رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ماذا بعد الموافقة على أنظمة التمويل العقاري؟

[email protected]

يظن أبو سعود أن شراء مسكن ملائم له ولأسرته بضمان دخله الشهري والمسكن الذي سيختاره أصبح متاحا بعد موافقة مجلس الشورى على أنظمة التمويل العقاري، خصوصا أن شركات التمويل العقاري والبنوك التي تقدم القروض الإسكانية متوافرة ولله الحمد وإعلاناتها تملأ الوسائل الإعلامية، بل إن أبو سعود يظن أن هذه الفرصة متاحة لكل من يريد شراء مسكن ملائم له بمجرد أن يحول قيمة الإيجارات التي يدفعها إلى غير رجعة إلى أقساط شهرية تتراكم بمرور الزمن لتسدد قيمة المنزل وتكاليف التمويل.
وأقول لأبو سعود ولمن يفترض هذا الافتراض أن المسألة ليست بهذه السهولة، حيث لا تمثل مرحلة موافقة مجلس الشورى على أنظمة التمويل العقاري سوى خطوة في الطريق الصحيح ـ بإذن الله ـ حتى نصل إلى مرحلة توافر المساكن عالية الجودة والمعروضة بكميات كبيرة ومتنوعة والمطورة من قبل شركات تطوير تطبق أفضل برامج إدارة المشاريع، كما نصل أيضا وبالمدة نفسها لتوافر شركات التمويل العقارية المتخصصة القادرة على تمويل أعداد كبيرة من الراغبين في شراء تلك المساكن والقادرة أيضا على إعادة تمويل ذاتها من خلال إصدار وطرح الصكوك (السندات المهيكلة وفق أحكام الشريعة الإسلامية) في أسواق المال المحلية والعالمية ومن ثم تداولها في أسواق الصكوك الثانوية والتي بدأت تتنامى في بعض الدول الإسلامية مثل دبي وماليزيا ونرجو أن تستحدث وتنمو في بلادنا.
لا أريد أن أثبط ولا أريد أيضا أن أعد بما يفوق الواقع، فمسألة تملك المسكن تحتاج إلى آليات تمكن المواطن من تملكه في الوقت المناسب من العمر، ولا شك أن الآليات التي تطرحها الحكومة (أرض منحة، قرض من صندوق التنمية العقارية) أصبحت آليات عاجزة عن توفير المساكن للمواطنين في مقتبل العمر بل حتى في أرذله، حيث تشير إحدى الدراسات التي أجريت في منطقة مكة إلى أن أكثر من 40 في المائة من المتقاعدين في تلك المنطقة لا يملكون مساكن لهم، وبالتالي علينا أن نوجد آليات جديدة قادرة على الوفاء بالطلب المتزايد على المساكن من ناحية وقادرة على تمكين المواطن من شراء المناسب منها من ناحية أخرى، ولا شك أن تعزيز قوى السوق الإسكانية (مطورون، ممولون، إدارة أملاك، شركات تقييم، سوق مالية أولية وثانوية، مشترين، شركات مقاولات، شركات استشارات وإشراف هندسي .. إلخ) بما يمكنها من التفاعل إيجابا سيمكنها من التوسع في الإنتاج والتوسع في التمويل والتوسع في التملك والتداول وتدوير الأموال بين القطاعات الاقتصادية.
قوى السوق الإسكانية سابقا وحاليا تعاني من ضعف شديد أدى بالمحصلة إلى ضعف القدرة الإنتاجية والتمويلية، وهو ضعف أفضى إلى ما أفضى إليه من انخفاض مستمر في نسب تملك المساكن حتى بتنا نعيش أزمة إسكانية شكلت عنصرا رئيسا في أسباب التضخم الذي يعاني منه المواطن السعودي، حيث بدأت الإيجارات تأكل أكثر من 30 في المائة من دخول المواطنين خصوصا من الطبقة المتوسطة وما دونها.
العاملون في السوق العقارية عموما والسوق الإسكانية خصوصا وصناع الفكر والرأي والمتخصصون والمهتمون من المؤسسات الحكومية وغير الربحية قاموا جميعا بتحليل المشكلة الإسكانية وتشخيصها وتحديد أسبابها بكل دقة وطرحوا حلولا متعددة من خلال الوسائل الإعلامية ومن خلال الأنشطة الفكرية من منتديات ومؤتمرات وورش عمل ومحاضرات ومن خلال التواصل المستمر مع الجهات الحكومية صانعة ومتخذة القرار، إضافة إلى التواصل مع المؤسسات المالية العالمية للإطلاع على أفضل التجارب العالمية الناجحة خصوصا تلك المشابهة لظروفنا للاسترشاد بها في إيجاد حلول ناجعة للمشكلة الإسكانية.
ولله الحمد والمنة كان التفاعل أكثر من رائع، حيث تم التوصل وفي فترة قياسية لا تتجاوز السنوات الثلاث إلى إصدار أنظمة التمويل العقاري بما فيها نظام الرهن العقاري فضلا عن التوصل إلى مجموعة من القرارات التي تشكل أرضية صلبة لتطبيق تلك الأنظمة مثل نظام التقييم ونظام التسجيل العيني على سبيل المثال لا الحصر، ولا شك أن الإرادة السياسية والإرادة الشعبية كانت حاضرة بقوة وكانت وراء صدور هذه الأنظمة المعالجة لنقص منظومة التشريعات في القطاع العقاري والتي كانت تشكل عائقا كبيرا أمام المستثمرين مما جعلهم في حالة عزوف عن الاستثمار في تطوير المنتجات العقارية وخصوصا الإسكانية لعدم جدواها من ناحية ولكثرة العقبات والمشاكل من ناحية أخرى حيث على سبيل المثال يستدعي الحصول على ترخيص تطوير حي سكني نحو السنتين من الجهد المتواصل مع الجهات الحكومية المرخصة والمراقبة.
وأعتقد أن المهمة الهامة والحيوية الآن والتي يجب أن تتعاضد في سبيل إنجازها الأجهزة الحكومية والشركات العقارية القليلة المطورة، والشركات القليلة الممولة، واللجان العقارية، والوسائل الإعلامية تتمثل في الإسراع في تطبيق أنظمة التمويل العقاري بشكل سليم مع مراعاة ضرورة دعم شركات التطوير العقاري لتحفيز المزيد منها للاستثمار في تطوير المنتجات الإسكانية بكميات كبيرة ومتنوعة في أحياء متكاملة لتلبية الطلب المتزايد من أجل توفير المساكن وتهدئة الأسعار وتمكين المواطن من تحويل الإيجارات إلى أقساط شهرية تتراكم بمرور الزمن حتى تصبح رأسمالا هو عبارة عن مسكن مملوك بالكامل يحقق لصاحبه الاستقرار النفسي والاجتماعي.

- كاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي