رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


التعليم.. الأهداف التربوية والمبررات المالية

في ندوة صحافية أطلقت عليها جريدة "الجزيرة" مسمى "خيمة الجزيرة" عقد معالي وزير التربية والتعليم الدكتور عبد الله بن عبيد ندوة مطولة استمرت ثلاث ساعات تناول فيها العديد من القضايا التي تهم الوزارة وتهم المجتمع على حد سواء، ورغبة في المشاركة بالرأي بشأن بعض القضايا رأيت بعد قراءتي لما دار من نقاش بين معالي الوزير، وبعض قيادات الوزارة، وبعض منسوبي المدارس الأهلية وكتاب صحيفة "الجزيرة" المشاركة بالرأي والمناقشة ولو من بعد. ما طرح في هذه الندوة متنوع ومتعدد الجوانب، حيث تم طرح تساؤلات بشأن التعليم الأهلي والتعليم الأجنبي والاختبارات، ورياض الأطفال، والتربية الخاصة، والتصنيف الصادر من البنك الدولي بشأن التعليم في المملكة إضافة إلى المشاريع التطويرية في الوزارة ومشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم. وقبل البدء في مناقشة بعض المواضيع التي تم طرحها وإبداء الرأي بشأنها لابد من الإشادة بفكرة صحيفة "الجزيرة" لعقد هذه الندوة وحبذا لو واصلت عقد مثيلاتها مع وزراء آخرين مثل وزير المالية، ووزير العمل، ووزير الخدمة المدنية، والوزراء الآخرين وذلك حتى يتسنى لهؤلاء الوزراء أن يسمعوا ما يهم الناس ويكشفوا رؤاهم بشأن ما قد يخفى على الناس، أو يجهلونه، كما أقترح توسيع دائرة الحضور، وإشراك أطراف أخرى، وعدم حصر ذلك على كتاب "الجزيرة"، ومنسوبي الجهة المستضافة. أول موضوع أرى أن معالي الوزير أبان حوله رأيه، ورأي الوزراء بكل صراحة، وشفافية هو التعليم الأهلي حيث ذكر معاليه أن الوزارة تتطلع إلى أن يكون التعليم الأهلي مستقلاً تمام الاستقلال، ولا يعتمد على الوزارة في أي شيء من الأشياء، ذلك أن الاعتماد على الوزارة سواء بدعم مالي، أو إداري يجعل من هذا التعليم عالة على التعليم الحكومي، والذي فيه من ضروب المعاناة ما فيه، التعليم الأهلي لكي يكون منافساً قوياً لابد من أن يكون قادراً على توفير متطلبات العملية التعليمية المادية والبشرية وهذا لا يتحقق من خلال اعتماده على الوزارة لتوفير مدير المدرسة، أو تقديم الخدمة التعليمية في مبنى غير مهيأ لأن يكون مبنى تعليمياً، وقد سبق أن كتبت عن ذلك في إحدى مقالاتي في صحيفة "الاقتصادية" حيث ذكرت أن مباني بعض المدارس الأهلية تؤكد عدم أهلية هذه المدارس لتقديم الخدمة التعليمية المناسبة على أن هذا لا يمكن تعميمه على كل المدارس الأهلية. وهذا الأمر ليس مقتصراً على التعليم العام، فالتعليم العالي تتكرر فيه صورة اعتماد التعليم الجامعي الخاص على التعليم العالي الحكومي، حيث إن بعض الجامعات والكليات الأهلية تندب لها الجامعات الحكومية بعض أعضاء هيئة التدريس فيها مع دفع مرتباتهم في نفس الوقت، وبهذا الفعل تكون الجامعة قد خسرت عضو هيئة التدريس الذي صرفت عليه كثيراً، وانتظرته طويلاً مع دفع مرتبه، ولذا يتساءل المرء عن جدوى مثل هذه الجامعات والكليات في مساندة التعليم العالي الحكومي وتخفيف الأعباء عنه ؟!
جميل أن تتعاون المؤسسات الحكومية مع المؤسسات الأهلية ولكن بالقدر الذي لا يضر بأحد الطرفين، ولا يكون على حساب العملية التعليمية، والتي من أجلها أنشئت هذه المؤسسات سواء كانت خاصة أو حكومية. إن التعليم الأهلي سواء كان عاماً أو عالياً لابد له من أن يكون قادراً على تمويل وإدارة ذاته إذا كنا نتطلع إلى مستوى عال من المنافسة، والجودة في الأداء. ومع شروع الوزارة في تطبيق الاختبار الوطني التحصيلي لابد من التأكيد على أن يكون الهدف من هذا الاختبار سبر ومعرفة أداء المدارس، وإدارات التعليم، وذلك من خلال مقارنة أداء الطلاب على الاختبار التحصيلي الوطني الذي يتم بموجبه معرفة جوانب القوة، وجوانب الضعف لدى المدارس، ولدى إدارات التعليم، وهذا ما ذكرته، وأكدته في ندوة الوزارة العام الماضي، التي عقدت بهذا الخصوص ودعيت للمشاركة فيها. المشاريع التطويرية لوزارة التربية والتعليم يفترض أن تتكامل مع مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم، وألا تصرف هذه الأموال الضخمة كيفما اتفق، بل لابد من تصور شمولي يمكننا من الاستفادة القصوى من هذه الأموال المرصودة لهذا المشروع . إن وعينا بواقع تعليمنا، ومعرفة إيجابياته، وسلبياته البيئية، والإدارية، والتقنية، والبشرية يمثل الخطوة الأولى نحو الاستفادة من هذا المشروع، وقد يكون في تصنيف البنك الدولي للتعليم في المملكة فائدة تساعدنا على معرفة واقعنا، وتعليمنا بدلاً من النزعة الدفاعية التي قد نجد أنفسنا فيها حين تصدر مثل هذه التقارير، وحري بنا ،ونحن ننشد الحقيقة، والمصلحة أن ننطلق من منطلق "رأيي خطأ يحتمل الصواب، ورأي غيري صحيح يحتمل الخطأ".
ما يتعلق برياض الأطفال، وموقف وزارة المالية منها، واعتبارها رياض الأطفال حضانات تحفظ الأطفال لفترة من النهار يبدو أنه غريب، ويثير الكثير من التساؤلات هل لوزارة المالية أن تفتي في شأن تخصصي، وتحدد نوع التعليم الواجب تقديمه في هذه المرحلة، أو تلك، ومستوى المعلمات العاملات في رياض الأطفال؟
وما الأساس الذي تنطلق منه وزارة المالية في رؤيتها هذه ؟ هل هي رؤية مالية أم رؤية تربوية ؟ العالم أجمع يعمل بنظام رياض الأطفال، وينفق أموالاً طائلة على هذه المرحلة التي تعد مرحلة تأسيسية تستوجب أن يكون العاملون فيها من ذوي الاختصاص والكفاءة العالية في التعامل مع الأطفال وليس مجرد حراس للأطفال. وزارة المالية يفترض ألا تتدخل في الجوانب التخصصية، وتتركها لأهلها، إذ لا يمكن لوزارة المالية أن تقرر إقامة مستوصف بدلاً من مستشفى في مدينة أو بلدة إذا رأت وزارة الصحة ذلك وهذا الأمر ينطبق على مدارس رياض الأطفال التي هي من اختصاص وزارة التربية والتعليم.
استوقفني في الندوة الصحفية لمعالي الوزير موضوع الدمج في برامج التربية الخاصة ومع إشادة الوزير بنظام الدمج إلا أنه يرى، ويفكر بنفس الطريقة التي تفكر بها وزارة المالية، وذلك حين ذكر عدد الطلاب الذين يدرسهم المعلم في الصف العادي، وعدد الطلاب الذين يدرسهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا مكلف للوزارة في رأيه الأمر بديهي فالطالب من ذوي الاحتياجات الخاصة يحتاج إلى عناية، ورعاية أكثر، ولابد لنا من التعامل مع هذا الوضع، وتقبله بهذه الصورة إذا أردنا دمج هذه الفئة في مجتمعها، وتأهيلها التأهيل المناسب الذي يجعلها تعتمد على ذاتها، وتخدم مجتمعها، إن من يعملون مع هذه الفئات يعانون نفسياً، وبدنياً، ويرهقون أيما إرهاق، ومن حقهم أن يتقاضوا نسبة تميزهم عن غيرهم، أما الممارسات الخاطئة والتي استشهد بها معالي الوزير فليست مبرراً لإلغاء النظام، فالممارسات الخاطئة مثل صرف النسبة لغير مستحقيها هذا خطأ إداري، وعلى الوزارة معالجته، ولكن ليس من خلال معاقبة جميع المتخصصين. في أكثر من ندوة خارج المملكة سمعت عرضاً لتجربة المملكة في نظام الدمج وإشادة بهذه التجربة بل ودعوة للاستفادة منها إن الأهداف التربوية التي من أجلها أوجدت وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي وأوجدت المشاريع والبعثات وأنفقت الأموال من أجلها يفترض أن تتجاوز كافة العقبات مهما كانت إدارية، أو مالية إذا أريد لأجيالنا أن يتحقق فيها مفهوم المواطنة الصالحة كي تخدم وطنها وأمتها بكل جدارة وإخلاص فهل نغتال هذه التجربة للمبررات المالية أو التجاوزات الإدارية ؟!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي