احتمال تأثر تقييمات بنوك خليجية باستثناء المصارف الإسلامية
نفت اثنتان من كبرى وكالات التصنيف الائتماني العالمية التقارير الإعلامية الغربية التي تفيد بأن تلك الوكالات تعدّ العدة لتخفيض التقييمات الائتمانية للبنوك السعودية، بشقيها الإسلامي والتقليدي بسبب نتائج الربع الرابع من العام الماضي، والتي أوحت بشكل خاطئ للبعض أن سبب تناقص تلك الأرباح يعود إلى تأثر أصول تلك البنوك بتبعات أزمة الرهن العقاري الأمريكي.
إلا أن تلك الوكالات، التي تحظى بميزة الاطلاع الكامل على النتائج المالية للمصارف إضافة للبنوك المركزية، أكدت لـ "الاقتصادية" أنها بصدد تخفيض درجات التصنيف الائتماني لعدد من البنوك الخليجية التي كشفت آخر النتائج الفصلية لها تأثرها بأزمة الرهون العقارية عالية المخاطر في الولايات المتحدة، في الوقت الذي ألمحت فيه تلك الوكالة أن البنوك الإسلامية الأخرى في الخليج لن تطولها تلك الإجراءات التصنيفية.
وتتصادم تلك التأكيدات الرسمية مع التطمينات المستمرة والتي دأبت البنوك الخليجية المركزية على ترديدها أن بنوك منطقتها محصنه ضد أزمة الرهن العقاري الأمريكي.
وعلى الرغم من مساهمة بعض البنوك الإسلامية في إشعال فتيل موجة التجاوزات الشرعية التي حملتها معها أزمة الصكوك، والتي عزاها البعض في حينها، لاختلاف مبدأ التأويل حول التزام السند الإسلامي من عدمه بالشريعة الإسلامية، إلا أن هناك إجماعا تاما من المجالس الشرعية لهذه البنوك على تحريم التعامل في سندات بضمان رهن عقاري لأن هذه الأدوات المركبة لا تتماشى مع الشريعة الإسلامية.
وهنا يقول جورج كريسافينيس، نائب الرئيس المساعد لمجموعة المؤسسات المالية في وكالة موديز: "إنني أشك في أن بعض البنوك الإسلامية تحتفظ بكمية كبيرة من أوراق الدين العالمية ذات التصنيف العالي في ميزانياتها العمومية لأغراض السيولة، وفي أية حال يتعين أن تكون هذه متقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية لتشكل جزءاً المحافظ الاستثمارية للبنوك".
معلوم أن "الاقتصادية" نشرت في وقت سابق تحليل مالي كتبة جيم دانيال، أكد فيه أن نظام التمويل الإسلامي يملك القدرة على حماية الاقتصاد العالمي من الأزمات الائتمانية التي تشهدها معظم المصارف التجارية.
البنوك السعودية.. انكشاف محدود
من ناحيتها أكدت وكالة فيتش رايتنجز للتقييم الائتماني، أن بعض البنوك السعودية منكشفة بعض الشيء وبشكل بسيط ومحدود لأزمة الرهن العقاري إلا أنها عادت وشددت أن ذلك الانكشاف لن يؤثر في ربحية تلك البنوك، وبهذا تصبح البنوك السعودية في مأمن من هذه الأزمة التي امتدت لتشمل عددا كبيرا من المراكز والمؤسسات المالية والعقارية حول العالم. ومعلوم أن معظم وكالات التصنيف العالمية تحظى بميزة الاطلاع الكامل على نتائج الأداء المالي لجميع البنوك السعودية مثلها مثل البنوك الدولية الأخرى التي تم تخفيض تقييماتها الائتمانية بسبب انكشاف مجوداتها متعلقة بأزمة القروض السكنية لضعيفي الملاءة في الولايات المتحدة.
وهنا يقول فيليب سميث، كبير المحللين الائتمانيين لدى فيتش، "بالنسبة للبنوك السعودية، تلقينا تفاصيل عن انكشافها في الأشهر الأخيرة. ولكن من الصعب أن نحكم على وجه الدقة ما الأثر الذي سيكون على ربحيتها، على اعتبار أن كل بنك تعرض لقدر من الانكشاف يختلف عن البنوك الأخرى، ويعتمد الكثير في هذا المقام على المعالجة المحاسبية للمسألة، حسبما يتم الاتفاق عليه بين البنوك وشركات تدقيق الحسابات التي تتعامل معها. إلا أننا، مع هذا، لا نتوقع أن يكون لهذا أثر مهم على ربحيتها".
ويتابع في المقابلة الهاتفية التي أجرتها معه "الاقتصادية" من لندن "تدني الأرباح في عام 2007 يعود بدرجة كبيرة إلى تدني الإيرادات من النشاطات المحلية والإقليمية المرتبطة بالبورصة، والتي ظل لها تأثير إيجابي على نتائج عام 2006، على الرغم من الهبوط الكبير في أسعار الأسهم.
وأكد المحلل المتخصص في تحليل القطاع البنكي السعودي أن الانطباع المتكون لدى فيتش هو أن "انكشاف البنوك السعودية بصورة عامة ليس أمراً ذا شأن كبير، وأية مبالغ تُشطب بفعل هذه الانكشافات لن تكون ذات أهميه".
وبينت فيتش أن تقييماتهم للشركات المصدرة الخليجية أي التقييمات ذات المدى الطويل والتقييمات ذات المدى القصير "مدفوعة بالدرجة الأولى بإمكانية تلقي المؤسسات المذكورة دعماً ومساندة من السلطات أو من المساهمين. هذه المساندة تشكل أرضية التقييمات، ونتيجة لذلك فإن مرتبتها الائتمانية لن تتعرض للتخفيض، ما لم تتغير نظرتنا إلى طبيعة الدعم والمساندة. وفي الوقت الحاضر نحن على ثقة بأن المساندة ستأتي إلى هذه المؤسسات حين تدعو الحاجة إليها".
أنواع الأصول
هناك نوعان رئيسان من الأصول التي يمكن أن يكون لها تأثير على البنوك في الخليج. أحد هذين النوعين هو "التزامات الدين المضمونة بضمانات إضافية" CDOs، التي تشتمل على مجموعة من الأصول مختلفة احتمالات العجز عن سدادها مع مجموعة من الأوراق المالية ذات التصنيف الأعلى. وبسبب حجم القروض السكنية الأمريكية التي لم يتم تسديدها، عمدت وكالات التصنيف إلى خفض التقييمات الائتمانية للعديد من "التزامات الدين المضمونة بضمانات إضافية".
أما النوع الآخر فهو الأدوات الاستثمارية المهيكلة SIVs، التي تقترض أموالاً لمدة قصيرة لاستثمارها في أوراق مالية طويلة المدى وتعود عليه بفائدة أعلى مما تدفعه القروض. وحين بدأ أصحاب المساكن في الولايات المتحدة بالتوقف عن السداد، بدأت قيمة التزامات الدين المضمونة بضمانة إضافية وقيمة الأدوات الاستثمارية المهيكلة بالانخفاض، رغم أن طبيعتها الغامضة كثيراً ما جعلت من الصعب على أصحاب الأصول أن يقيموا انكشافهم على نحو يعتمد عليه.
البنوك الخليجية وأزمة الرهن
وفي الوقت الذي تجري فيه وكالات التصنيف محادثات مع البنوك الكبرى بشأن تصنيفاتها الائتمانية قبيل إعلان نتائج الربع الأول، ذكرت نشرت "ميد" اللندنية أن بنوك الشرق الأوسط قد تشطب ما يصل إلى مليار دولار أمريكي من استثماراتهم نظرا لانكشافهم أمام أصول ترتبط بأزمة الرهن العقاري. وإذا استمر أداء الاقتصاد الأمريكي على هذا النحو السيئ، فمن الممكن أن تواصل قيمة هذه الأدوات انخفاضها، الأمر الذي يضطر البنوك إلى تسجيل مزيد من الخسائر في دفاترها إلى أن تتمكن من التخلص منها.
