده الفترة الحالية (ارتفع معدل التضخم في 25 شهراً من الأشهر الـ 29 التي أعقبت تلك الزيادة).
إنه لمن الصعوبة بمكان أن نقدّر كيف سيؤثر خفض رسوم الموانئ في التضخم، إذ يعتمد ذلك على تصرف الوكالات التجارية التي تمر عبرها المنتجات المستوردة قبل وصولها إلى المستهلك النهائي. وغالباً ما يحاول كلّ من الموزعين وتجار الجملة وتجار التجزئة اقتطاع جزء من ذلك التخفيض في رسوم الموانئ لزيادة هامش أرباحه، مما يحول دون انخفاض الأسعار بالمستوى الذي يعكس الخفض في تلك الرسوم بصورة كاملة. وفوق ذلك لا تمثل رسوم الموانئ إلا جزءاً يسيراً فقط من سعر المنتج النهائي، فبالرغم من أن 97 في المائة من حجم الواردات يصل المملكة عبر الموانئ إلا أن إجمالي قيمة رسوم الموانئ لم يتعد العام الماضي حدود 2 إلى 2,5 مليار ريال بينما بلغ إجمالي قيمة الواردات للعام نفسه 306 مليارات ريال. وبما أن التضخم المستورد لم يكن له إلا دور ثانوي في الارتفاع الكلي للتضخم في المملكة فعليه نعتقد أنه لن يكون لخفض رسوم الموانئ أثر واضح في تكلفة الواردات.
وستنعكس التخفيضات التي طبقت على الخدمات الحكومية في أرقام التضخم بصورة مباشرة (حيث تندرج جميع تلك الخدمات تحت مجموعة "مصاريف وخدمات أخرى" التي هي أحد عناصر مؤشر تكلفة المعيشة). ولا تتوافر معلومات عن الوزن النسبي لتلك المكونات ضمن مجموعة "مصاريف وخدمات أخرى"، إلا أنه من المرجح أن تكون صغيرة نسبياً خاصة إذا علمنا أن تلك المجموعة التي تشكل 8.8 في المائة من مؤشر تكلفة المعيشة تشمل كذلك المجوهرات والفنادق ومستلزمات الصحة الشخصية (كمعجون الأسنان والشامبو والصابون)، لذا نعتقد مرة أخرى أن تأثير هذا الإجراء في التضخم سيكون محدوداً.
إن تقييم تأثير الخطوات الأخرى التي أعلنتها الحكومة السعودية يتطلب الدقة والحذر، فمعالجة المنافسة غير المشروعة من قبل تجار التجزئة والجملة يفترض أن تسفر عن خفض معدل التضخم (خاصة خلال شهر رمضان)، ولكن ليس من السهل أن نثبت بصورة قاطعة حدوث الانخفاض اللازم في الأسعار أو تشجيع المزيد من المنافسة. ومما لا شك فيه أن إجبار تجار التجزئة على تسجيل الأسعار على جميع المنتجات المعروضة للبيع سيشجع المستهلكين على البحث عن أفضل الأسعار، كما أن الجهود المبذولة لزيادة وعي المستهلك ستؤدي في الغالب إلى الحد من الاستغلال الذي يمارسه بعض تجار التجزئة عديمي الضمائر. ونعتقد أن هذه الحزمة من السياسات ستسفر عن انخفاض أسعار سلع بعينها، المواد الغذائية على وجه الخصوص، إلا أن تأثيرها في التضخم سيكون متفاوتاً في مختلف أنحاء المملكة ولن يكون عميقاً.
