كيف تشتكي جدة من نقص المياه والبحيرة فيها تزداد عمقا وارتفاعا؟
جدة مدينة على البحر ومحاور الشكاوى دائما "الماء"!. لاعجب .. لأن المدن الساحلية تحتاج إلى تحلية المياه المالحة لإتاحتها للشرب إذا لم يمر بها نهر, ولكن حتى لو شق النهر جدة فالمشكلة أيضا في الصرف الصحي الذي أضحى مؤكدا تناقض دعواتنا لحماية البيئة وتجميل المدن وتحسين السياحة وكثير من الكلام المعسول. المهم أننا ما زلنا نبحث عن حل صحي وبيئي واقتصادي واجتماعي منذ نشأة المشكلة قبل عقدين ماضيين. منذ بروز مشكلة الصرف الصحي في جدة قبل 24 عاما, هل يعرف أحد كم بحثا علميا أو دراسة ميدانية علمية أجريت لإيجاد الحلول القابلة للتنفيذ؟ وكم مقالة صحافية نشرت عن الموضوع؟ ومنذ نشوء بحيرة المسك قبل 15 عاما, كم الدراسات التي أوصت بهذا الحل؟, ومن ثم كم هي الدراسات التي حددت "العمر المتوقع" لهذا الحل؟ وكم قدر من تكاليف فعلية للتعامل مع هذا الحل ونتائج التوجه له وتبنيه؟
إن التباطؤ في اتخاذ إجراء إيجابي حيال مثل هذا الحل يجعلني أتساءل أكثر: ما الذي يحفز الجهاز العصبي لدينا للاستجابة لحل مشكلة بحيرة المسك؟ إنه واقع صعب أن ننتظر إلى أن نغرق أو نسبح في العطر الملون المتميز بروائح مخلفاتنا واختلافنا وخلافاتنا. لماذا لا نحاول تعديل طريقة التفكير والتدبير لنتمكن من القيام بالتخطيط الجيد للتحسين والتطوير؟
لقد تكالبت على أمانة محافظة جدة أزمات عدة وأصبحت في جعبتها على مر العقود خطط مستقبلية تضمنت مشروع ردم مرمى النفايات, وتطوير الكورنيش الشمالي وإقامة عديد من المرافق الترفيهية ومناطق للرياضات البحرية ومواقع استثمارية وتطوير المحور الأخضر على مجرى السيل الشمالي المؤمل أن يربط شرق جدة بغربها للتخلص من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية لبحيرة الصرف الصحي واستثمارها لتصبح متنفساً ترفيهياً لسكان شرق جدة.. إلخ, إلا أن المتابع لأحوال جدة سيجد نفسه متابعا لوعود وصور جميلة لم تبرح أجهزة العرض أو ألبوم الصور في صالة العرض, حيث إن مثل هذه المشاريع كان من المفترض أن تشغل ويتمتع بها السكان قبل السياح منذ عامين.
عالميا وحسب إحصائيات صدرت قبل عامين, ففي الدول النامية 10 في المائة فقط من أنظمة الصرف تعمل بكفاءة عالية ويعتمد عليها. هل تتوافر لدى الأمانة كم هي نسبة فاعلية أنظمة الصرف لدينا؟ وهل نعلم كم فردا يجب تغطيتهم بخدمات الصرف الصحي يوميا إذا كانت التقديرات العالمية تؤكد أن في العالم النامي لا بد من تغطية 400 ألف نسمة يوميا لنصل في عام 2015 إلى درجة التوازن؟ في World Summit Sustainable Development:WSSD 2000 تم الاتفاق على تحسين الحصول على الماء الصالح للشرب وتوفير صرف صحي جيد يقاس سنويا حتى عام 2015, فهل قيس مدى تقدمنا في هذا الشأن؟, وهل وضعنا الحالي يؤكد سيرنا في الاتجاه الصحيح؟ أيضا في اجتماع UNEP/GPA عام 2001 اتفق أكثر من 100 دولة على وضع GMWM ومفاتيحها العشرة بهدف ترسيم معايير دولية جديدة ومستديمة تغطي حلول الضبط والإدارة, السياسات والإجراءات, واختيار التقنيات, وآلية التمويل والصرف حيث ساعدتهم على ذلك الـ WHO ومجلس الـ WSSCC وUN-HABITAT ودعمت بقوة من قبل الـ UNICEF, فماذا تم بعد ذلك محليا؟ لقد تم تقدير حجم المبالغ المطلوبة للصرف الصحي ومعالجة المياه والفضلات عام 2003 بأن الدول النامية في حاجة إلى 72 مليار دولار سنويا للوصول إلى مستوى الفاعلية الكاملة عام 2015. ما وضح بعد ذلك هو أننا لا ننفق - كدول نامية - أكثر من 15 مليارا سنويا على الصرف الصحي ومعالجة المياه, ما يعني أننا سنحتاج إلى 35 عاما من الآن! فهل هذا يسري علينا أيضا؟ أما صحيا فقد تم تقدير عدد الوفيات من الأطفال بأنه في كل دقيقة تمر يموت أربعة أطفال في دولنا النامية نتيجة أمراض تسبب فيها ضعف مشاريع الصرف الصحي أو عدم الوصول إلى ماء نظيف, كما تسجل سنويا ما لا يقل عن 250 مليون حالة نزلة أو التهاب معوي نتيجة السباحة في مياه راكدة أو ملوثة, ومنها مياه الصرف الصحي. كما أن من تأثيرات تلوث البيئة بمخلفات الصرف الصحي غير المعالج أن تهلك الحياة في 70 في المائة من الشواطئ وعلى الصخور المرجانية. فكم تأثير ذلك فينا ومن ثم في بيئتنا كالشواطئ والحياة البحرية على طول الساحلين؟
إن من الخسائر المترتبة على ضعف أو غياب التخلص من مياه الصرف الصحي ما يمكن أن تكون: زيادة تكاليف العلاج أو زيادة نسبة الوفيات, ازدياد تكلفة صناعة مياه الشرب, التأثير في دخول المواطنين, التأثير في مستقبل السياحة والسياح, القضاء على الحياة البرية أو الفطرية, زيادة مخصصات نظافة الشواطئ وتحلية المياه وتنقية مياه الصرف وبناء وصيانة البنى التحتية لمشروع الصرف الصحي, وخفض قيمة العقار لهجره. نتيجة لذلك تنادت جهات بخفض التكلفة في تنفيذ المشروع وأخرى تخير الأمانة بين الحل المحلي والخارجي, وقد تُطرح آراء تحل هذه المشكلة بأخرى قد لا نجد لها حلا فيما بعد بل تكون وبالا آخر, لا قدر الله, ولكن لعدم اتباع أي من هذه الحلول هل يمكن القول إن المشكلة تكمن في تحديد الأولويات لنستشعر حجم المشكلة؟ آمل أن يكون في عقد الشراكة الذي وقع مع الشركة الفرنسية أخيرا ما يتضمن حل هذه المعضلة فنسلم من عواقب وخيمة, لا قدر الله, والله ولينا وهو المستعان.