خطبة الجمعة .. ضعف المحتوى يغيب المصلين

خطبة الجمعة .. ضعف المحتوى يغيب المصلين

إذا تأملت وضع خطبة الجمعة في السابق والوقت الحاضر تجد فرقا شاسعا في الاهتمام, ففي سنوات مضت كانت المساجد تكتظ بالمصلين قبل أن يبدأ الخطيب خطبته، ولأول وهلة تجد تأخرك يرمي بك خارج المساجد في الساحات الخارجية, وتجد نفسك في محيط لا يساعدك على الاستماع وانتظار خطبة, وشتان بين الأمس واليوم, ويهولك في الوقت الحاضر تأخر بعض الخطباء في إلقاء الخطبة, حيث يصبح ذلك ثقلا يعتري بعض المصلين, ولا يوقظ بعضهم من سباتهم العميق إلا إقامة الصلاة, ما الذي تغير لدى المصلي الآن والسابق؟ وما الذي يمكن أن يجذب المصلين لأداء صلاة الجمعة ليبكر ويكسب أجر ذلك التبكير بدلا من التأخر الذي أصبح سمة ملازمة للأغلبية؟ فقد دلفت على أحد المساجد قبل أن يصعد الخطيب فوجدت المصلين صفين فقط, استغربت أن يحدث ذلك ونحن على مشارف بدء الخطبة وما هي إلا لحظات حتى صعد الخطيب وبدأ يخطب وبدأ يتوافد المصلون وما أن انتهى من خطبته حتى امتلأ المسجد الذي لم يكن حجمه كبيرا. استوقفتني هذه الظاهرة, فأخذت أتساءل ما الذي يحدث لعيد المسلمين الأسبوعي, فالناس في تأخر لحضوره ما الأسباب؟ ومن هنا نشأت فكرة هذا التحقيق حيث استطلعت آراء بعض المصلين عن سبب هذا التقاعس في التبكير حيث لم يكن ذلك المسجد إلا نموذجا لمعظم المساجد, وفي هذه الأثناء استوقفت أحد المصلين عبد العزيز هوساوي لأفاجئه بسؤالي: لماذا الناس أصبحوا زاهدين في صلاة الجمعة؟ قال لي يا أخي ليس مبررا تأخر الناس عن المجيء إلى الصلاة لكني مع الأسف أجد العجب العجاب, فهناك أناس كثيرون منشغلون عن الصلاة بقضاء حوائجهم أو نومهم حيث لا يستيقظون إلى مع بداية وقت الخطبة, وربما ينام البعض منهم ويستيقظ من سباته على صوت خطباء المساجد المجاورة لبيته، ويهم بكسل للحاق بآخر ركعة حتى يوهم نفسه أنه أدى الواجب، تخديرا لوجع الضمير, ولا أخفيك أن هناك عوامل عدة منها عدم اعتناء بعض الخطباء بالخطبة وطريقة إلقائها ويضاف إلى ذلك طول الخطبة, وهو سبب رئيسي.
ويرى محمود شركار أن اختلاف الناس حول خطبة الجمعة أمر يثير التساؤل, وهو يوضح لنا شرائح من المجتمع تتفق على عدة أمور سلبية هي الصبغة الأساسية لخطب الناس.
ويشير حمد سعد الحمد إلى أنه حريص على حضور خطبة الجمعة لكنه تفاجأ بأنه لا يستمع إليها ولا يعرف ما يدور به فهو يشرد بخياله، أو يقوم بأي أعمال ولا ينتبه إلا عند انتهاء الخطبة.

هؤلاء هم السبب
ويرى الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء أن التقصير لا يرجع إلى خطبة الجمعة في حد ذاتها وإنما يرجع إلى المتلقين أنفسهم‏‏‏‏ فأكثرهم لا يلتزم بما يسمع وبما يقال له إنما هو سائر في طريقه ولو كان غير صحيح, أما الخطبة نفسها فالغالب أنها من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - خاصة في هذه البلاد, والحمد لله‏‏‏‏, وأعتقد أن غالبية خطبائها من أهل العلم ومن طلابه المتمكنين وإذا كانوا من الذين لا يعدون الخطبة فإنهم يستعينون بخطب معدة من قبل علماء لهم مكانتهم في العلم والفقه, ولذلك فالخطب في المملكة هي خطب في المستوى المطلوب, وإذا كان هناك من تقصير أو عدم تأثير فمرده إلى الناس أنفسهم؛ لأن كثيرًا من الناس لا يعدلون من سلوكهم مهما قيل لهم إنما يفرحون إذا سمعوا أن الخطيب يتكلم في حق غيرهم أو يتناول أخطاء غيرهم فهم يصغون إليه بشدة, أما إذا تناول أخطاءهم فإنهم يصدون عنه ويعرضون في الغالب ويخرجون دون فائدة.
وقال فضيلته إنه يجب على الخطيب أن يقتدي برسول الله, صلى الله عليه وسلم, الذي كان يحث على تقصير الخطبة, يقول صلى الله عليه وسلم )إن قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة ) وكانت خطبته وجيزة و كانت كلمات معدودات مباركات يلقيها على مسامع الناس, وقد أمر بتقصير الخطبة وإطالة الصلاة وما يفعله بعض الخطباء من إطالة للخطبة وتقصير للصلاة مخالف للسنة.
التحلي بالفضائل والكرامات
من جانبه, يؤكد الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عضو هيئة الإفتاء سابقا, أن التصرف الذي يحصل من تأخر بعض المصلين عن التبكير لصلاة الجمعة يفوت عليهم الكثير من الأجر, وفي الحديث عن أوس بن أوس الثقفي ـ رضي الله عنه, قال ‏سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ‏ـ ‏يقول "من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب, ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها" رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .وأرى أنه يتطلب من الخطيب أن يكون من حملة العلم الشرعي وأهل الاعتقاد السليم، ويكون واسع الاطلاع والمعرفة ومتمكناً من القدرة على استخراج المباحث والأدلة والمقالات الشائقة من بطون الكتب، فإنه يستطيع بما معه من المَلَكة وقوة القريحة على أن يضمّن خطبته مواعظ شائقة تحرك القلوب، وتهز المشاعر، وتبعث الهمم نحو المعالي، وتقمع النفوس الشريرة عن الأدناس ومساوئ الأخلاق، وتثير القوى النفسية نحو معالي السمات، والتحلي بالفضائل والكرامات، والتخلي عن كل ما يقدح في الدين أو ينافي المروءة أو يجلب السمعة السيئة.
وهكذا نرى أن مثل هذا الخطيب يعالج مشكلات الناس وينبه على ما يقع فيه الجماهير من المصائب والمعائب، والمعاصي المتمكنة، كالفواحش والمخدرات والمخالفات، والوقائع التي يحصل بها عبرة وموعظة، ويستوفي الأدلة والتعليلات، ويحرص على العبارة الواضحة التي تجلي المعاني، وترسخها في الأفهام، ولا يسهب في الكلام الذي يمله السامعون وينسي بعضه بعضاً، وبالجملة فالخطيب الناصح يحرص على ما ينتفع به السامعون، ويتتبع الأخبار، ويسأل عن واقع الناس، ويضمّن خطبته المعاني الرفيعة والعبارات الفصيحة، ولا يتعرض لما لا أهمية له، ولا يندد بالأفراد، ولا يشهر الأسماء من الذين وقعوا في منكر أو مخالفة.

الأكثر قراءة