كذلك نعتقد أن تطبيق سياسة جانب العرض هي الأخرى لن تكون ذات تأثير عميق على التضخم. فالمعلوم أنه بمجرد المصادقة على سياسة جانب العرض، سيتم إنشاء إدارة للعرض تتبع لوزارة التجارة والصناعة تكون مهمتها الرئيسية مراقبة أوضاع العرض والطلب لمجموعة من السلع في الأسواق المحلية والعالمية بغية تنويع مصادر العرض لضمان توفير كميات كافية من الاحتياجات في السوق المحلية بأسعار معقولة. ومعلوم أيضاً أنه يتعين على هذه الإدارة التنسيق مع هيئات حكومية أخرى كوزارة الزراعة مثلاً إذا تقرر أن هناك حاجة لزيادة كمية السلع الزراعية المنتجة محلياً. ونعتقد أن هذه السياسة (سياسة جانب العرض) لن تكون على الأرجح ذات أثر كبير في التضخم، وذلك لأن الفترات الزمنية الطويلة التي تحتاج إليها الجهات الرسمية لاتخاذ الإجراءات المناسبة (خاصة إذا كانت المسألة تتطلب زراعة محاصيل جديدة) تحد بدرجة كبيرة من المرونة المطلوبة للتعامل مع زيادات الأسعار بطريقة سريعة وفاعلة.
ونعتقد نحن في شركة جدوى أن السياسات التي تعد واعدة في مكافحة التضخم هي تلك السياسات المتعلقة بقطاع العقارات وذلك لأن الإيجارات كانت هي العامل الرئيسي وراء معدل التضخم المرتفع في المملكة طوال العام الماضي – سجل تضخم الإيجارات ارتفاعاً بنسبة 16.7 في المائة في كانون الثاني (يناير)- حيث أدى النقص في المعروض من المساكن مقارنة بالزيادة الكبيرة في الطلب عليها إلى رفع قيمة الإيجارات. وتشتمل الحزمة الجديدة من الإجراءات الحكومية على بعض التدابير التي ستساعد تدريجياً في تخفيف الاختناقات في المعروض من العقارات منها على سبيل المثال التعجيل بتشييد مجمعات مساكن شعبية حيث تم الآن تخصيص مبلغ 10 مليار ريال لهذا المشروع فضلاً عن النية لتخصيص مبالغ أخرى أكبر في ميزانيات الأعوام المقبلة.
وفوق ذلك يدعو هذا البرنامج الخاص بقطاع العقارات إلى إجازة قانون الرهن العقاري بصورة عاجلة وهو قانون ظل لفترة ينتظر المصادقة النهائية عليه. وبما أن معظم المواطنين السعوديين يستأجرون مساكنهم فقد أدى ارتفاع الإيجارات إلى تآكل القوة الشرائية لديهم الأمر الذي يحتم تشجيعهم على امتلاك مساكن من خلال إعطائهم قروضا بضمان الرهن العقاري وبالتالي تقليل عدد الأشخاص الذين يضطرون لإيجار مساكن (تزداد قيمة أقساط القروض العقارية وتنقص وفقاً لأسعار الفائدة العقارية على العكس من الإيجارات أو قيمة المساكن). والنتيجة النهائية هي أن تقديم قروض عقارية يجعل امتلاك مسكن أمر ممكن لقطاع عريض من المواطنين الذين لا يستطيعون دفع القيمة الكاملة لشراء مسكن في الظروف الحالية، فضلاً عن أن لهذه القروض فوائد اقتصادية أخرى مثل زيادة حجم الادخار وتشجيع تطوير السوق المالية، إضافة إلى بعض الفوائد الاجتماعية. وعلى الرغم من أن الإجراءات التي تم الإعلان عنها الشهر الماضي ستحقق بعض الفائدة المرجوة إلا أنها لن تكون ذات تأثير كبير في التضخم الكلي. وعموماً تبقى توقعاتنا أن يسجل متوسط التضخم السنوي 4.7 في المائة في عام 2008 كما هي دون تغيير.
