تباطؤ الإصلاحات وهيمنة القطاع العام وضعف أسواق المال تحد من اندماج اقتصادات المنطقة عالميا

تباطؤ الإصلاحات وهيمنة القطاع العام وضعف أسواق المال تحد من اندماج اقتصادات المنطقة عالميا

أعزت دراسة تضمنتها مجلة التمويل والتنمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي ضعف تكامل اقتصاديات دول المنطقة إلى خمس عوامل رئيسة أهمها تباطؤ الإصلاحات الاقتصادية وسيطرة القطاع العام وضعف الأسواق المالية والقيود التجارية، علاوة على عدم ملاءمة أسعار الصرف.
وقالت الدراسة التي تضمنها عدد كانون الأول (ديسمبر) من مجلة التمويل والتنمية أن ضعف تكامل اقتصاديات دول المنطقة، ودول الشرق الأوسط عموما مع الاقتصاد العالمي أدى إلى ضعف استفادة اقتصاديات هذه البلدان من الاستثمار العالمي المباشر، حيث لا تتلقى دول المنطقة سوى الثلث بالنسبة لبلدان في مثل حجمها في آسيا وأمريكا اللاتينية، كما تتركز في عدد من البلدان لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة بينما تكاد لا توجد استثمارات المحفظة عملياً, نظراً لتخلف أسواق رأس المال.
كما أن التكامل المالي فيما بين دول المنطقة ضعيف نوعا ما عما هو عليه في البلدان النامية الأخرى، ولا توجد فرص الوصول إلى أسواق المال سوى لأقل من نصف بلدان المنطقة. والأداء التجاري أقل منه من المناطق الأخرى، بينما تستمر صادرات النفط تمثل مصدراً أساسياً للحصول على العملات الأجنبية بالنسبة للدول المنتجة للنفط. وقد تباين نمو الصادرات غير النفطية خلال هذه الفترة، إلا أنه بصفة عامة كان أبطأ مما هو عليه بالنسبة للبلدان النامية كمجموعة. ونتيجة لذلك، فإن حصة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من سوق الصادرات العالمية هبطت أكثر من النصف في الفترة من 1980- 2006 (والنتائج هي ذاتها سواء تم إدراج صادرات النفط أو تم استبعادها) بينما ارتفعت حصة البلدان النامية ارتفاعاً طفيفاً خلال الفترة نفسها.
وبوجه عام، فإن المشكلات التي توقف تقدم المنطقة نحو الاندماج في الاقتصاد العالمي يمكن أن تعزى إلى خمسة عوامل رئيسة يأتي في مقدمتها تباطؤ الإصلاحات الاقتصادية. كما أدت النزاعات المتكررة إلى إعاقة الإصلاح الاقتصادي. وكما لاحظ تقرير عن التنمية البشرية العربية الذي أصدره البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، فإن أداء المنطقة يتسم بالضعف فيما يتعلق بفرص التنمية الكاملة للقدرات والمعارف البشرية. والمؤسسات الحديثة المطلوبة للتغلب على هذه العقبات. كما أن الخطوط الفاصلة بين القطاعين العام والخاص غير واضحة عادة، مما يشجع على تضارب المصالح، والسعي إلى التربح، وانتشار الفساد. ومع وجود بعض الاستثناءات، فإن درجة الشفافية لا تزال ضعيفة في الأجهزة الرسمية إلى جانب ندرة الخضوع للمساءلة. كذلك فإن منظمات المجتمع المدني، مثل الجمعيات المهنية، ووسائل الإعلام الحر والمستقلة، والكيانات غير الحكومية المستقلة، ضعيفة وغالباً ما تروضها الحكومات، ونتيجة لذلك فإن مشاركة المواطنين، ومبادرات القطاع الخاص مازالت مقيدة.
وثاني تلك العوامل هي هيمنة القطاع العام على الاقتصاد. وعلى الرغم من تحقيق شيء من التقدم في مجال الخصخصة، فإن معظم الاقتصادات لا تزال تخضع لسيطرة المؤسسات المتضخمة للدولة، ولمنشآت القطاع العام الكبيرة. وفي مواجهة تصاعد البطالة، تزايد استخدام القطاع العام باعتباره رب عمل الملجأ الأخير، مما أدى إلى تضخم عبء فواتير الأجور والمرتبات العامة. وحكومات المنطقة ضخمة نسبياً، وكانت حتى الجيل الماضي، مدخراً سلبياً صافياً، وقد أجرى بعض البلدان إصلاحاً للمالية العامة مثل إصلاح الضرائب، وتحسين درجة الشفافية وضبط المصروفات. وقد تحقق قدر واضح من التقدم في الخصخصة، وبشكل خاص في قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية في المنطقة. بيد أن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا تزال متخلفة وفقاً للمعايير الدولية، في مجال تطوير بيئة اقتصادية ومالية ملائمة لتنظيم المشاريع وتحمل المخاطر وقيام القطاع الخاص بقيادة النمو والاستثمار.
