رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل باتت الطبقة الوسطى فقيرة؟

رسمت ريشة فنان الكاريكاتير المبدع في هذه الجريدة الأستاذ فهد الخميسي يوم السبت الماضي كاريكاتيرا معبرا صور فيه حال طبقات المجتمع الثلاث الغنية والوسطى والفقيرة، فبينما انتصبت الطبقة الغنية في أعلى السلم بثبات، وقفت الطبقة الوسطى بما يشبه الترنح على الدرجة الثانية، أما الطبقية الفقيرة فقد خسف بها ولم يظهر منها إلا يد ممدودة تذكرنا بيد الغريق الذي يسأل النجاة، وبقدر ما جاء هذا الرسم الكاريكاتوري معبرا ومختزلا لقضية واسعة كعادة هذا الفن المتميز بكونه إحدى أهم أدوات التعبير عن الرأي بخصوصية السهل الممتنع والممتع في آن واحد، بقدر ما أظن أن الأستاذ الخميسي لم يوفق في تصوير حال الطبقة الوسطى في هذا السياق بالتحديد، فالواقع اليوم يقول إن هنالك تقاربا ما بين الطبقتين الوسطى والفقيرة، وكلتاهما على مسافة بعيدة عن الطبقة الغنية، وإذا كان قد أسقط الرسم ما يمثل الطبقة الفقيرة للقاع ولم يبق منه إلا يد ممدودة تطلب النجدة، فقد كان الأحرى أيضا أن يسقط جزءا من الطبقة الوسطى تعبيرا عن معاناتها هي الأخرى.
في خضم صراعنا مع الغلاء، أستطيع الزعم أن الطبقة الغنية كانت الأقل إن لم يكن المنعدمة التأثر سلبا منه، فهذه الطبقة إما أنها من فئة التجار وإما من فئة الملاك، وكلتاهما عوضتا الغلاء بأن رفع التجار أسعار بضائعهم مع احتفاظهم بهامش الربح نفسه، والملاك لم يقصروا وسارعوا برفع إيجارات عقاراتهم إلى الضعف وهو ما عوضهم أيضا، بينما الذي دفع الثمن الباهظ هنا هما الطبقتان الوسطى والفقيرة، ومع تعاطفنا الشديد مع الطبقة الفقيرة وشعورنا أن لها الأولوية بمد يد العون والمساعدة ليس بالمنح والهبات ولكن بتشغيل طاقاتها الإنتاجية حسب المثل الصيني الذي يقول: "بدل أن تطعم الفقيرة سمكة، أعطه صنارة ليصيد كل يوم سمكة"، إلا أن معاناة الطبقة الوسطى أظن أنها الأشد دراماتيكية، فإذا كانت الطبقة الغنية حماها رأسمالها والطبقة الفقيرة هي تعاني أصلا العوز، تبقى الطبقة الوسطى هي الأكثر دفعا لثمن غلاء المعيشة وذلك لعدة أسباب جوهرية، أولها أنها تتكون من الموظفين المدنيين في القطاعين الحكومي والخاص وكذلك العسكريين ومعهم المتقاعدون الذين يمثلون الشريحة الأكبر والأوسع اجتماعيا، وثانيها، كون أفرادها ممن يدخلون ضمن نطاق ذوي الدخل المحدود والذين كان دخلهم قبل موجة الغلاء يحقق لهم مستوى معيشيا معينا، أما بعده فلم يعودوا قادرين على توفير نصف ذلك المستوى المعيشي، وثالثها، إن تلبية احتياجاتها ومتطلباتها الأسرية والاجتماعية تقلصت في ظل ثبات الدخل وارتفاع تكلفة المعيشة بما جعل معظمها يقترب من حال الطبقة الفقيرة فعلا، وآخرها أن وضعها الأسري والاجتماعي يفرض عليها التزامات ومتطلبات تعجز حاليا عن الوفاء بها مما سبب لها حرجا ومعاناة.
هذا كله يعكس أن حال طبقاتنا الاجتماعية الثلاث متفاوتة، فالطبقة الغنية مكتفية مع الغلاء وبدونه، والطبقة الفقيرة توجه لها سبل الدعم الحكومي والخيري، وتبقى الطبقة الوسطى معلقة في الهواء تضرس نتائج الغلاء وتعاني منه أشد المعاناة، وهو ما أشرت إليه في مقال سابق بعنوان "الطبقة الوسطى المنسية"، وهي فعلا كذلك، فهي أكثر الطبقات الاجتماعية الثلاث معاناة من الغلاء وارتفاع مستوى المعيشة مع ثبات دخلها على ما هو عليه، وحسنا فعل بنك التسليف والادخار حين أدرج أخيرا قروضا لأسر هذه الطبقة، ومنها قروض لمواجهة غلاء المعيشة، إلا أنها مساعدة مؤقتة وناضبة، وأظن أن هذه الطبقة التي تتضمن شريحة كبيرة من المتعلمين والعاملين في القطاع الحكومي على وجه التحديد في حاجة إلى أكثر من قروض، فهم في حاجة لرفع مستوى دخلها بما يتوافق مع غلاء المعيشة ومع متطلباتها المعيشية والحياتية التي يصعب عليها التنازل عنها دون أن تترك سلبيات كبيرة عليها، أقلها انخفاض مستوى أدائها لعدم وجود الحوافز ولاضطرارها للبحث عن مصدر دخل آخر يرفدها ويمكنها من تجاوز محنتها المعيشية الصعبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي