حقيقة النفس

حقيقة النفس

عند القراءة في قول الله تعالى: "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها" ترى فيه أن الشارع أبان أن النفوس البشرية مفطورة على قابلية للخير والشر، فليست نازعة ومتحركة لباب الشر وحده، أو الخير وحده، كما أنها دالة على إمكانية في هذه النفس لمقام الخير أو الشر، ثم إن الإنسان بما خلق الله فيه يتحرك إلى الخير أو الشر بفعله واختياره الموافق لما قدره الله له، فإن الله خلق العباد وأفعالهم وأجرى عليهم قدره ومع ذلك فإن للعبد إرادة ومشيئة تابعة لإرادة الرب ومشيئته، فهو في مقام بين الجبر والقدر، فكان ذلك جاريا على ما اتسمت به هذه الشريعة من الوسطية، وإذا تأملت ابتداء الأمور مع النفس البشرية فإن من فضل الله على الناس أن ابتدأ نفوسهم بالفطرة، وجعلها قائمة في النفس ابتداء حتى يغيرها الإنسان بنفسه أو بما حوله وعن هذا جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).
فهذه الفطرة تعني قدراً من الإقرار والمعرفة بالله والسعي إلى أبواب الخير، لكن هذه الفضيلة المحكمة في النفس تنازعها قوى الشر التي تلاحق الإنسان لتضله عن الخير والإيمان، ومن هنا نجد أن أصدق المعاني موافقةً للفطرة «التوحيد والإيمان» ثم سائر مراتب التشريع والأخلاق على مقتضى الفطرة التي من مقامها «الاعتدال» في الإدراك والتصور والأخذ للأمور، وهذا يعني القصد إلى لزوم مقام الفطرة في النفس والسعي إلى المحافظة على هذه الفضيلة التي ابتدأ الله سبحانه الإنسان بها، وترى في كلام النبي صلى الله عليه وسلم إشارة إلى نسبة من المؤثرات في إفساد الفطرة وإن كانت لا تنحصر بذلك فربما كان الإنسان نفسه هو خصم فطرته.
إن الفطرة قيمة من الفضيلة تصدقها الشريعة بالتشريع الذي يحفظ اعتدال النفس وصدق القول، ولست ترى تشريعاً إلا وهو موافق لمعنى الفطرة ومقامها، هذه الفضيلة تدعو النفس إلى تأمل جاد في حفظها لأن سقوطها أو فسادها يفتح آفاق الشر على النفس البشرية ويحرك مادة الفجور والشر فيها، وصدق الله: "ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور"، والله الهادي.

الأكثر قراءة