رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


حقوق الأطفال وسقوط الشعارات (1-2)

[email protected]

لقد عنيت كافة المجتمعات، والشعوب، والثقافات المتحضرة بالطفولة وأولتها اهتماماً بالغاً نظراً لأن طفولة اليوم هي شباب المستقبل، وعلى نوع الإعداد، والرعاية، والاهتمام التي تحظى بها الطفولة يكون أداؤها وسلوكها في المستقبل. ويجيء اهتمام الثقافات المتحضرة بالطفولة بعدة صور منها التشريعي ومنها التنظيمي، والإداري، ومنها إقامة المؤسسات، وإعداد الكوادر التي تحسن التعامل مع الطفولة وذلك تفادياً لسوء التعامل، أو الإهمال، أو الاستغلال الذي قد يمارس مع الأطفال. وقد حظيت الطفولة على المستوى العالمي بالاهتمام وأوجدت الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الطفل وتضمن الإعلان العالمي أربعاً وخمسين مادة، وكل مادة تضمنت مجموعة من البنود التي تؤكد حق الطفل سواء في بيته، ومع أسرته، أو مع الأفراد، والجهات الأخرى كالمدرسة، ودار الإقامة الاجتماعية أو دور الإصلاح التي قد يودع فيها الطفل. كما أن "اليونسكو" تعطي اهتماماً بالغاً بالطفولة من خلال تنظيم المؤتمرات والبرامج الموجهة خصيصاً للأطفال في مختلف أرجاء العالم مثل برنامج اليونيسيف.
خلال السنوات الماضية اهتمت الصحافة المحلية بالطفل، وما قد يتعرض له من سوء معاملة سواء من والديه، أو أحدهما، أو من المعلم، وقد عرضت نماذج كثيرة على سوء معاملة الأطفال من ضرب، أو كي، أو حرمان عاطفي، وتعذيب نفسي، أو عزل في غرفة أو سواها وإن دل ذلك على شيء فإنما يؤكد وعي المجتمع وإدراكه قيمة الطفولة في المجتمع وضرورة التصدي لهذه الممارسات المشينة، وغير اللائقة ببني البشر فكيف إذا كان هذا الطفل ابناً أو بنتاً لمن مارس الممارسة الشاذة والقاسية.
حاولت أن أحصل على بيانات إحصائية عن سوء معاملة الأطفال في مجتمعنا لكني لم أتمكن، وقد وجدت بعض المعلومات عن إساءة، وإهمال الأطفال في الولايات المتحدة، وذلك لأن مثل هذه المعلومات متوافرة على الشبكة العنكبوتية لذلك المجتمع، وقد وجدت أنه في عام 2004 يوجد ثلاثة ملايين تقرير إساءة معاملة أطفال، وهذا يعني أن هناك حالات لم يتم رصدها والتعرف عليها. وتتوزع هذه الحالات على عدة صور من الإهمال، وإساءة الاستخدام حيث إن 65 في المائة عانوا الإهمال من قبل الوالدين، أو الأقارب، و18 في المائة عانوا العنف الجسدي، و10 في المائة تعرضوا للاعتداء الجنسي، و7 في المائة تعرضوا لتعذيب نفسي. كما تبين المعلومات أن نصف مليون من الأطفال يعيشون في مؤسسات إيوائية، أو ما يعرف بدور الرعاية الاجتماعية حيث تم أخذهم من قبل السلطات المعنية في الولايات المتحدة الأمريكية، وفصلوا عن أسرهم نظراً لسوء المعاملة، والإهمال الذي يتعرضون له، وتتراوح أعمارهم من سن الولادة، وحتى سن التاسعة عشر. تأملت في هذه المعلومات، وتوقفت عندها كثيراً، وتساءلت هل هذه الأرقام كثيرة أم أنها نسبة بسيطة مقارنة بالمجتمع الأمريكي الكبير، والذي يبلغ تعداده ثلاثمائة مليون نسمة. ثلاثة ملايين بلاغ إساءة أو إهمال في السنة تمثل 1 في المائة من المجتمع الأمريكي لكن لو نسب هذا لعدد الأطفال في المجتمع الأمريكي لكانت النسبة أكبر بكثير لأن المجتمع فيه كبار السن، والشباب، والكهول. المادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الطفل أكدت أنه لا يجوز فصل الطفل عن والديه إلا إذا تأكدت الجهات الرسمية ذات العلاقة أن الفصل هو الأفضل للطفل خاصة إذا تأكدت الجهات المعنية من تعرض الطفل للإهمال والإساءة من قبل والديه. تذكرت، وأنا أقرأ هذه المادة من الإعلان العالمي لحقوق الطفل أسرة عربية مسلمة اضطرتها الظروف للعيش في الولايات المتحدة، وكانت هذه الأسرة تحت المراقبة من قبل الجهات الأمنية وفي أحد الأيام كان أحد الوالدين ينصح ابنته الصغيرة في أمر من الأمور، وربما رفع صوته فما كان من الجهات الرسمية إلا أن تدخلت وأخذت الابنة عنوة وأعطتها لأسرة مسيحية متعصبة، وعندما رزقت الأسرة بطفلة أخرى تم اقتحام المستشفى ثاني يوم من أيام الولادة من قبل الجهات الرسمية وتم أخذ المولودة، وأعطيت لأسرة أخرى لتربيتها بحجة أن أسرتها غير مؤهلة لتربيتها ورعايتها، في المقابلة التي أجريت مع والدة الطفلتين على إحدى المحطات الفضائية ذكرت الأم أن قلبها وزوجها يحترقان، وهما قد حرما من تربية ابنتيهما، وأعطيتا لأسرتين قامتا بتنشئتهما على دين، وثقافة، وقيم مختلفة تمام الاختلاف عن دين، وثقافة، وقيم الوالدين، تساءلت وأنا أشاهد المقابلة عن حقوق الإنسان لهذه الأسرة، وكيف تتم مصادرتها لمجرد شك في أن الوالد أو الوالدة رفعت صوتها على الطفلة، وهل من مصلحة الطفل، وهل من حقوقه أن يحرم من رعاية والديه الحقيقيين؟ تساؤلات، ومشاعر كثيرة تنتاب الإنسان، وهو يسمع هذه القصص، وغيرها والتي تتعارض مع حقوق الإنسان، ومع حقوق الأطفال التي أكدتها الشرائع السماوية، والفطرة البشرية، وأكدت عليها المادة التاسعة من حقوق الطفل كما وردت في الإعلان العالمي. الحياة الطبيعية، والسوية لا تتم من خلال أسرة بديلة إلا في الظروف القاهرة، والأسرة المشار إليها لم تقدم على عمل يستوجب أخذ ابنتها منها، وبطريقة لا حضارية بل هي أقرب إلى السطو حين تم اختطافها من المستشفى بحجة أن والدتها غير مؤهلة لرعايتها. ممارسة شاذة أخرى في حق الأطفال حين تم في العام الماضي اختطاف مجموعة من الأطفال التشاديين والسودانيين بهدف ترحيلهم إلى فرنسا للعيش مع أسر فرنسية دفعت مبالغ مالية بهدف الحصول على هؤلاء الأطفال، وقد كتبت عن هذا الموضوع في حينه، وقد أدان القضاء التشادي هذه المجموعة لكن المؤسف، والذي لا يمكن فهمه هو سعي الرئيس الفرنسي ساركوزي لإعفائهم من عقوبة السجن، وفي هذا ازدواجية يمارسها الغرب بصورة بشعة مما يثير التساؤل بشأن حقوق الطفل وحقوق الإنسان بشكل عام. إن النمو العقلي السليم، والاستقرار النفسي، والطمأنينة لا تتحقق من خلال فصل الأطفال عن والديهم كما حدث مع هذه الأسرة، ولا تخدم مثل هذه التصرفات الطفل الذي عملت من أجله هذه الأفعال لأن ما قد يقع فيه الوالدان أو أحدهما من خطأ غير متعمد لا يبرر حرمان الطفل من أن يعيش في حضن والديه ودفئهما الطبيعي، وغير المصطنع. إن الإساءة الفردية غير المتعمدة أهون من الإساءة، والممارسة التي تؤدي إلى الحرمان من الحنان الطبيعي والذي تمارسه الجهة الرسمية بحجة إنقاذ الطفل وحمايته من قسوة والديه، ولذا فعقاب الوالدين على إساءتهما غير المتعمدة لا تكون بحرمانهما من طفلهما بل تتم بغرس المفاهيم التربوية السليمة في المناهج، والتوعية، وبرامج الإعلام وإعطاء الوالدين ورش عمال ودورات رعاية الأطفال فهل نختار الأساليب الحضارية بدلاَ من أساليب العقاب التي تؤذي الأطفال ووالديهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي