انخفاض مستوى البطالة في المملكة وعد .. ربما لن يتحقق
عندما اطلعت على اللقاء الذي تم في التلفزيون السعودي ليلة السبت الماضي مع نائب وزير العمل السعودي واللقاءات السابقة التي أجرتها بعض الصحف المحلية مع متخذي القرار في وزارة العمل دهشت وشعرت بالقلق من أن قضية السعودة وما يرتبط بها من ارتفاع نسبة البطالة وتدني أجر العمالة السعودية في المملكة لن تجد طريقها للحل على الأقل في المديين القصير والمتوسط. فعلى الرغم من أهمية هذه القضية، ما زال متخذ القرار في وزارة العمل يستبعد رفع الحد الأدنى لأجور العمالة السعودية العاملة في القطاع الخاص، في إشارة إلى أن حدوث ذلك من شأنه أن يؤدي إلى مضايقة منظمة العمل الدولية التي ستعد هذا التصرف تمييزاً، والوزارة – والكلام لنائب وزير العمل - لا تريد أن يكون لها إشكالات مع المنظمات الدولية. كما أن رفع الحد الأدنى للأجور يجب الحذر منه لأن سيؤدي إلى استبدال العمالة المحلية بآلات أو عمالة مستقدمة، وسيكون لهذا التصرف إن تم تنفيذه ارتباط بغلاء المعيشة.
لقد استفاد العديد من الدول في مختلف مناطق العالم، في الشرق الأوسط وفي آسيا وإفريقيا، بل وفي أوروبا وأمريكا بدرجة كبيرة جدا من الثروة الهائلة التي تتمتع بها المملكة التي أفرزتها الزيادة الحادة في أسعار النفط في السنوات الخمس الماضية. وترددت أصداء الانفجار النقدي وارتفاع نسب السيولة في الاقتصاد السعودي. هذا الارتفاع الشديد صاحبه ارتفاع مشابه في تحويلات العمالة الأجنبية بمختلف جنسياتها، وازدياد غير متوقع في تدفقات شركات القطاع الخاص وأصحاب رؤوس الأموال. إضافة إلى ذلك حدث تراكم للأصول المالية السعودية في الخارج نظرا لأن إجمالي المدخرات العامة والخاصة يتجاوز القدرات الاستيعابية للاقتصاد السعودي. مع كل هذا ما زال هناك من يرى أن رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص أمر سلبي وغير إيجابي للاقتصاد السعودي وللشركات والمؤسسات الخاصة العاملة فيه. إنهم يرون أن رفع الحد الأدنى للأجور سيسهم في تأزم مشكلة البطالة نتيجة عدم قدرة أصحاب الأعمال على توظيف السعوديين لارتفاع أجورهم، خصوصا في ظل وجود تشوهات في سوق العمالة الأجنبية كتفشي ظاهرة العمالة السائبة ووجود فئات واسعة من العمالة الأجنبية التي تتلقى رواتب دون الحد الأدنى، هذا فضلا عن أن هناك قطاعا كبيرا جدا من أصحاب الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، بقاؤهم في السوق يعتمد على وجود أيد عاملة رخيصة نسبيا، فإذا ما ارتفعت التكاليف، فإن جدوى بقاء هذه المؤسسات محل تساؤل كبير.
وفي ظل الصورة المظلمة هذه، وفي ظل أكثر المشكلات إلحاحا وإثارة لعدم الاستقرار والتوترات الاجتماعية والأمنية والثقافية في المملكة، نطرح التساؤلات التالية:
التساؤل الأول: أين منظمة العمل الدولية من سلوك كثير من دول العالم ومنها دول متقدمة قامت بوضع حدا أدنى لموظفيها في كثير من القطاعات الاقتصادية لكي تتماشى تلك الأجور مع مستوى المعيشة في تلك الدول؟ إن تهمة التمييز التي يشار إليها دائما تهمة مرفوضة في ظل رغبة وطنية تهدف إلى رفع المعاناة التي يعاني منها شبابنا وشاباتنا.
