3 عوامل تحسم الجدل حول نظرية ذروة النفط
استنتج نموذج ماهندرا فيرما Mahendra Verma USGE لطريقة أرينجتون المعدلة لحساب نمو الاحتياطيات، أن الوظائف الجديدة لنمو الاحتياطيات تدل على أن الحقول في الولايات المتحدة نمت خلال 95 سنة الماضية نحو سبع مرات بالنسبة للنفط ونحو تسع مرات بالنسبة للغاز عما كانت علية عند بداية الاكتشاف، هذا بالنسبة للحقول المكتشفة قديما، أما من جهة الحقول المكتشفة حديثا (30 سنة الماضية)، فإن الوظائف الجديدة لنمو الاحتياطات تتوقع أن المعدل السنوي المحتمل للنمو خلال 30 سنة المقبلة من عام 1996م وحتى 2026م إلى أقل من 0.5 في المائة (0.42) للنفط وأقل من 1 في المائة (0.88) للغاز. النتائج أيضا متقاربة لاستنتاج ماهندرا فيرما وجرجري أولميشيك Ulmishek USGE لدراسة "نمو الاحتياطيات لحقول النفط في غرب حوض سيبيريا في روسيا".
الدراسة تمت لحقول ضخمة عددا 42 حقلا تحتوى على 55 في المائة من إجمالي الاحتياطي النفطي في غرب سيبيريا خلال فترة خمس سنوات من 1998 إلى 2003، وقد أظهرت الدراسة أن الحقول الـ 42 شهدت نموا في الاحتياطي 13 ضعفا بعد 20 سنة من بداية الاكتشاف - قبل التطوير أو الإنتاج - وضعفين بعد نهاية أول سنة من الإنتاج. دراسة فيرما وأولميشك اعتمدت على معلومات لأول سنة إنتاج لفترة السنوات الخمس، وتوقعت الدراسة أن يكون معدل النمو السنوي للحقول الخاضعة للدراسة 42 حقلا ما بين 34 و24 في المائة، لذلك دراسات نمو الاحتياطيات تكون أكثر دقة عندما تبدأ بنهاية أول سنة من الإنتاج على حد قول أرينجتون.
قال جين ليهرير Laherrere عن الاحتياطيات إن هناك مدرستين، الأولى متشائمة معظمهم جيولوجيون متقاعدون، والثانية متفائلة وهم اقتصاديون وممثلون حكوميون ومنظمات رسمية، يرون في التقنية أنها الحل لجميع المشكلات ولا يرغب المتفائلون بالاستماع إلى المهندسين الذين يؤمنون إن هناك حدودا عما يمكن للتقنية أن تقدمه أو تفعله، خاصة فيما يتعلق بنمو الاحتياطات. وقد صدر كتاب عام 1972م أحدث ضجة في ذلك الوقت بعنوان "حد أقصى للنمو" Limits To Growth من قبل مجموعة نادي روما في MIT دانيال ودينيس ميدوس، جورقان راندرس، وويليام بيهرنس، وقد توقعوا من خلال استخدام نظام كمبيوتر تم تطويره في MIT بأن النمو سيتوقف بسبب نضوب واختفاء العديد من المصادر الرئيسة اللازمة لاستمرارية النمو، منها بطبيعة الحال مصادر توليد الطاقة الحالية النفط والغاز، وقد قامت مجموعة روما بالبحث في خمس توجهات رئيسة تهم العالم، وهي التقدم الصناعي، النمو السكاني، نضوب المصادر الطبيعية غير المتجددة، التلوث البيئي، وسوء التغذية لمحدودية الإنتاج بسبب تقليص المساحة الزراعية والزيادة السكانية، وتوصلت إلى نتيجة أن العالم (فرضيا) بحلول عام 2070م أي بعد 100 سنة من وقت الدراسة (1970م) سيصل إلى حد لا يستطيع الإيفاء بمتطلباته بسبب زيادة السكان بشكل كبير مقارنة بالأراضي الزراعية المتوافرة، إضافة إلى وصول أسعار المصادر الطبيعية النادرة المتبقية إلى معدلات عالية جدا، بطبيعة الحال بالنسبة للمصادر الناضبة غير المتجددة مثل النفط والغاز هذا لا يعنى أنها كاحتياطات مثبتة تكفي حتى عام 2070م، وربما قد تزيد، خاصة بعد إدخال عامل المصادر غير التقليدية والتقدم التقني لتطوير تلك المصادر.
عموما المتشائمون، كما يطلق عليهم ليهرير، يرون أن نمو الاحتياطيات قائمة لأغراض تتعلق بحصص إنتاجية وتؤجل رسميا وبشكل مباشر من حدوث ذروة النفط التقليدي حول العالم، وأن الحل يكمن في البحث عن بدائل لضمان استمرارية عامل النمو. المتفائلون في المقابل يرون أنها ظاهرة طبيعية تعود بالدرجة الأولى إلى التقدم التقني، ويؤمنون بالأخذ والتمسك بعامل نمو الاحتياطيات كحل لاستمرار إمدادات النفط في المستقبل.
لهذا أعتقد أولا أن مفهوم نمو الاحتياطيات هنا هو نمو المعرفة (التقنية) وليس لكمية المخزون، وأن عامل الاستخراج يؤدي إلى نسبة نمو سنوي للكمية نفسها ولكن تستخرج خلال مدة أقل.
ثانيا أرى أن ظاهرة نمو الاحتياطيات تبيّن سوءا في التقديرات السابقة أدت إلى تقديم حجم احتياطات أقل من الموجود الحقيقي underestimates لعدة أسباب، أهمها ضعف التقنية المستخدمة وقت الاكتشاف، إضافة إلى أسباب أخرى خاصة بالنسبة لدول منطقة الشرق الأوسط وهي قلة خبرة الشركات الوطنية NOC الفنية والتقنية في إدارة المخزون بعد أن أخذت زمام الأمور بنهاية السبعينيات الميلادية من الشركات العالمية IOC والتي كانت مسؤولة بشكل مباشر وكامل عن إدارة الاحتياطي والإنتاج، وكان يتم تقديم تقارير غير دقيقة Bad reporting من قبل الشركات العالمية تقلل من التقديرات المتوافرة لأسباب تتعلق بحقوق الإنتاج، نسبة الشراكة مع الشركات الوطنية أو ليتم مناقشة تجديد عقود، إضافة إلى تهرب الشركات العالمية من مسألة الضرائب داخل مناطق الإنتاج أو موقع الشركة الأم بتقديم تقارير غير صحيحة عن حجم الاحتياطيات والإنتاج الفعلي.
مع بداية الثمانينيات وحتى التسعينيات الميلادية، بعد أن بدأت لجنة الأوراق المالية والبورصة SEC في الولايات المتحدة تفرض على شركات النفط المدرجة في السوق تقديم تقارير عن حجم التقديرات للاحتياطيات النفطية والغاز المصنفة تحت مثبتة Proven فقط، وحذف التقديرات الأخرى المصنفة تحت ممكنة ومحتملة Probable وPossible لجأت بعض الدول، خاصة من منظومة (أوبك) ودول منطقة الشرق الأوسط، إلى التعامل بآلية نمو الاحتياطيات، بإضافة حجم التصنيفين الآخرين إلى حجم التقديرات المثبتة، بدأ بالعراق عام 1983م بنسب تراوح بين 30 في المائة وأكثر من 100 في المائة للبعض (أبو ظبي ودبي)، وأدت الآلية الجديدة إلى زيادة نحو 330 مليار برميل للاحتياطيات المثبتة بنسبة تعادل 90 في المائة تقريبا عما كانت علية قبل عام 1983م ليصل إجمالي الاحتياطات المثبتة بنهاية 1990م إلى أكثر من 700 مليار برميل، وأدت تلك الآلية إلى انخفاض حجم التقديرات الأخرى المصنفة تحت ممكنة ومحتملة، واستمر نمو الاحتياطيات حتى وقتنا الحاضر ولكن بنسب أقل مما تم في الثمانينيات وبداية التسعينيات الميلادية.
السؤال الآن هو: هل تمثل زيادة الاستهلاك، محدودية الاكتشافات الجديدة وانخفاض معدل نمو الاحتياطات في الحقول المكتشفة حديثا، عوامل ستؤدي (فرضيا) إلى بداية العد التنازلي للمخزون المتبقي وبداية ما يعرف بذروة النفط (التقليدي)؟ سؤال يحتاج إلى المزيد من البحث لظاهرة نمو الاحتياطيات للوصول إلى نتيجة نهائية يمكن لأصحاب القرار الاعتماد عليها مستقبلا.