رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


دور الأفراد في النمو الاقتصادي

[email protected]

وصلني عبر الإيميل بالأمس القريب رسالة (وأظنها رسالة عامة) عبارة عن عرض فلسفي يربط سلوك الأفراد بالرفاه الاقتصادي أو لنسميها القوة الاقتصادية للدول، ومع اعترافي بحقوق الملكية الفكرية لصاحب الفكرة، فإني أجد نفسي مضطرا للاقتباس بتصرف من ذلك العرض الجميل الذي يوضح دور السلوك اليومي للأفراد، وانعكاس ذلك السلوك على القدرة الاقتصادية للبلد الذي يعيشون فيه، وإن اختلفت مع ذلك العرض أنه أغفل النظام العام لذلك الاقتصاد كبيئة تحفز على التطبيق الصحيح للمبادئ، ونقصد بالبيئة المحفزة تلك البيئة إلى تضم الشفافية والعدالة والإصلاح الإداري أو كبيئة تحبط أي توجه لتطوير سلوك الأفراد وفيها الضبابية والفساد الإداري بجميع أنواعه.
إن القوة الاقتصادية لا علاقة لها بتاريخ البلدان، ولذلك وضع أمثلة على دول ذات تاريخ طويل جدا، ولكنها اليوم لا تحتل مرتبة متقدمة اقتصاديا، وهذا الحديث يبدو واقعيا إذا نظرنا إلى سنغافورة، على سبيل المثال، التي استقلت كدولة خلال الستينيات الميلادية من القرن الماضي، وهي اليوم تعد من أكثر الدول تطورا، والحديث ينطبق على دول كأستراليا ونيوزيلندا، بينما نجد أن مصر من أكثر الدول تاريخا ولكنها لا تحتل مراتب عالية اقتصاديا بين دول العالم، والحديث نفسه ينطبق على اليونان، وكذلك مساحات الدول ومواردها الطبيعية ومميزاتها التنافسية لا تمثل الثقل الحقيقي للقوة الاقتصادية، وعلى ذلك فإن اليابان ومرة أخرى سنغافورة مثالان حاضران لإثبات هذه الفرضية، بينما نجد العديد من الدول الإفريقية تملك الموارد الطبيعية للزراعة والصناعة، ومع ذلك فإنها تقبع في ذيل الدول اقتصاديا.
وهنا نأتي لنقطة مهمة وجدلية جدا، وهي ما يتعلق بالأعراق والأجناس والجنسيات، فالمديرون في الدول المتقدمة اقتصاديا ومن جنسيات تلك الدول لا يزيدون ذكاء عن المديرين في الدول الفقيرة، بل إن العديد من أفضل المديرين حول العالم تجدهم مهاجرين من دول فقيرة اقتصاديا لتراهم يقودون منشآت عملاقة في دول متقدمة اقتصاديا، كذلك فإننا نرى العديد من أثرياء العالم تمكنوا من صنع ثرواتهم في دول غير أوطانهم الأصلية، بل إن بعضهم هاجر في عمر متأخر ولكنهم استطاعوا النجاح عمليا وماليا.
ولذلك فإن ما سبق يجعلنا نفكر مليا في الفوارق بين الناس في الدول المختلفة، التي تملك الفرق في صنع الدولة اقتصاديا، لنجد أننا أمام خيار السلوك الفردي للدول بمعنى طبيعة سلوك الناس في تلك الاقتصاديات هو المفصل في تطور تلك الدول، وهو ما تصنعه السنين الطويلة من الالتزام الكبير بسلوك معين ونمط حياة منظم، حتى إن هناك شذوذا عن القاعدة ولكن تبقى الغالبية العظمى وسط نظام حياة مشجع. ولعل الإحساس بالمسؤولية والالتزام بالنظام والقانون وحب العمل وحب الإبداع والتميز واحترام حقوق الغير، وغيرها من الصفات الفردية التي تكون الاقتصاد والصورة الكاملة للدولة. ولذلك عزيزي القارئ ما عليك إلا النظر إلى الدول المتقدمة لتعرف معنى تلك الصفات في تشكيل الحياة العامة للاقتصاد.
ورغم اتفاقي مع الفرضية السابقة، إلا أن التحدي الذي يواجهها هو في تطبيق القيادة لمبادئ أخرى لتمكين السلوك الفردي من الانصياع إلى نمط جديد من الحياة، فمثلا تجد مواطني الدول المتخلفة اقتصاديا يلتزمون بالنظام المروري والقانون عندما يعيشون في دول متقدمة اقتصاديا، بينما يكسرون القانون والنظام بمجرد العودة إلى أوطانهم الأصلية. لذلك فإن مبادئ أخرى كالعدالة والشفافية والالتزام وتطبيق القوانين من دون تحيّز والإصلاح الإداري، جميعها تمثل النصف الآخر لاقتصاديات متقدمة وشعوب متحضرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي