خفض متوقع للفائدة الأمريكية والأوروبيون يرجحون مخاطر التضخم على النمو
تتزايد مع الوقت احتمالات الركود الاقتصادي بين أوساط الاقتصاديين، خصوصاً مع ظهور المزيد من المؤشرات الدالة على ذلك. في استبيان أعدته الجمعية الوطنية لاقتصاديي الأعمال NABE، تضاعف عدد الاقتصاديين الذين يتوقعون ركود الاقتصاد الأمريكي هذا العام وذلك خلال ثلاثة أشهر فقط وليبلغ ما نسبته 45 في المائة من الاقتصاديين الذين شاركوا في الاستبيان. وحسب نتائج الاستبيان يتوقع المشاركون أن يتراجع النمو الاقتصادي خلال الربع الأول من هذا العام إلى 0.4 في المائة وإلى 1 في المائة خلال الربع الثاني. وفيما يتعلق بالنمو خلال هذا العام فيتوقع أن يبلغ 1.8 في المائة، بينما بلغت التوقعات خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بلوغ النمو الاقتصادي معدل 2.6 في المائة، مما يدلل على التشاؤم المتزايد لدى أوساط المحللين بخصوص أداء الاقتصاد. وقد أظهرت بيانات وزارة التجارة الأمريكية أن الاقتصاد الأمريكي نما بأقل من التوقعات خلال الربع الرابع من العام الماضي وبمعدل 0.6 في المائة متساوية في ذلك مع التقديرات التي أصدرتها خلال الشهر الماضي. هذا الأمر يزيد بشكل كبير من احتمالات خفض متوقع لسعر الفائدة الأمريكية خلال اجتماع لجنة سياسات السوق المفتوحة FOMC في 18 من شهر آذار (مارس). ويرجح أغلب المحللون خفض بمعدل نصف نقطة مئوية وليبلغ بذلك سعر الفائدة 2.5 في المائة.
وما زالت أزمة الرهن العقاري التي سحبت قطاعات الاقتصاد الأخرى خلفها لم تبلغ القاع بعد. إذ أظهرت بيانات مبيعات المنازل المستخدمة والصادرة من الجمعية الوطنية للعقاريين NAR انخفاضا خلال كانون الثاني (يناير) الماضي إلى أقل مستوى لها خلال تسع سنوات كما أن الأسعار تراجعت للمرة السادسة خلال سبعة أشهر، مهددة بذلك مستويات الإنفاق الاستهلاكي. فقد انخفضت المبيعات بمعدل 0.4 في المائة وعلى الرغم من ذلك فهو أقل من المعدل المتوقع وليبلغ معدل المبيعات السنوية 4.89 مليون منخفضاً عن المعدل المراجع في كانون الأول (ديسمبر) الماضي والبالغ 4.91 مليون منزل. وبناءً على هذه البيانات فقد علق آلان جرينسبان - الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - على ذلك بأنه قد يكون دلالة على أن الركود الاقتصادي قد يكون أعمق بكثير من التراجعات السابقة للاقتصاد الأمريكي، مشيراً في ذلك إلى التراجعات التي حدثت في 2001 و1992. ومن حيث الأسعار فقد انخفض الوسط الحسابي للأسعار بمعدل 4.6 في المائة خلال عام ينتهي في كانون الثاني (يناير) 2008، كما ارتفع عدد المنازل المعروضة للبيع بنسبة 5.5 في المائة وذلك في مؤشر على ازدياد عدد المنازل المباعة بسبب إفلاس مالكيها Foreclosures. ومن ناحية أخرى فقد ارتفع معدل ثقة مقاولي البناء للشهر الثاني على التوالي في إشارة إلى أن هناك تزايدا في عدد المشترين المحتملين وذلك حسب NAE إضافة إلى أن مؤشر "رويتر - ميتشجان لمشاعر المستهلكين" قد أظهر أن هناك ارتفاعا في عدد المستهلكين الذين يرون تحسن شروط شراء المساكن في الوقت الحالي.
ويخشى المحللون تعرض الاقتصاد الأمريكي لمزيج من خطري التضخم والركود أو ما يصطلح على تسميته في أدبيات الاقتصاد بـ Stagflation. فقد ارتفع إنفاق المستهلكين في الولايات المتحدة بشكل يعكس تأثرهم بارتفاع الأسعار خصوصاً أسعار الوقود والغذاء. وهذا يهدد بشكل كبير القوة الشرائية للمستهلك الأمريكي التي سيكون لانخفاضها تأثير كبير في معدلات النمو الاقتصادي. فحسب وزارة التجارة الأمريكية ارتفع إنفاق المستهلكين خلال كانون الثاني (يناير) الماضي بمعدل 0.4 في المائة في حين ارتفع مؤشر الأسعار خلال الشهر نفسه بمعدل 0.3 في المائة. إلى ذلك انخفض مؤشر مجلس المؤتمر لثقة المستهلك إلى أدنى قيمة له خلال خمس سنوات وليعكس بشكل كبير النظرة التشاؤمية لدى المستهلك تجاه الوضع الاقتصادي. فقد انخفضت قيمة المؤشر من 87.3 نقطة في كانون الثاني (يناير) إلى 75 نقطة في شباط (فبراير). ومن ناحية أخرى وحسب وزارة العمل فقد ارتفع مؤشر أسعار المنتجين - وهو المؤشر الذي يقيس تكلفة الإنتاج الصناعي - بمعدل 1 في المائة خلال كانون الثاني (يناير)، بينما ارتفع المؤشر الذي يستثني أسعار الوقود والطاقة بمعدل 0.4 في المائة. إضافة إلى ذلك، أشار تقرير صادر عن الجمعية الوطنية لإدارة المشتريات NAPM إلى انخفاض مؤشرها لمستوى نشاط قطاع الأعمال خلال شباط (فبراير) إلى أدنى مستوى له منذ عام 2001، حيث بلغت قيمة المؤشر 44.5 نقطة مما يشير إلى انكماش في نشاط قطاع الأعمال، في حين بلغت قيمة المؤشر خلال الشهر الماضي 51.5 نقطة.
وكما ذكرنا سابقاً فإن أكثر ما يقلق المحللين هو امتداد أثر هذه العوامل التي ذكرناها سابقاً إلى أسواق العمل، وهذا ما يبدو أنه يحدث فعلاً. إذ إن تراجع مؤشرات قطاع الأعمال وارتفاع أسعار المنتجين سينعكس على مستويات التوظف في قطاع الأعمال، وهذا بدوره سيضغط بشكل كبير على مستويات الإنفاق الاستهلاكي. فقد أشارت بيانات وزارة العمل الأمريكية لطلبات تأمين البطالة إلى ارتفاع بشكل كبير الأسبوع الماضي وبمعدل 19 ألف طلب ولتبلغ مستوى 373 ألف طلب وبأعلى من التوقعات. وهذا المعدل هو المعدل الثاني الأعلى منذ إعصار كاترينا في عام 2005.
أوروبا:
لا يزال أعضاء البنك المركزي الأوروبي على موقفهم المتمسك بترجيح خطر التضخم على النمو، ما يعني التقليل من احتمالات تخفيض سعر الفائدة الأوروبية. وفي ذلك يشير إكسل ويبر عضو البنك المركزي الأوروبي إلى أن المستثمرين الذين يراهنون على تخفيض سعر الفائدة يقللون بشكل كبير من خطر التضخم. ويتوقع مستثمرون ومحللون اقتصاديون أن يقوم البنك المركزي الأوروبي ECB باتباع سياسة الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا بتخفيض سعر الفائدة من أجل مواجهة خطر الركود الاقتصادي العالمي. وفي بريطانيا ونتيجة للتراجع الاقتصادي تراجعت أسعار المنازل بمعدل 0.5 في المائة من كانون الثاني (يناير) وليبلغ متوسط سعر المنزل 179.358 جنيه استرليني، ومن سنة سابقة بلغ معدل الارتفاع 2.7 في المائة.
آسيا:
ارتفع معدل ثقة المصنعين في كوريا الجنوبية بعد انخفاض خلال السنة الماضية، مما يشير إلى ارتفاع إنفاق المستهلكين الذي يحفز بدوره النمو الاقتصادي. فقد ارتفع المؤشر الذي يقيس التوقعات إلى مستوى 90 نقطة مرتفعاً من 84 نقطة خلال الشهر الماضي، وذلك حسب استبيان لأكثر من 1400 مصنع بواسطة بنك كوريا المركزي. إضافة إلى ذلك يشجع انخفاض معدل البطالة إلى أدنى مستوياته خلال خمس سنوات المستهلكين لشراء الكثير من البضائع مما يسهم في تحفيز النمو الاقتصادي. وفي اليابان انخفض إنتاج المصانع خلال كانون الثاني (يناير) ضعف توقعات المحللين نتيجة للتراجع الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي والذي يؤثر بدوره في مستويات الطلب على السلع اليابانية. فقد تراجع إنتاج المصانع بمعدل 2 في المائة من شهر كانون الأول (ديسمبر)، بينما رجح المحللين تراجع الإنتاج بمعدل 0.8 في المائة فقط.
أستراليا:
تراجعت قدرة المستهلكين الأستراليين على شراء المنازل خلال الربع الرابع من العام الماضي بعد قيام البنك المركزي الأسترالي بزيادة سعر الفائدة إلى أعلى مستوى خلال السنوات الـ 11 سنة الماضية. فقد ارتفعت نسبة المنفق على السكن من دخل المستهلك إلى 37.4 في المائة من 36.6 في المائة خلال أيلول (سبتمبر) الماضي. ويزيد من ارتفاع أسعار المنازل نقص في المعروض إضافة إلى تزايد في أعداد المهاجرين، الأمر الذي يحفز الأسعار إلى الارتفاع. إلى ذلك فقد ارتفع مستوى استثمارات القطاع الخاص خلال الربع الرابع من العام الماضي بعد أن تراجعت إلى أدنى مستوياتها خلال السنوات الثماني الأخيرة. وارتفع إثر ذلك الإنفاق الاستثماري بمعدل 3.1 في المائة خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي بعد أن انخفضت بمعدل 6.5 في المائة خلال الربع الثالث من العام الماضي.