ما الخطوات الأخرى المتوقعة؟
تكمن قوة خطة الحكومة السعودية المشتملة على 17 بنداً في أنها معتدلة بصفة عامة وتوظف معطيات السوق الأساسية في معالجة بعض الأسباب الرئيسية للتضخم. فعلى سبيل المثال تدعو الخطة إلى الإسراع في التوسع في بناء المساكن لسد النقص الشديد فيها بدلاً عن فرض حد أقصى لأسعار الإيجارات. ونقطة الضعف الوحيدة في هذه السياسة هي أن ظهور تأثيرها في التضخم يستغرق بعض الوقت، لذا نعتقد أن الحكومة ستدرس خيارات أخرى إضافية لتخفيف التضخم تشمل الآتي:
1- مزيد من الإعانات وضبط الأسعار
يفترض أن يكون للإعانات (وهي مبالغ تدفع للمنتجين لجعلهم يبيعون سلعهم بأسعار أقل مما يفترض أن يبيعوا به) ولمراقبة الأسعار على وجه الخصوص (إلزام التجار ببيع السلعة بسعر محدّد مقرر مسبقاً) تأثيراً مباشراً على التضخم من خلال الحيلولة دون زيادات إضافية في أسعار السلع، إلا أن هذا النوع من التدابير قد يؤدي إلى إحداث بعض التشوهات في الاقتصاد. فعلى سبيل المثال، يؤدي تحديد سقف أعلى لارتفاع سعر سلعة معينة إلى إعاقة إنتاجها إذا كانت أسعار المدخلات الضرورية لإنتاج تلك السلعة هي كذلك مرتفعة. إضافة إلى ذلك يمكن التهرب من ضبط الأسعار بطريقة سهلة نسبياً كما حدث في دول أخرى في المنطقة، حيث أدى تحديد سقف أعلى لقيمة الإيجارات إلى تشجيع ملاك الأراضي للإعراض عن طرح أراضيهم ومساكنهم في السوق لفترة قصيرة قبل عرضها مرة أخرى للإيجار بأسعار أعلى بعد إجراء تعديلات طفيفة جداً عليها. ورغم ذلك، فإن حجم فائض الميزانية يتيح مجالاً واسعاً لتقديم المزيد من الإعانات (مثل تلك التي قدمتها أخيرا لدعم أسعار الأرز وحليب الأطفال).
2- احتواء نمو الكتلة النقدية
بينما يعد كل من تضخم الإيجارات وتضخم المواد الغذائية ناتجا عن ظروف معينة ومختلفة، نجد أن النمو السريع في الكتلة النقدية ينشر التضخم عبر جميع مناحي الاقتصاد. وقد حاولت الحكومة السعودية سلفاً إبطاء النمو في الإقراض للقطاع الخاص (الذي زاد بنسبة 12,4 في المائة في عام 2007) من خلال رفع معدل الاحتياطي النظامي المفروض على البنوك حيث تلوح في الأفق بوادر قد تقضي برفعه مرة أخرى. ورغم أن حجم السيولة لدى البنوك يعد معقولاً إلا أن معدل القروض إلى الودائع الذي يتعدى 80 في المائة في المتوسط يوحي بأن خفض أسعار الفائدة لن يؤدي إلى طفرة في عمليات الإقراض. كذلك من شأن إصدار المزيد من سندات الدين الحكومي السعودية إلى امتصاص بعض السيولة المتاحة للبنوك مما يساعد على تخفيف نمو الائتمان. وعلى الرغم من أن الحكومة تمكنت من ضبط نمو الإنفاق الحكومي (وهو العامل الرئيسي الآخر الذي يؤثر في نمو الكتلة النقدية) بصورة معقولة، إلا أنه يتعين عليها النظر في المزيد من خفض الإنفاق من أجل إحداث تأثير حقيقي في معدلات التضخم. وبما أن خفض الإنفاق يعد إجراء بعيد الاحتمال في الظروف الحالية فلا أقل من العمل على تقييده. وكمثال على أهمية خفض الإنفاق فإن إجراء أي زيادة إضافية في أجور موظفي الدولة لن تؤدي إلا إلى ارتفاع معدل التضخم.
3- تعديل سعر الصرف
هناك نوع من التأييد داخل المملكة لوجهة النظر القائلة إن تعديل سعر الصرف سيحل مشكلة التضخم، ومن شأن تعديل سعر الصرف أن يؤدي إلى خفض أسعار السلع المستوردة، إلا أنه يعد إجراء غير ملائم من وجهة نظرنا لمعالجة التضخم، حيث تفوق أضراره فوائده (شرحنا رؤيتنا حول ربط سعر صرف الريال بالدولار في تقريرنا الصادر في أغسطس 2007 بعنوان "ارتباط الريال بالدولار"). ونعتقد أن الحكومة السعودية نفسها لا ترى ميزة كبيرة لتعديل سعر الصرف.