"يا أبت استأجره، إن خير من استأجرت القوي الأمين"

"يا أبت استأجره، إن خير من استأجرت القوي الأمين"

" في ظل الأجواء الغائمة التي تبدو للوهلة الأولى غير مشجعة لأي جهد بشري، تطوف هذه الزاوية كل أسبوع ببقاع متفرقة دون أن تتقيد بحدود جغرافية لترصد اختلالات متنوعة تدرسها وتعالجها أملا في أن يكون الخلل مفتاحا للصواب".

إن المورد البشري أحد أهم الموارد والأصول التي يمكن لأي منشأة أن تملكه. وبقدر ما يتمتع به هذا المورد من حماس وقدرة على الإنتاج والتفاعل الإيجابي بقدر ما ينعكس ذلك على نجاح تلك المنشأة ومستوى نموها، ولا يمكن لأي منشأة أن تتقدم وأن تعيش بأمان ما لم يكن هذا المورد على قدر كبير من الكفاءة والفعالية. وأعتقد أن هناك شرطين أساسيين لا بد من توافرهما عند اختيار العنصر البشري هما القوة والأمانة. من هنا جاءت الآية الكريمة في سورة القصص "يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين".
والقوة هنا تشير إلى القدرة على العمل أو بعبارة أخرى كم من العمل يمكن إنجازه في فترة زمنية معينة وبتكلفة معينة؟ ولا يدرك كثير من أصحاب الأعمال هذا المعنى. فكثير منهم يقيسون العمل بمقدار ما يدفع من أجر، وليس بمقدار ما ينجز من عمل. الشرط الثاني الذي تؤكده أيضاً الآية الكريمة هو الأمانة. والأمانة هنا تشير إلى ما يتمتع به العامل أو الموظف من أمانة وصدق في أداء العمل، كما تمتد لتشمل الثقة التي يجب أن يتحلى بها صاحب العمل في إعطاء العامل السلطة والمسؤولية، وكذلك قناعته بأن هذا العامل بهذا القدر من السلطة والمسؤولية قادر على أداء المهمة الموكلة إليه على أكمل وجهه وبأفضل طريقة.
إن عملية اختيار المورد البشري ليست لغزاً لا يمكن حله، وليست عمليةً معقدةً لا يمكن تفكيك رموزها، إنها أبسط من ذلك بكثير. إن المطلوب هو أن يحدد صاحب العمل عند البدء بعملية الاختيار احتياجاته الفعلية والمهام المطلوب إنجازها، وما المؤهلات والقدرات المطلوبة لإنجاز كل مهمة من هذه المهام، وما القدر المعقول من الأجر الذي يمكن تقديمه لكل وظيفة أو مهمة. نقطة أخرى أساسية يجب مراعاتها من قبل صاحب العمل، وهي عدم المبالغة في الخبرات والمؤهلات المطلوبة لكل مهمة بحيث يتم إلغاء عدد كبير من ملفات المتقدمين فقط لعدم توافر الخبرة والمؤهل، وبالتالي فقد مورد مهم لا يمكن استعاضته. إن المطلوب هو التركيز فقط على المتطلبات الأساسية لكل وظيفة، وقد يتطلب ذلك تقديم بعض التنازلات في مقدار المؤهلات المتوافرة لدى بعض المتقدمين. ومن الأخطاء الشائعة في هذه المرحلة هي إصرار كثير من أرباب العمل على إيجاد أشخاص يماثلونهم تماماً في الخبرة وفي الاتجاه، وفي الحرص على العمل والمثابرة، وهذا غير ممكن ولا يمكن تحقيقه, وبالتالي يجب عدم الإصرار عليه.
وعند تجاوز هذه المرحلة وبعد تحديد عدد من الأفراد المؤهلين بحسب متطلبات كل وظيفة يأتي دور المقابلة الشخصية التي تمثل أهم مرحلة في عملية اختيار العنصر البشري. وكثير من المقابلات الشخصية لا تأتي بدورها المطلوب بسبب وقوع صاحب العمل في أخطاء بسيطة يمكن تلافيها قبل البدء في عملية المقابلات. من هذه الأخطاء ما أشرنا إليه من ضرورة تحديد متطلبات كل وظيفة، الأمر الذي غالباً ما يتم إغفاله وعدم العناية به. خطأ آخر يتعلق بعدم قدرة من يجري المقابلة سواء كان صاحب العمل أو من ينوب عنه في طرح الأسئلة المناسبة التي من خلالها يمكن التعرف على نقاط القوة ونقاط الضعف التي يتمتع ويتصف بها المتقدم للعمل، كذلك من الأخطاء الشائعة أخذ وقت كبير جداً في المقابلة بحيث تتفرع الموضوعات وتتعدد وتصبح العملية خارج النطاق الذي من المفروض أن تكون فيه.
إن نجاح أي مرشح للعمل يجب أن يعتمد أولاً على ما يتمتع به هذا المرشح من قدرة وكفاءة للقيام بالعمل، وثانياً: على مقدار استيعابه العمل الذي سيؤديه مستقبلاً سواء من خلال ما لديه من خبرات سابقة في أعمال متشابهة أو من خلال ما لديه من دورات تدريبية في المجال نفسه. عنصر ثالث لا يقل أهمية عن سابقيه له دور في نجاح المرشح للقيام بالعمل على أكمل وجه هو الدافع والحماس الذي يمكن أن تحققه له الوظيفة الجديدة. هذا الدافع أو الحماس هو نتيجة لما يمكن أن يحصل عليه الموظف من عائد مادي ومعنوي من تلك الوظيفة. كذلك يعتمد نجاح الموظف في وظيفته على حسن البيئة التي يعمل فيها وحسن العلاقات السائدة بين الموظفين في تلك البيئة. فسعة الأفق لصاحب العمل، وحسن إدارته وعلاقاته بالعاملين المبنية على الاحترام والتقدير والحرفية والمهنية في الاستماع إلى مطالب العاملين وتلبية ما يلزم تلبيته، كل ذلك يساعد - بشكل كبير - في تحسين أداء العاملين ويزيد من انتمائهم وولائهم للمنشأة التي يعملون فيها.

[email protected]

الأكثر قراءة