رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل أسواق المستقبليات أسواق مقامرة؟

[email protected]

كثيراً ما تتداول الصحافة المقروءة والمرئية هذه الأيام موضوع الأسواق المستقبلية وتأثيرها في أسعار النفط. لذلك فقد ارتأيت أن يكون مقال هذا اليوم تعريفا للقارئ الكريم بماهية الأسواق المستقبلية وكيفية عملها. والسوق المستقبلي هو المكان الذي تداول فيه عقود الشراء والبيع للسلع أو للأوراق المالية على أن يتم التسليم في وقت مستقبلي. كأن يتم شراء ألف برميل نفط على أن يتم تسليمها في آب (أغسطس) المقبل بسعر متفق عليه مستقبلاً. وهناك نوعان من العقود التي يتم تداولها في الأسواق المستقبلية. الأول هو عقد الشراء أو البيع المستقبلي Future Contract ، والآخر هو خيارات البيع والشراء في المستقبل Call or Put Options. والفرق بين العقدين أن الأول يمنح ويلزم صاحبه بمضمون العقد مستقبلاً، بحيث يلزم بائع العقد المستقبلي بتسليم السلعة أو الورقة المالية في التاريخ المحدد أو أن يقوم بتسوية العقد بعقد معاكس عن طريق شراء عقود مستقبلية على السلعة نفسها في التاريخ المحدد وبالسعر المستقبلي في ذلك التاريخ. بينما يعطي العقد الآخر الخيار لصاحبه في أن يمارس حقه باستخدام عقد الخيار في شراء سلعة Call Option أو في عرض سلعة للبيعPut Option بالسعر المحدد في العقد. ويجب ملاحظة أن السوق المستقبلي يتكون عادة من ثلاثة أطراف: الطرف الأول هو البائع للعقد المستقبلي ويكون عادة منتج السلعة والذي يريد أن يتحوط من تغير أسعار السلع بين تاريخ بداية العملية الإنتاجية (موسم الزراعة مثلاً) وتاريخ تسليم المنتج النهائي إلى المستهلك. والطرف الثاني هو المشتري للسلعة كمصافي النفط والتي تستخدم النفط الخام كمدخل في عملية التكرير، التي تخشى من عمليات ارتفاع أسعار النفط. والطرف الثالث المضاربون Brokers وهم أعضاء في السوق المستقبلي يقومون بعملية شراء وبيع العقود لزبائنهم أو لأنفسهم بفروقات بسيطة وبكميات كبيرة وبالتالي يقومون بتوفير السيولة للسوق.
والعقود التي يتم تداولها في السوق المستقبلي تخص السلع التي يمكن تحديد نوعها وخصائصها بشكل واضح، فعلى الرغم من أن عقد الإيجار يعد أحد أنواع العقود المستقبلية Forward Contract، إلا أنه لا يتداول في الأسواق بسبب عدم اتساق صفات المسكن، مما يتطلب تصميم عقد مستقبلي لكل وحدة سكنية على حدة. أما في حالة السلع الزراعية أو النفط أو المعادن، فإنه يمكن تمييز خصائصها بشكل واضح، وبالتالي تصميم عقد موحد لكل نوع يتم تداوله في السوق المستقبلي. نقطة أخرى تجدر الإشارة إليها أنه وعلى الرغم من أن تسليم أو تسلم السلعة محل العقد هي إحدى خصائص العقد المستقبلي Future Contract، إلا أن نسبة قليلة فقط لا تتجاوز 2 في المائة من العقود المستقبلية المصدرة تتم تسويتها بالتسليم أو التسلم ، أما باقي العقود فتتم تسويتها بعقد معاكس يتحمل بموجبه مصدر العقد أي خسائر ويتحصل على أي أرباح تتمثل في الفرق بين السعر المستقبلي للسلعة في تاريخ إنشاء العقد وبين السعر المستقبلي للسلعة في تاريخ التسليم. وتتحدد الأسعار في السوق المستقبلي لأي سلعة اعتمادا على العرض والطلب من ذلك النوع من العقود. فإذا توقع مالكو مصافي النفط أن هناك احتمالا أكبر لارتفاع أسعار النفط في المستقبل فإنهم سيقومون بشراء المزيد من العقود المستقبلية على النفط ليتحوطوا من ارتفاع الأسعار في المستقبل ومن ثم سترتفع أسعار هذه العقود. والأعضاء في السوق المستقبلي وهم المضاربون Brokers يلزمون بفتح حساب في بيت التسوية الخاص بالسوق المالي Clearing House، والذي يقوم بعملية تسوية حساب العميل بشكل يومي بتسجيل أي أرباح يتحصل عليها وتحميله بأي خسائر يتحملها من جراء العقود التي يملكها. كما أن مصدر العقد المستقبلي وهو زبون للمضارب يلزم بدفع نسبة بسيطة لا تتجاوز في العادة 10 في المائة من قيمة العقد لدى حسابه مع المضارب.
بقي أن نتساءل عن أهمية السوق المستقبلي والمضاربين فيه وما يمثله بالنسبة للاقتصاد؟ وهل السوق المستقبلي سوق مقامر مثله في ذلك مثل صالات القمار؟ الواقع أن السوق المستقبلي إحدى الوسائل المهمة لتحويل المخاطر من الأشخاص غير الراغبين في تحملها إلى أشخاص لديهم الاستعداد والقدرة على تحمل المخاطر. وهو بذلك يوفر وسيلة يمكن للمنتج للسلع أو المستهلك لها من أن يتحوط لأي تغيرات قد تؤثر في الأسعار بشكل يؤدي إلى تحمله خسائر كبيرة. وبيع السلم في الفقه الإسلامي ما هو إلا عقد مستقبلي مشابه إلى حد كبير للعقود المستقبلية المتداولة الآن. أضف إلى ذلك أننا نمارس عملية التعاقد المستقبلي بشكل يومي من خلال عقود الاشتراك مع شركة الكهرباء والماء والهاتف، حيث يكون هناك اتفاق مسبق على سعر خدمات ستقدم في المستقبل. لذلك تعد العقود المستقبلية جزءا أساسيا من تركيبة الاقتصاد، وما الشكل الذي تأخذه اليوم إلا تطور نوعي من حيث عملية توحيد صفات وخصائص العقود ليسهل تداولها بين الناس في مكان واحد. هذا من حيث أهمية السوق المستقبلي، أما من حيث المضاربين فيه فهم الأداة التي توفر السيولة للسوق، حيث لا يتكبد مصدر العقد العناء والوقت في البحث عن مشتر لعقده، ما قد يؤدي به إلى تكبد خسائر كبير. وفيما يتعلق بالتعامل في السوق المستقبلي والفرق بينه وبين المقامرة فهو من حيث المخاطرة التي يتم على أساسها التداول. ففي أسواق المستقبليات هناك خطر موجود يحاول المضاربون تحييده، بينما في أسواق المقامرة هناك عملية اختلاق للمخاطرة من خلال المقامرين أنفسهم، مما لا يؤدي إلى أي فائدة مرجوة على الاقتصاد. بمعنى آخر أن المتعاملين في السوق المستقبلي يحاولون تحييد مخاطر موجودة في الواقع مثل مخاطر تناقص المعروض من سلعة زراعية معينة بسبب توقعات عن الأجواء في مكان معين، بينما يتنافس المقامرون على مخاطر يقومون هم باختلاقها مما لا يؤدي إلى أي قيمة مضافة إلى الاقتصاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي