البحرين والأسمنت السعودي

[email protected]

في خطوة فعالة تستهدف الحد من ارتفاع مستويات التضخم المتسارعة في المملكة وتعتمد على إحدى أدوات السياسة الاقتصادية المتمثلة بالقرارات التنظيمية والإلزامية، بدأ تطبيق قرار إيقاف تصدير الأسمنت السعودي إلى الخارج بما فيها دول الخليج فعلياً في الأسبوع الأول من حزيران (يونيو) الماضي 2008. هذا القرار والإصرار على تنفيذه يصب بلا شك في مصلحة المستهلك السعودي من خلال الحد أو تخفيض الارتفاعات المتعاقبة في مكونات معدل التضخم المشتملة على مكون التشييد والبناء بجانب التأثيرات المتتابعة التي قد تنال مكونات أخرى كالمساكن والإيجارات جراء تمرير تكاليف الإنشاء إلى المستأجر والمشتري النهائي للأصول العقارية.
قرار إيقاف تصدير الأسمنت السعودي للخارج بهدف محاربة التضخم المتنامي يدل على سعي صناع القرار الاقتصادي لرفع مستويات العرض من الأسمنت لتقليل الارتفاع في أسعاره خصوصاً مع تنامي الطلب على هذه المادة الأساسية للبناء والتعمير. ويأتي هذا القرار الصائب بعد ستة أشهر من إعلان وزارة التجارة في السادس من كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي كما ورد في (الاقتصادية) بأن ارتفاع أسعار الأسمنت هو نتيجة "تواطؤ بين شركات الأسمنت التي عمدت إلى خلق الأزمة وصنعتها لتستفيد منها".
إلا أن تهمة التواطؤ تراجعت بعد أربعة أشهر من الإعلان، وبالتحديد في الأسبوع الأول من نيسان (أبريل) الماضي حين أعلنت وزارة التجارة عن تشكيل "لجنة للسيطرة على سوق الأسمنت المحلية وضمان استقرارها من خلال وضع ضوابط جديدة تستهدف استقرار الأسعار بشكل أكبر في هذه الفترة، والمساهمة في تعزيز المعروض في السوق المحلية". وكحال القطاع الخاص الهادف للربح في أي مكان، كان رد فعل شركات الأسمنت نتيجة لقرار وزارة التجارة بتشكيل لجنة لدراسة أسباب ارتفاع أسعار الأسمنت أن تعهد بارونات الأسمنت في الأسبوع نفسه بتلبية الطلب المحلي والحفاظ على استقرار الأسعار من خلال الوفاء بالطلب المحلي أولاً قبل الالتفات للطلبات الخارجية. على الرغم من هذا التعهد الجميل، إلا أن أسعار الأسمنت في السوق السعودية استمرت في الارتفاع بنحو 50 في المائة في شهر أيار (مايو) الماضي وإلى حين التطبيق القوي لإيقاف تصدير الأسمنت للخارج بعده بنحو شهرين.
بناء على ذلك، فالمشكلة هي اقتصادية بحتة تتمثل في ارتفاع في مستويات الطلب لم يقابلها نمو في مستويات العرض في السوق الخليجية ككل أخذاً في الحسبان بأن عرض الأسمنت يستهدف السوق المحلية والخارجية أيضاً وعلى الخصوص دول الخليج التي تشهد طفرة اقتصادية وعقارية متشابهة في صفاتها وخصائصها مع الطفرة التي نعيشها، إلا أن معروض الأسمنت المنتج سعودياً يتفوق كمياً على دول الخليج الأخرى بينما يعجز المعروض في دول الخليج المجاورة عن الإيفاء بطلبها المحلي.
وعلى ذلك، فكما أوردت "الاقتصادية" بتاريخ 6/7/2008 فإن البحرين تم استثناؤها من قرار حظر التصدير وتحديد حصتها من التصدير لنحو 25 ألف طن مقارنة بنحو 40 ألف طن يستورد أسبوعياً من الأسمنت السعودي قبل قرار المنع. إذن، فقد حصلت البحرين مقارنة بالدول الأخرى على معاملة تفضيلية اقتصادية تستحقها، خصوصاً وأن مصانع إعادة تعبئة الأسمنت البحرينية قد توقفت عن العمل قبل ذلك بتاريخ 3/7/2008 كما ذكر ذلك رئيس مجموعة "شركات عبد الله ناس" نظراً لتراجع تصدير الأسمنت السعودي للبحرين.
وختاماً، إن استهلاك المملكة السنوي من الأسمنت 31 مليون طن في 2007 وسيصل إلى 46.3 مليون طن بنهاية العام الحالي وإلى 49 مليون طن بنهاية عام 2009 بحسب توقعات "بي إم جي"، فالسؤال الأول هل تستطيع شركات الأسمنت العاملة في السوق السعودي حالياً الوفاء بهذا الطلب المتنامي؟ والسؤال الثاني، هل بإمكان إجمالي عرض الأسمنت الوفاء بالطلب الكلي المتنامي على مواد البناء من دول الخليج الأخرى التي ستكون شركاء في الاتحاد النقدي المرتقب؟ وأخيراً، هل تحديد المعروض والإلزام بعدم التصدير يتفق مع جوهر السوق الخليجية المشتركة؟ هذي هي الأسئلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي