غموض الاقتصاد العالمي وتقلبات السوق يقودان أسعار النفط
أصبحت التقلبات في سعر البرميل التي شهدتها السوق النفطية الأسبوع الماضي العامل المهيمن الحاضر بمفاجآته العصية على التفسير. رغم مناخات التشاؤم بخصوص وضع الاقتصاد الأمريكي، والتوقعات المتتالية بخصوص ضعف الطلب من عدد من المؤسسات التي ترصد حركة السوق، إلا أن سعر البرميل فاجأ الكل يوم الأربعاء الماضي بتجاوزه 100 دولار.
فإلى جانب عنصر المفاجأة هذا، فإن الذي يلفت الأنظار جانب التقلب السعري وهو ما تكرر منذ مطلع هذا العام. ففي الشهر الماضي مثلا شهدت سلة منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) تقلبات رغم أنها سجلت زيادة بلغت 1.31 دولار في البرميل، أو 1.5 في المائة، لكن تبقى التقلبات هي الأساس. ففي بعض المرات تراجع سعر البرميل إلى 83.84 دولار، وهو أقل معدل في ثلاث سنوات، بعد أن كان قد قفز إلى 93.78 دولار في فترة ثلاثة أسابيع.
مع جانب المفاجأة، فإن تفسير ما جرى كان من الصعوبة بمكان، إذ لا يمكن الإشارة إلى عامل معين أو أساسي يمكن من خلاله فهم ما جرى، الأمر الذي جعل الكثير من المحللين يتوصلون إلى أن هناك مجموعة من العوامل العديدة التي أسهمت في القفزة التي حدثت لسعر البرميل، وهي عوامل تعود إلى المناخ العام أكثر من تعلقها بأساسيات السوق، التي للمفارقة يفترض أن تدفع سعر البرميل إلى أسفل لاتصالها بالمخزون والتوقعات الخاصة بضعف الطلب.
ويبدو أن التصريحات المنسوبة لبعض الوزراء في منظمة "أوبك"، خاصة تلك الصادرة عن شكيب خليل وزير النفط الجزائري، عن احتمال وجود توجه قوي لخفض الإنتاج في اجتماع الشهر المقبل، لعبت دورا في القفزة التي شهدها السعر، إضافة إلى تزايد تحول النفط إلى مجال للتحوط في وجه التضخم.
فكل التوقعات الخاصة بالأداء الاقتصادي العالمي تراجعت بنسبة 1 في المائة إلى ما بين 3.2 إلى 4.6 في المائة، ويظهر حجم التراجع بوضوح في مناطق الاستهلاك الثلاث في دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، وعلى رأسها الاقتصاد الأمريكي الذي شهد أداء متدنيا في الربع الأخير من العام، إذ حقق نموا في حدود 0.6 في المائة فقط، مقابل أكثر من 4 في المائة في الربع الثالث.
اليابان من جانبها تتوقع تحسنا ووضعا أفضل مما شهدته في السابق وهو 1.2 في المائة. أما المنطقة الأوروبية فتتوقع نموا اقتصاديا في حدود 1.8 في المائة، بينما كل من الصين والهند لم يشهدا تغيرا يُذكر رغم متاعب الطقس التي شهدتها الصين أخيرا وأدت إلى تأثر النشاط الاقتصادي. وعليه تظل التقديرات في حدود 9.9 في المائة بالنسبة للصين و8 في المائة للهند. وهذا هو العامل الذي يظل مسانداً للأسعار القوية بتوفيره أرضية تستند إليها.
إلى أي مدى يمكن لهذا التراجع الاقتصادي أن يشكل عنصر ضغط على الطلب ومن ثم على الأسعار يظل مسألة خاضعة للجدل، خاصة أن آخر تقرير لصندوق النقد الدولي يشير إلى أن الاقتصاد العالمي يمكنه استيعاب سعر 100 دولار للبرميل، دون أن تنتج عن ذلك ضغوط تضخمية كبيرة.
لكن يظل الوضع الاقتصادي لارتباطه بأساسيات السوق مثار اهتمام مستمر، وعلى رأسه تبنى التوقعات بخصوص العرض والطلب. ولهذا اتجهت المؤسسات التي تتابع تحركات السوق مثل الوكالة الدولية للطاقة، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية و"أوبك" إلى خفض توقعاتها على الطلب على النفط. فالوكالة خفضت تقديراتها في النمو على الطلب إلى 1.6 مليون برميل يوميا من مليونين قبل شهر من تقديرها الأخير، واصفة السوق أنها تمر بحالة إعادة ترتيب ما بين العرض والطلب. فبعد ست سنوات من النمو الاقتصادي المتواصل يبدو أن السوق تتجه إلى مراجعات كبرى. وبالقدر نفسه الذي أسهم فيه النمو الكبير في الطلب عام 2004 وما بعده في تشكيل مسار السوق، فإن وضع ضعف الطلب الحالي يمكن أن يشكل المشهد العام خلال الفترة المقبلة.
إدارة معلومات الطاقة الأمريكية خفضت كذلك توقعاتها إلى 1.4 مليون برميل يوميا لهذا العام والعام المقبل بسبب غموض الوضع الاقتصادي. من جانب الإمدادات، فإن الدول المنتجة من خارج "أوبك" يتوقع لها أن تضخ 900 ألف برميل، وستكون الإضافة الكبيرة من البرازيل.
"أوبك" نفسها قامت بمراجعة تقديراتها للطلب إلى أسفل كذلك، حيث تضعه في معدل يقل قليلا عن 87 مليون برميل يوميا، ولو أن الربع الأول من هذا العام سيشهد طلبا في حدود 87.2 مليون.
إضافة إلى هذا، فإن وضع المخزون شكل عامل ضغط إضافي، فبعد السحب المتواصل من المخزون إلى معدل 75 مليون برميل، إلا أن المخزونات شهدت الشهر الماضي زيادة بنحو 11 مليون برميل لتصل إلى 981 مليونا، وهو ما يضعها فوق معدل خمس سنوات، كما أن المخزون من البنزين وصل إلى أعلى معدل له منذ شباط (فبراير) 1999.
هذه العوامل شكلت صورة المشهد النفطي حتى منتصف الشهر، وبالتالي فهي تعكس النظر إلى أساسيات السوق التي لم تعد تنعكس على سعر البرميل بصورة مباشرة. لكن يبدو أن تأثير هذه القفزة سيجد طريقه فيما إذا استمرت إلى الاجتماع المقبل لوزراء النفط في منظمة "أوبك" في غضون أسبوعين في شكل ضغوط لعدم خفض السقف الإنتاجي، هذا إذا لم تدفع في اتجاه الرفع. فأساسيات السوق نفسها التي دفعت باتجاه التوقع بتراجع في الطلب، بدأت تشكل الأرضية التي يمكن أن يبنى عليها قرار بخفض الإمدادات، خصوصاً أن الربع الثاني على الأبواب، حيث الطلب يزداد ضعفا في العادة.