المضاربة على النفط بين شهادة ماسترز والأدبيات الاقتصادية
تطرقت الأسبوع الماضي إلى موضوع الأسواق المستقبلية وأهميتها من حيث توفير بيئة تساعد المستثمرين على التحوط للتغيرات العكسية في الأسعار. وتحدثت أيضاً عن أهمية المضاربين Brokers في توفير السيولة في السوق بالبيع والشراء المستمر وبكميات كبيرة والاستفادة من الفروق بين أسعار البيع Ask وأسعار الشراء Bid. لكن ما نشهده حالياً من بلوغ أسعار النفط والسلع الأخرى أسعارا قياسية أثار الكثير من التساؤل حول نشاط المضاربات في الأسواق المستقبلية والدور الذي يلعبه في رفع الأسعار إلى مستويات قياسية. هناك من يعارض من حيث المبدأ اتهام المضاربات في أسواق المستقبليات Futures Markets بالوقوف وراء الارتفاعات التي لا تعكس عوامل أساسية تتعلق بسوق السلع، بحجة أن الأسواق المستقبلية هي في الدرجة الأولى أسواق تحوط ضد المخاطر المستقبلية وأن عملية المضاربة توفر السيولة فقط وتدعم عملية التحوط تلك. لكن نفي ذلك وإثبات عكسه لن يأتي إلا من خلال التركيز على الدراسات التي تحاول التفرقة بين المضاربة المفيدة التي توفر للسوق السيولة وبين المضاربة الضارة التي تحاكي أسواق المقامرة من حيث اختلاق مخاطر غير الموجودة في الأصل. بمعنى آخر محاولة الوصول إلى معيار يحدد بشكل كمي مدى كفاية المضاربة في توفير السيولة للسوق دون أن تتجاوز ذلك إلى التأثير السلبي في مستويات الأسعار الحالية للسلع.
الوضع الحالي في الأسواق المستقبلية وضع غير طبيعي تجاوز دور الأسواق من مكان للتحوط المستقبلي إلى مكان تحاول فيه المنشآت المالية وصناديق التقاعد أو ما يطلق عليهم المستثمرين على المؤشر Index Speculators تعويض الخسائر التي لحقت بها جراء أزمة الرهن العقاري من جهة، ومن جهة أخرى، تحاول بها تنويع محافظها الاستثمارية بإضافة نوع جديد من الأصول الاستثمارية إليها. فشهادة مايكل ماسترز Michael Masters في 20 أيار (مايو) الماضي أمام الكونجرس الأمريكي أعطت مؤشرات تؤكد أن هناك وضعا غير طبيعي أدى إلى الارتفاع الحاد في أسعار السلع بشكل عام والنفط بشكل خاص. فعلاقة الارتباط العكسي Correlation بين أسواق الملكية (الأسهم) وأسواق السلع كما أثبتها قورتن وروينهورست Gorton and Rouwenhorst (2006) أدى إلى اقتناع المستثمرين بأن أسواق السلع يمكن تقديمها على أنها مستوى جديد من الأصول يسهم في تنويع المحافظ الاستثمارية خصوصاً للصناديق الحكومية للتقاعد وصناديق الأوقاف للجامعات. وهذا أدى إلى القفز بقيمة الأصول المالية المخصصة للاستثمار المعياري للسلع Commodity Index Trading من 13 مليار دولار في عام 2003 إلى 260 مليار دولار أمريكي في عام 2008، كما قفزت بأسعار 25 من السلع بمعدل 183 في المائة خلال الفترة نفسها. ويضيف مايكل ماسترز في شهادته أن المستثمرين على مؤشرات السلع مثل صناديق التقاعد الحكومية وصناديق الأوقاف لديهم من خلال السوق المستقبلي ما يقارب الـ 1.1 مليار برميل من النفط بما يتجاوز ثمانية أضعاف حجم الاحتياطي الاستراتيجي النفطي للولايات المتحدة خلال السنوات الخمس الأخيرة.
الدراسات العلمية المنشورة قد تكون أيضا أفضل داعم لحرب "أوبك" ضد اتهامها بالوقوف وراء ارتفاع الأسعار لأنها تشكل الطريقة التي يبني عليها المجتمع الاقتصادي مسلماته. فمن خلال الدراسات القديمة التي قام بها وركينج Working خلال الفترة من 1953 إلى 1962 والدراسات الحديثة وآخرها التي قام بها كل من ساندرز وإروين وميرن في 2008 Sanders, Irwin, and Merrin على الأسواق المستقبلية للسلع الزراعية أظهرت أنه بناءً على مؤشر لقياس كفاية المضاربات في السوق، لم يتضح تحول غير عادي في قراءة المؤشر بين فترتي الدراستين خصوصاً من قبل المضاربين على المؤشر Index Speculators . لكن بخصوص النفط فقد يكون الأمر خلاف ذلك خصوصاً إذا ما تم أخذ الفترة الأخيرة من البيانات في الاعتبار. خصوصاً أن هناك بعض الشواهد المتعلقة بالعلاقة السببية المتبادلة بين الأسعار الفورية والأسعار المستقبلية في الأدبيات الاقتصادية. بما يعني أن ارتفاع حجم المضاربات المستقبلية قد يؤدي إلى رفع الأسعار المستقبلية ومن ثم سيؤثر ذلك في الأسعار الفورية في السوق. وهذه الشواهد على قلتها تخالف النظرة التقليدية السائدة في الأدبيات الاقتصادية المتعلقة بأن الأسعار الفورية في السوق المستقبلي هي السائدة والمحددة للأسعار المستقبلية. لذلك فإن "أوبك" في حاجة إلى التركيز بشكل أكبر على دعم الأبحاث المتعلقة بالأسواق المستقبلية التي يمكن أن تستفيد منها في تقرير سياساتها المتعلقة بالإنتاج وفي تقوية مواقفها التفاوضية مع المستهلكين الذين غالباً ما يأتون مسلحين بمثل هذه الدراسات لدعم مواقفهم.