وقال كريسافينيس:" إذا واصلت الأمور تحولها إلى الأسوأ، فقد يترتب على بعض هذه البنوك أن تسجل مزيداً من الخسائر في عام 2008. ومن حسن الحظ أننا لا نتوقع انتشار عدوى ذلك إلى فئات الموجودات الأخرى بشكل كبير وبالتالي فإن قلة قليلة من البنوك في المنطقة مكشوفة".
من ناحية أخرى نقلت صحيفة "جلف نيوز" عن "إيمانويل فولاند" مدير الخدمات المالية في "ستاندرد آند بورز" قوله إن بعض البنوك الخليجية ربما تخفي الخسائر التي تكبدتها من جراء أزمة الرهن العقاري الأمريكية.إلا أنه أكد أن هذا الانكشاف بشكل عام يعد محدودا. وأبدت المؤسسة تحفظاتها حول الشفافية ودرجة الإفصاح التي تعانيه هذه البنوك.
ويعد بنك أبو ظبي التجاري أول بنك في المنطقة الذي يعترف بانكشافه لأزمة الشح الائتماني حيث انخفضت أرباحه بمبلغ 19 مليون دولار في نتائجه للربع الثالث من عام 2007. بينما شطبت المؤسسة العربية المصرفية - مقرها البحرين - أصولا بقيمة 230 مليون دولار، تبعها بنك البحرين والكويت بأصول وصلت إلى 62 مليون دولار.
يشار إلى أن وكالة موديز وضعت بنك الخليج الدولي منذ فترة على خانة السالب من حيث آفاق السندات المصنفة بدرجة A2 بسبب انكشافه أمام موجودات متعلقة بأزمة الرهنيات العقارية. وبالتالي فمن المرجح أن تعاني من شطب مبالغ في ميزانيتها العمومية.
وأشارت فيتش لـ "لاقتصادية" أن مؤسسة الخليج للاستثمار، وهي مؤسسة مالية إقليمية تملكها الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، لديها كذلك انكشاف لا يستهان به ومن المرجح أن تقوم بشطب بعض الأصول.
وأفاد فيليب "لا تتوافر لدينا حتى الآن نتائج جميع البنوك، لذلك فإن من السابق لأوانه إلى حد ما أن نطلق تعميمات حول جميع البنوك في منطقة الخليج. ولكننا نتوقع أن عدداً قليلاً نسبياً من البنوك سيعاني من عمليات شطب لا يستهان بها للمبالغ، بسبب الانكشاف أمام أزمة القروض السكنية لضعيفي الملاءة، وأمام الأدوات الاستثمارية الخاصة والتزامات الدين المدعومة بالضمانات وما إلى ذلك، ونتيجة لذلك فإن عدداً قليلاً للغاية منها سيعاني خسارة صافية في التحليل النهائي وليس مجرد تقلص الأرباح".
بنوك التجزئة
ويعتقد أن البنوك الأكثر انكشافاً هي البنوك التي تقدم الخدمات المصرفية للمؤسسات والشركات المعروفة بمصطلح wholesale banking التي لا توجد لديها قاعدة من إيداعات التجزئة من الأفراد لكي تعتمد عليها كمصدر إضافي من مصادر التمويل.
وذكر كريسافينيس: "تميل البنوك التي تقدم الخدمات المصرفية للمؤسسات والشركات في الخليج إلى أن تكون في حاجة إلى أصول سائلة دولية ذات تصنيف عال في هيكلية رأسمالها. أما بنوك التجزئة فلديها قاعدة من المودعين الأفراد الذين تستطيع الاعتماد عليهم كمصدر من مصادر التمويل. لذلك فإن حاجتها إلى الاحتفاظ بالأصول السائلة أقل".
معلوم أن بنوكا عالمية تقليدية مثل "سيتي جروب" و"يو. بي. إس" قد شطبت أصولا تزيد قيمتها على 80 مليار دولار بسبب خسائر سوق الائتمان منذ تشرين الأول (أكتوبر) بعد أن أثارت عمليات التخلف عن سداد الرهون العقارية في الولايات المتحدة أزمة ائتمان تهدد بإدخال الاقتصاد الأمريكي في حالة كساد.