تراجع تقديرات النمو الاقتصادي الأمريكي وخفض متوقع لسعر الفائدة
كما أشرت سابقاً، يقترب الاقتصاد الأمريكي شيئاً فشيئاً من الركود الاقتصادي Recession وذلك بالنظر إلى البيانات والتقارير الجديدة التي تصدر كل أسبوع. ففي الأسبوع الماضي صدر المؤشر الصناعي الذي يصدره بشكل شهري الاحتياطي المركزي لمدينة فيلادلفيا والذي يعد أحد المؤشرات المهمة والمتعلقة بالنشاط الصناعي، حيث أظهر المؤشر انخفاضاً لأقل معدلاته خلال سبع سنوات وليبلغ قيمة سالبة قدرت بـ 24 نقطة. وهذا المؤشر يدلل على أن هناك عددا أكبر من الشركات التي تم استبيانها حققت تراجعاً في أنشطتها الاقتصادية من تلك الشركات التي حققت تقدماً في أنشطتها، مما يعكس اتجاهاً سالباً في المتوسط لمستويات النشاط الاقتصادي. وينتظر أن يكون لهذا التراجع أثر ملموس على مستويات التوظف المستقبلية في القطاع الصناعي، مما سيؤثر بالتالي في مستوى إنفاق المستهلكين الذين بلغت مستويات الثقة لديهم مستويات متدنية بلغت خلال شباط (فبراير) 69.6 نقطة منخفضاً من مستوى 78.4 نقطة الذي بلغه خلال كانون الثاني (يناير) الماضي، وذلك حسب مؤشر ميتشجان لثقة المستهلك. وكان اقتصاديون قد توقعوا ارتفاع مستوى مؤشر فيلادلفيا الصناعي إلى سالب 10 وذلك حسب استبيان Bloomberg مما يعد مفاجأة غير متوقعة في أوساط المحللين الاقتصاديين تزيد من احتمالات الركود لديهم. إضافة إلى ذلك فإن انخفاض مؤشر المؤشرات القيادية الذي يصدره مجلس المؤتمر إلى أدنى مستوياته خلال الأشهر الستة الماضية وليبلغ مستوى 2 في المائة، يعد مؤشراً آخر قوي على الركود الاقتصادي. وعلى العكس من مؤشر ثقة المستهلك، ارتفع مؤشر ثقة المستثمرين الذي يصدره State Street من 69.5 إلى 73 نقطة خلال شباط (فبراير) وليعكس صورة متناقضة مع بيانات المؤشر الصناعي لمدينة فيلادلفيا. أما فيما يتعلق بقطاع الإسكان فقد أشار مؤشر ثقة مقاولي البناء الذي تصدره الجمعية الوطنية لمقاولي البناء إلى ارتفاع طفيف ليبلغ مستوى 20 نقطة، ومع ذلك فيظل المؤشر قريباً من أدنى مستوياته، مما يشير إلى تفاؤل مشوب بالحذر في أوساط مقاولي البناء. وأخيراً فقد أظهر المؤشر العام للأسعار الذي يستثني الطاقة والغذاء لكانون الثاني (يناير) استقراراً عند مستوياته التي بلغها خلال كانون الأول (ديسمبر) الماضي البالغة ارتفاعاً بمعدل 0.3 في المائة فيما بين الشهرين.
وفيما إذا كان الاقتصاد الأمريكي قد دخل دورة ركود اقتصادية جديدة، أشار اثنان من أعضاء اللجنة المختصة بتقييم وقت دخول الاقتصاد الأمريكي للدورات الاقتصادية، إلى أنهم ليسوا بعد في سبيل التصريح بذلك وذلك على الرغم من أنهم يؤكدون على أن الإشارات الاقتصادية الدالة على ذلك تزداد يوماً بعد يوم. وكان مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد خفضوا من توقعاتهم بشأن النمو الاقتصادي خلال هذا العام بنصف نقطة مئوية، حيث يتوقع أن ينمو الاقتصاد بمعدل يراوح بين 1.3 – 2 في المائة، في حين كانت توقعاتهم تشير إلى نمو بمعدل يراوح بين 1.8 و2.5 في المائة. إضافة إلى ذلك فقد خفض مسؤولو الاحتياطي توقعاتهم المتعلقة بمعدلات البطالة لتراوح بين 5.2 و5.3 في المائة، في حين أشارت توقعاتهم السابقة إلى معدل يراوح بين 4.8 و4.9 في المائة. وفي مقابل ذلك زاد مسؤولو الاحتياطي مستوى توقعاتهم للتضخم هذا العام ليراوح بين 2 و2.2 في المائة، منخفضة من مستوى 1.7-1.9 في المائة التي توقعها "الاحتياطي" خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
وبسبب هذه التوقعات المتشائمة يتوقع أن يقوم أعضاء لجنة سياسات السوق المفتوح FOMC خلال اجتماعهم المقبل المزمع عقده في الثامن عشر من آذار (مارس) المقبل بتخفيض سعر الفائدة القصيرة الأجل المستهدف بـ 50 نقطة أساس لتبلغ 2.5 في المائة. وعلى الجانب الآخر حذر رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" لمدينة سانت لويس الذي يعد أحد مقرري السياسة النقدية في الولايات المتحدة الأمريكية من أن تؤدي التخفيضات القوية في سعر الفائدة التي يقوم بها "الاحتياطي"، والتي تهدف إلى تجنب الركود، إلى إشعال فتيل التضخم، مشيراً في ذلك إلى التأمين ضد المخاطر لا يأتي بشكل مجاني. ففي حين يقلل تخفيض سعر الفائدة من احتمالات الركود، فإنه في الوقت نفسه يزيد من احتمالات التضخم، مما يدلل على أن هناك قلقاً في أوساط الاحتياطي ليس من الركود فقط، ولكن من مستويات التضخم في الأسعار. وهذا يؤكده سعي "الاحتياطي الفيدرالي" إلى زيادة مستوى توقعاته المتعلقة بالتضخم المشار إليها أعلاه. وكان تقرير الدقائق الأخيرة لاجتماع لجنة سياسات السوق المفتوح الأخير قد أشار إلى أن الاقتصاد بحاجة إلى سعر فائدة منخفض لتحفيزه، مما يؤكد أن مخاوف الركود ما زالت تشكل وزناً أكبر على أجندة "الاحتياطي" من مخاوف التضخم.
أوروبا
في حين تزايدت أخيراً توقعات المحللين الاقتصاديين بشأن خفض الفائدة الأوروبية، قللت نتائج تقرير النمو في قطاع الخدمات من ذلك. إذ يشير التقرير الذي يصدره بنك اسكتلندا ويغطي الخدمات المالية والاستشارية وقطاع الخدمات الجوية إلى ارتفاع من مستوى 50.6 نقطة خلال كانون الثاني (يناير) إلى مستوى 52.3 نقطة خلال شباط (فبراير). على الجانب الآخر ارتفع سعر صرف اليورو أمام العملات الرئيسية الأخرى، مما يدلل على أن النمو في القارة الأوروبية لم يتأثر كثيراً بالتراجع الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي، وعلى الرغم من ذلك فقد خفضت المفوضية الأوروبية من توقعاتها بشأن النمو الاقتصادي إلى مستوى 1.8 في المائة، وهو المعدل الأقل منذ عام 2005. من ناحية أخرى تزيد أسعار الطاقة وأسعار الغذاء المرتفعة من فتيل التضخم في القارة الأوروبية، إذ تشير المفوضية الأوروبية إلى أن مستويات التضخم هذا العام ستبلغ 2.6 في المائة، رافعة توقعاتهم من 2.1 في المائة خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
وفي بلجيكا أحد الدول الأعضاء في القارة الأوروبية وسادس الاقتصادات الأوروبية من حيث الحجم ومقر المفوضية الأوروبية ارتفع مؤشر ثقة الأعمال خلال شباط (فبراير) على أثر ارتفاع أنشطة البناء والصناعة بمعدل 0.2 في المائة من معدل سلبي بلغ 0.8 في المائة خلال كانون الثاني (يناير) الماضي. في مقابل ذلك فقد انخفض مستوى التشاؤم لدى المستهلكين البلجيكيين فيما يتعلق بأداء الاقتصاد من الشهر الماضي. أما فيما يتعلق بمعدل النمو الاقتصادي البلجيكي فيتوقع أن يبلغ 1.9 في المائة هذا العام متراجعاً من معدل 2.7 في المائة خلال عام 2007. وعلى العكس من ذلك فقد انخفض مستوى ثقة المستهلك في فرنسا إلى أقل مستوياته خلال 13 شهراً وذلك على أثر تراجع الاقتصاد الفرنسي إلى أقل مستوياته خلال 18 شهراً. في ألمانيا يتوقع أن ينخفض مستوى ثقة الأعمال هذا الشهر وذلك حسب استبيان قامت به Bloomberg.
الصين واليابان
أشار البنك المركزي الصيني إلى أنه سوف يزيد من مرونة اليوان الصيني كما أنه سيستخدم سعر الفائدة بشكل أكثر فاعلية لكبح جماح التضخم الذي يتوقع أن يستمر على مستوياته المرتفع خلال هذا العام. وكان تدخل البنك المركزي الصيني في سوق سعر الصرف أدى إلى إبقاء اليوان عند مستويات منخفضة مما دعم مستوى الصادرات الصينية ومن ثم مستويات النمو الاقتصادي بشكل كبير. والآن يدفع الاقتصاد الصيني فاتورة مرتفعة الثمن لتلك الإجراءات التحكمية متمثلة في ارتفاع مستويات التضخم بشكل كبير. وكان البنك المركزي الصيني قد زاد سعر الفائدة على اليوان ست مرات خلال العام الماضي وليستقر مستوى سعر الفائدة لسنة واحدة عند 7.47 في المائة.
في اليابان خفضت الحكومة اليابانية من تقديراتها للأداء الاقتصادي لأول مرة خلال الـ 15 شهراً الأخيرة، مشيرة إلى أن النمو الاقتصادي سوف يتباطأ كما ستتراجع مستويات الصادرات والإنتاج. وكانت تقارير قد أشارت إلى أن الاقتصاد الياباني قد تراجع خلال الشهر الماضي بعد أن تسارع خلال الربع الأخير من عام 2007. وارتفع الإنتاج بمعدل 1.4 في المائة خلال كانون الأول (ديسمبر) أقل من توقعات المحللين بمعدل 2 في المائة، بينما أشار استبيان صناعي إلى أن المصانع تخطط لتخفيض إنفاقها خلال الفترة المقبلة. وفيما يتعلق بالصادرات إلى الولايات المتحدة أكبر الشركاء التجاريين لليابان، فقد انخفضت بمعدل 3.2 في المائة خلال كانون الثاني (يناير)، بينما ارتفع مستوى الشحن بمعدل 7.7 في المائة مدعوماً بارتفاع الصادرات إلى أوروبا وآسيا.