وتتمثل ثالث المعوقات أما تقدم عملية الاندماج بين اقتصاديات دول المنطقة والاقتصاد العالمي في ضعف الأسواق المالية، حيث تؤكد الدراسة المذكورة أن السنوات الأخيرة شهدت، وعلى عكس التوقعات، تباطؤ تطور القطاع المالي، والذي حقق تقدماً في السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات عندما كانت المنطقة في مقدمة الاقتصادات المصنعة حديثاً، وأصبحت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حاليا متخلفة عن تلك البلدان. ومن بين الإصلاحات الجديرة بالذكر والتي قامت بها معظم البلدان كأعضاء مجلس دول التعاون الخليجي وبضعة بلدان أخرى مثل: الأردن, لبنان, المغرب, السودان وتونس، الإصلاحات التي دعمت تنظيم القطاع المالي. واستخدم بعض البلدان أدوات غير مباشرة للسياسة النقدية، بينما قامت بلدان أخرى مثل: أفغانستان, إيران, باكستان والسودان، بإصلاح أسعار الصرف، بيد أنه على الرغم من تلك الجهود، لا تزال الأسواق المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضحلة ومجزأة، فالبنوك تسيطر عليها الملكية العامة والرقابة العامة أو تتعرض بشكل كبير لمخاطر الدين الحكومي، واللوائح متقادمة والإدارة سيئة، والروابط مع أسواق رأس المال الدولية ضعيفة. ونتيجة لذلك، لم تقم القطاعات المالية في المنطقة بدور الوساطة المنوط بها في دعم الاستثمار والنمو.
ورابع تلك العوامل هي القيود على معاملات الأعمال والمعاملات التجارية. وتشير الدراسة إلى إن الانفتاح التجاري والذي يعرف بأنه الدرجة التي يمكن بها للأجانب والمواطنين القيام بإجراء المعاملات دون أي تكلفة مفروضة من جانب الحكومة من الرسوم الجمركية، والحواجز غير الجمركية مثلا تسهم بدرجة كبيرة في ارتفاع الإنتاجية وزيادة نمو دخل الفرد. كما أن ازدياد التجارة يعزز الإنتاجية عن طريق استيراد المعرفة والمبتكرات. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتباين النظم التجارية. إذ إن كثيراً من بلدان المنطقة حررت نظمها التجارية، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، وموريتانيا، واليمن، وبدرجة أقل وأخيراً كل من الجزائر والأردن، وعلى أية حال فإن البلدان الباقية، على الرغم من جهود تحرير التجارة التي قامت بها مثل التغيرات الأخيرة في إيران, المغرب, باكستان والسودان مازالت مستمرة في الاحتفاظ برسوم جمركية وحواجز غير جمركية مرتفعة نسبياً. ونتيجة لهذا، فإن درجة تقييد التجارة (مقيسة بالرقم القياسي الذي وضعه موظفو صندوق النقد الدولي) لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأجمعها، مازالت ضعف المتوسط الخاص بالدول النامية.
وآخر تلك العوامل هي عدم ملاءمة نظم أسعار الصرف، حيث يحتفظ كثير من بلدان المنطقة بنظم غير مرنة لأسعار الصرف، بما في ذلك نظام الارتباط بعملة أخرى، أو النطاق الضيق، وبينما يمكن أن يكون الربط بعملة أخرى نظاماً مفيداً في بعض الأحيان، فقد نزعت البلدان إلى تأخير إجراء التصحيح في ظل وجود ارتفاع حقيقي في تقدير قيمة العملة، أو أبدت تردداً في الخروج من الترتيبات غير المرنة عندما تطلب الأمر ذلك. ومن المعتقد أن نظم أسعار الصرف غير الملائمة كانت عاملاً أساسياً في النمو البطيء للصادرات غير النفطية. وقد تكون أيضاً السبب في تأخير تطوير أطر السياسات النقدية (مثل استهداف التضخم) التي يعتقد أنها أكثر ملاءمة للاقتصادات الصاعدة في المنطقة مثل: الأردن, لبنان, المغرب وتونس, والتي تسعى للتكامل بدرجة أكبر مع الاقتصاد العالمي.
وتخلص الدراسة إلى انه بإمكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العودة إلى مسار النمو المرتفع، وأن تحقق تكاملاً أفضل مع الاقتصاد العالمي إذا ما وسعت وسرعت من عملية الإصلاح الاقتصادي والمؤسسي. لقد شهد العقدان الماضيان تحركاً واضحاً نحو الإصلاحات الهيكلية المرتبطة بالاقتصاد الكلي، بيد أن تلك الإصلاحات لم تذهب للحد الكافي لعلاج الموضوعات الهيكلية، والمسائل الخاصة بالتنظيم والإدارة عميقة الجذور.
كما يتطلب الأمر البناء على مثال ما قامت به الدول السابقة في إجراء الإصلاحات في المنطقة، وخاصة عملا متسارعاً وعريضاً في مجال الإصلاح الهيكلي، ويتضمن إعادة تقييم أساسي لدور الدولة في الاقتصاد، وخلق بيئة تنظيمية تقوم على أساس قواعد ثابتة، مع تحديد الحوافز المناسبة لمبادرات القطاع الخاص، والقيام بخطى أسرع لتحرير التجارة، وإصلاح السوق المالية وتحسين الشفافية والتنظيم والإدارة ونوعية مؤسسات الدولة. وينبغي أن يسعى التحرير الاقتصادي إلى ضمان المنافسة العادلة والمفتوحة حيث يمكن لقوى السوق أن تخلق الفرص لتخصيص أكثر كفاءة للموارد وأن تدعم الاستثمار والنمو القوي.

الأكثر قراءة