التساؤل الثاني: أين منظمة العمل الدولية ووزارة العمل الموقرة من الاختلاف الكبير في رواتب الأجانب من الجنسيات الأمريكية والأوروبية مقارنة برواتب السعوديين في شركات سعودية كبيرة ومعروفة كأرامكو وسابك والاتصالات السعودية وغيرها من شركات خاصة في قطاعات اقتصادية كثيرة؟
التساؤل الثالث: أين منظمة العمل الدولية من الاختلاف الكبير الموجود في سلم رواتب السعوديين في القطاع الحكومي والسعوديين في القطاع الخاص ذوي الرواتب المتدنية؟ أليس ذلك تمييزا يجب أن يزعج منظمة العمل الدولية؟ أليس من حق الشباب السعودي مطالبة منظمة العمل الدولية ووزارة العمل والقطاع الخاص بأن تتبنى بشكل إجباري سلم رواتب يتسم بالعدالة والإنصاف؟
التساؤل الرابع: أيهما أكثر تأثيرا في تحسين تشوهات سوق العمل السعودي وتحسين مستوى الدخل الوطني إبقاء أجور العمالة السعودية في شكلها المتدني أم رفعها إلى مستوى يليق بمستوى معيشة الفرد السعودي وكرامته؟ إنني أستغرب من وزارة العمل القول إنها قامت بدراسة جميع القضايا المرتبطة بخصائص سوق العمل السعودي وأنها استوعبت كل الجوانب والمتغيرات المرتبطة بهذه القضية. وبحسب علمي أنه لا توجد دراسة واحدة قامت بتحليل التأثيرات الاقتصادية الإيجابية والسلبية التي يمكن حدوثها من جراء رفع الحد الأدنى لأجور العمالة السعودية.
التساؤل الخامس: ماذا تمثل زيادة الحد الأدنى لأجور العمالة السعودية في القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي؟ ومن الأرباح والتدفقات النقدية الهائلة التي تحققها المؤسسات والشركات الخاصة في المملكة؟
التساؤل السادس يرتبط حل مشكلة البطالة في المملكة ببعض الإصلاحات الضرورية التي يجب أن تجريها الأجهزة الحكومية المعنية بهذه القضية وعلى رأسها وزارة العمل، ما الأسباب في أنه ومنذ الثمانينيات والتسعينيات ما زالت النتائج المتحققة في هذا الاتجاه مخيبة للآمال مقارنة ببلدان الدول الناشئة الأكثر معاناة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية؟
التساؤل السابع: كم من الوقت نحتاج لتخفيض معدلات البطالة في المملكة وتلبية احتياجات شبابنا وشاباتنا الوافدين إلى سوق العمل ورفع مستوى معيشتهم؟ وما الإصلاحات الدقيقة التي يمكن أن تقدمها وزارة العمل في هذا الاتجاه؟
التساؤل الثامن: أليس من المناسب تذكير وزارة العمل بمستويات الأجور والخدمات الاجتماعية التي كانت تقدم للعمالة السعودية من قبل شركة أرامكو السعودية في بداية تأسيسها؟ لقد استطاعت هذه الشركة أن تستقطب عمالة سعودية من مناطق وقرى نائية وبمؤهلات لا تذكر على الإطلاق، وأن تحول هذه العمالة إلى كفاءات إدارية وفنية ذات مستوى عال تتمتع بقيم أخلاقية ومهنية راقية. إن دعوة القطاع الخاص ووزارة العمل في أحيان كثيرة من أن العمالة الوطنية غير قادرة على تحمل أعباء ومسؤوليات الوظائف المختلفة في القطاع الخاص لانخفاض مستواها التأهيلي والتدريبي دعوة مرفوضة ولا يمكن قبولها.
التساؤل التاسع يتعلق بمفهوم القطاع الخاص في المملكة الذي اقتصر على استيراد اللفظ من الخارج، أما المضمون فقد ظل في حكم الأمنية التي يتغنى بها بعض المسؤولين ومتخذي القرار في المملكة. أليس القطاع الخاص هو المسؤول الأول في الارتفاع المستمر في مستويات البطالة في المملكة؟ كنا نظن أن تحول بعض الشركات الحكومية إلى القطاع الخاص سيكون حلا لكثير من الإشكاليات ومنها مشكلة البطالة، غير أن الواقع يشير إلى عكس ذلك تماما.
من هذه التساؤلات يظهر لنا أن الغوص في أعماق هذه القضية التي يكثر الحديث عنها اليوم يوصلنا إلى وجود اختلالات متعددة العناصر في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المملكة، وبالتالي يمكن القول إن انخفاض مستوى البطالة في المملكة وعد ... ربما لن يتحقق.