تأثير أسعار الطاقة في شركات البتروكيماويات العالمية: "داو" مثالا

تأثير أسعار الطاقة في شركات البتروكيماويات العالمية: "داو" مثالا

إن ارتفاع أسعار النفط والغاز قد يكون اللاعب الرئيس في تحديد الدورات البتروكيماوية، إذ لم يعد النفط مصدراً للوقود وحسب، بل تعدى ذلك ليصبح مصدرا أساسيا للصناعات البتروكيماوية. وبحسب بعض التقديرات أن نحو 25 في المائة من الاستهلاك العالمي للنفط يستعمل لقيما للصناعات البتروكيماوية، وبالتالي فإن أي ارتفاع في أسعار النفط سيكون له تأثير مباشر في صناعة وإنتاج البتروكيماويات في العالم.
وتعد مشتقات النفط مثل النافثا وسوائل الغازات الطبيعية (غاز البروبان والبيوتان والغاز الطبيعي) أهم مصادر البتروكيماويات، وارتفعت أسعار هذه المصادر تبعاً للارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط. فمثلاً زاد سعر طن النافثا وطن البروبان والبيوتان من كانون الثاني (ديسمبر) 2006 إلى كانون الثاني (ديسمبر) 2007 بنحو 300 دولار، ما شكل عبئا كبيرا على منتجي البتروكيماويات الآسيويين والأوروبيين والأمريكيين. أما الغاز الطبيعي فرغم عدم ارتباطه المباشر بالنفط إلا أن سعره ارتفع ارتفاعات ملحوظة مع الارتفاع الأخير لأسعار النفط، فوصل سعر المليون وحدة حرارية مثلاً في اليابان أواخر 2007م إلى 12.5 دولار، كوريا الجنوبية 11.5 دولار، الصين والهند نحو عشرة دولارات، أوروبا الغربية نحو عشرة دولارات، وأما أمريكا الشمالية فسجل سعر المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي نحو ثمانية دولارات.
أما دول الخليج العربي فتمتعت بميزة قلّ نظيرها، حيث سعر المليون وحدة حرارية نحو دولار واحد منذ أكثر من 30 سنة ودون أي ارتباط بأسعار النفط أو بأسعار الغاز الطبيعي العالمية، أي باختصار تمتعت دول الخليج بميزة اللقيم الرخيص الذي يعد أرخص بنحو عشر مرات من باقي دول العالم الأخرى. ويبدو أن أسعار الغاز الطبيعي في منطقة الخليج العربي ثابتة ومستقرة رغم غليان أسعار النفط العالمية، ما يضفى الكثير من الاستقرار والازدهار على الشركات البتروكيماوية الخليجية.
وإذا أردنا أن نعرف مدى انعكاس هذه الزيادة في أسعار اللقيم والطاقة على الشركات العالمية، نأخذ شركة داو كيميكال الأمريكية كمثال للمقارنة، وهي أكبر شركة أمريكية للبتروكيماويات وأكبر منتج للإيثيلين في العالم، إذ أنتجت "داو" عام 2006م نحو 8.5 مليون طن من الإيثيلين نصفها أنتج داخل الولايات المتحدة والنصف الآخر توزع ما بين كندا وأوروبا والأرجنتين.
وصلت القيمة السوقية لشركة "داو" نحو 40 مليار دولار، ووصلت قيمة مبيعاتها نحو 53.5 مليار دولار عام 2007م، أي بزيادة 9 في المائة عن عام 2006م. وتقوم بإنتاج 3200 منتج متنوع من المطاط ومواد البناء وغيره، ويذهب نحو 10 في المائة من إنتاجها لصناعة السيارات، بينما يستحوذ تشييد المنازل على 6 في المائة من إنتاج "داو"، لذلك فهي معنية بأزمة الرهن العقاري الأمريكية.
ارتفعت أسعار الطاقة واللقيم عام 2007م ما عزز الإنفاق على هذين البندين الرئيسيين، حتى صرح رئيس الشركة بأن مقدار زيادة الإنفاق على الطاقة واللقيم وصل إلى 1.7 مليار دولار عما كان عليه عام 2006م، وتضاعف إجمالي ما أنفقته "داو" على الطاقة واللقيم ثلاث مرات عما كان عليه عام 2002م، إذ وصل إلى 24.6 مليار دولار قيمة ما تم إنفاقه على الطاقة واللقيم عام 2007م. والحقيقة أن هذه القيمة فلكية وتظهر مدى الترابط الوثيق ما بين أسعار النفط وأسعار البتروكيماويات، إذ إن ارتفاع قيمة الطاقة واللقيم هذه يسير جنبا إلى جنب ارتفاع أسعار النفط، فأي ارتفاع في أسعار النفط سيؤدى حتماً إلى ارتفاع تكلفة البتروكيماويات، وبالتالي ارتفاع أسعارها.
وكدلالة على ذلك وصلت مبيعات "داو كيميكال" وكذلك "باسف" الألمانية عام 2006م إلى نحو 49.5 مليار دولار، بينما لم تبلغ الأرباح أكثر من 10 في المائة من المبيعات. وزادت مبيعات "داو" في 2007م لتصل إلى 53.5 مليار دولار، وفى المقابل نقصت أرباحها لتسجل أقل من 6 في المائة من المبيعات بسبب ارتفاع أسعار الطاقة واللقيم. كل هذا جعل المراقبين يتوقعون تراجعاً في أرباح الشركة، وفعلاً تقلصت أرباح الربع الرابع لعام 2007م إلى 472 مليون دولار، بينما وصلت في السنة الماضية إلى 975 مليون دولار، ومع ذلك كانت أحسن من توقع النقاد, إذ توقعوا أن يربح السهم في هذا الربع 0.8 دولار بينما ربح السهم 0.84 دولار, ما عزز ثقة المساهمين بالشركة فارتفع سعر السهم.
باختصار، وصل إجمالي أرباح الشركة عام 2007, 2.9 مليار دولار، أي نحو ثلاثة دولارات للسهم مقابل 3.82 مليار دولار لعام 2006م، رغم كل الأزمات التي تعيشها أمريكا من رهن عقاري وكساد وغيره، ورغم الارتفاع الباهظ في أسعار الطاقة واللقيم، أي أن الأرباح قلت بنسبة 24 في المائة. وهذا يدل على أن صناعة البتروكيماويات في الولايات المتحدة ليست في أحسن حالاتها، وكذلك اليابانية، فلو أخذنا شركة سوميتومو الكيماوية لوجدنا أن حجم مبيعاتها وصل عام 2006م إلى 12.1 دولار أمريكي، وأما الأرباح فوصلت إلى 661 مليون دولار، أي نحو 5 في المائة فقط من المبيعات، ما جعلها متلهفة لأي شراكة مع شركة تؤمن لها مصدرا رخيصا للقيم والطاقة.
وفي الفترة الأخيرة حصلت "داو" على سيولة كبيرة قدرها 9.5 مليار دولار لقاء بيع حصتها في شركة بتروكيماوية كويتية، وتوقع الكثير من المحللين أن تستثمر "داو" هذه السيولة. وأشارت معظم التوقعات إلى أن هدف الاستثمار هذا سيكون الاستحواذ على شركة خارج الولايات المتحدة نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها أمريكا، واتجهت عيون النقاد إلى شركة ليندى الألمانية، إذ تمد هذه الشركة مصانع "داو" في أوروبا بالغازات اللازمة.
من جهة أخرى توقع بعض المراقبين أن تستحوذ "داو" على شركة متخصصة في تصنيع المواد الكيماوية المتخصصة، مثل شركة سيبا السويسرية للكيماويات المتخصصة، وبذلك تضيف "داو" بعداً آخر لها.
الأيام المقبلة سترينا كيف يفكر أكبر صانع للبتروكيماويات الأمريكية (داو) عن طريق شروعها في إعادة الهيكلة والاستحواذ والشراكة الاستراتيجية مع بعض الدول المالكة للطاقة واللقيم الرخيص، مثل دول الخليج والدول المستهلكة وذات اليد العاملة الرخيصة مثل الصين. الأكيد أن "داو" ستعمل كل ما في وسعها للتغلب على مصاعبها، وأهمها ارتفاع أسعار الطاقة واللقيم، على طريقة: شاركهم إذا لم تستطع التغلب عليهم.

[email protected]
* خبير في شؤون تكرير النفط والبتروكيماويات.

الأكثر قراءة