الطلب الصيني على النفط مرشح للتراجع هذا العام مع تقلص النمو الاقتصادي إلى 9%

الطلب الصيني على النفط مرشح للتراجع هذا العام مع تقلص النمو الاقتصادي إلى 9%

مع تتالي التوقعات بخصوص وضع الطلب على النفط خلال العام الحالي واتجاهه إلى أسفل في الغالب، وآخرها التقرير الدوري للوكالة الدولية للطاقة لهذا الشهر، إلا أن الجديد الالتفات إلى وضع الطلب الصيني على النفط ومدى تأثره سواء بالنشاط الاقتصادي العالمي العام أو بما يجري داخل الصين نفسها من عوامل محلية تلقي بظلالها على الطلب بصورة أو بأخرى.
وأخيرا، فاجأت شركة ليمان برازرز الاستشارية الأمريكية، الأسواق بنشرها تقريرا تتوقع فيه تراجع الطلب الصيني على النفط وذلك من خلال تعديلها لتقديراتها لنسبة النمو لهذا العام التي وضعتها في حدود 4.5 في المائة، مما يعني 340 ألف برميل يوميا إضافية، وهو ما يعني تراجعا من النسبة السابقة التي وضعتها الشركة ذاتها للنمو وهي 5.3 في المائة كانت تعني إضافة 400 ألف برميل يوميا للطلب الصيني على النفط.
وفصلت الشركة القول إنها قامت بتقليص توقعاتها للربع الأول من هذا العام بنحو 275 ألف برميل يوميا، ويعود ذلك بصورة رئيسية إلى الطقس السيئ الذي عانته البلاد خلال الفترة السابقة وكان التأثير واضحا في قطاع النقل، الذي تراجعت حركته بنسبة 10 في المائة، كما أن حركة النقل في الطرقات تحديدا والمناطق التي تخدمها السكك الحديدية شهدت تراجعا منذ بداية العام بنحو 20 في المائة.
فالصين شهدت موسم شتاء تميز بالعواصف والأمطار الثلجية وانهمار الأمطار بصورة لم تشهدها البلاد منذ نصف قرن من الزمان، الأمر الذي وضع على المحك استعدادات الأجهزة الحكومية للتعامل مع هذا الوضع الذي تزامن مع بدء السنة القمرية الجديدة، وهي مناسبة للاحتفالات ومن ثم فهي تشهد تحركا للانتقال من مكان إلى آخر تشمل الملايين. وكانت مناطق وسط وجنوب وشرق الصين الأكثر تأثرا بهذا الوضع الطارئ، الأمر الذي دفع كبار مسؤولي الدولة إلى تقديم اعتذارات للمواطنين، وهي خطوة ليست مألوفة، ومن ثم التحرك واللجوء إلى القوات المسلحة وتلك النظامية الأخرى وكذلك العمال لفتح الطرقات وتحسين ظروف انسياب الحركة أمام نحو 67 مليون شخص يعتقد أنهم تأثروا بهذا الوضع منهم قرابة المليون شخص تم إجلاؤهم من المناطق التي كانوا يعيشون فيها في نحو 14 محافظة مختلفة إلى مناطق أكثر أمانا.
ومع أن الطقس يشهد تقلبات عديدة في الصين من جاف وربما بعض الدفء وسماء صافية، إلا أن فصل الشتاء يظل عرضة لانقطاع الهواء المشبع القادم من الجنوب الشرقي مع ذلك البارد الذي يهب من الشمال، مما يؤدي إلى انخفاض في درجات الحرارة ويؤثر بصورة مباشرة في 19 محافظة خاصة في منطقة حوض نهر يانجتسي، وكان التأثير هذا العام في غير العادة، إذ لم يشهد مثل هذا الوضع منذ عام 1949.
وبنهاية الشهر الماضي وصلت نسبة الطاقة الكهربائية المولدة التي أصبحت خارج نطاق العمل إلى 7 في المائة، كما تأثر إنتاج الألمنيوم وتقلص بنسبة 12 في المائة، ومعروف أن الصين تنتج قرابة ثلث الإنتاج العالمي من الألمنيوم.
ويقدر بصورة عامة أن حجم الخسائر بالحساب الاقتصادي بلغ نحو 7.5 مليار دولار في فترة ثلاثة أسابيع فقط، ولعب انقطاع التيار الكهربائي دورا رئيسيا في هذا. وعليه فإن معدل النمو الاقتصادي الذي بلغ العام الماضي 11.4 في المائة وكان يتوقع له أن يصل هذا العام 10 في المائة يبدو مرشحا أن يتراجع بدرجة مئوية واحدة إلى 9 في المائة بعد هذه التطورات.
من ناحية أخرى، فإن الصين تعتبر من أكبر مستهلكي الفحم في العالم، والفحم يحتاج بالطبع إلى نقله من مناطق الإنتاج إلى حيث يتم استهلاكه، لكن بسبب ظروف الطقس، فإن السكك الحديدة وهي الناقل الرئيس للفحم شهدت تعطيلا في أحيان كثيرة، أسهم في إضعاف النشاط الاقتصادي. فالفحم يمثل نحو ثلثي أو 69 في المائة من استخدامات الطاقة في الصين، وهي النسبة الأكبر عالميا خاصة أنه يعتقد أن لديها 126.2 مليار طن يمكن استغلالها، وهذا الاحتياطي يأتي في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة وروسيا، كما أن استهلاكها من الفحم يأتي في المرتبة الثالثة عالميا. وتوجد أكبر كمية من الاحتياطيات في مقاطعة شانكسي في الشمال. وبسبب النمو الكبير في استهلاك الكهرباء، الذي سجل تصاعدا في التوليد والاستهلاك بنحو 60 في المائة خلال السنوات الخمس الماضية.
وتأتي هذه التطورات الصينية في الوقت الذي تشهد فيه السوق تراجعا عاما. فمن جانبها، قامت الوكالة الدولية للطاقة بخفض تقديراتها للطلب على النفط هذا العام، إذ توقعت تصاعد تأثير التباطؤ الاقتصادي في الولايات المتحدة، الذي بدأ يلقي بظلاله على بقية العالم ومن بينها الصين، التي تعد شريكا اقتصاديا رئيسيا تجد في السوق الأمريكية منفذا أساسيا لمنتجاتها. فالوكالة التي تقدم استشاراتها للأعضاء فيها وهم 27 دولة مستهلكة رئيسية للنفط في العالم، قلصت تقديراتها في الطلب بنحو 310 آلاف برميل يوميا إلى 1.67 مليون، لكن من ناحية أخرى، أشارت إلى أن معدلات الأسعار ستظل مرتفعة بصورة ما ويعود ذلك إلى سببين تراجع حجم المخزون بخاصة في الدول الأعضاء في منظمة التنمية والنمو الاقتصادي إذ شهد شهر كانون الأول (ديسمبر) لوحده تراجعا بنحو 39.5 مليون برميل، كما أن المصافي من ناحية أخرى لا تزال تستشعر ضعف العائد والهامش الربحي، الأمر الذي يدفعها إلى عدم استغلال طاقتها التكريرية القصوى، وشهد الربع الأخير من العام الماضي سحبا من المخزون بمعدل 1.15 مليون برميل يوميا، وهو معدل يزيد كثيرا مما هو سائد خل فترة السنوات العشر الماضية وهو 750 ألف برميل يوميا، الأمر الذي يضع حجم الغطاء الاستهلاكي بعدد الأيام في حدود 50.7 يوم، وهو الأقل منذ عام 2004. لكن من الناحية الأخرى فإن عمليات بناء المخزون بلغت 22.1 مليون برميل الشهر الماضي. هذا بالطبع إلى جانب العامل الجيوسياسي المتمثل في التوترات ذات الطبيعة السياسية والأمنية وآخرها المواجهة بين فنزويلا و"أكسون موبيل" التي تضع أرضية يمكن أن تستند عليها أسعار النفط رغم تراجع الطلب.
لكن بما أن الصين ثاني أكبر مستهلك وثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، فإن ما يجري فيها تكون له انعكاساته على السوق النفطية العالمية خاصة وحقولها المنتجة وصلت إلى مرحلة النضوج، ولهذا فهي تتجه إلى مناطق جديدة ونائية في الداخل وإلى الغرب كما تحظى المناطق المغمورة ذات الاحتياطيات النفطية الواعدة باهتمام فائق.
فالإنتاج المحلي من النفط يبلغ في المتوسط نحو 3.8 مليون برميل يوميا، بينما يراوح الاستهلاك في حدود 7.6 مليون. أما الاحتياطي المؤكد ففي حدود 18 مليار برميل وطاقتها التكريرية 6.2 مليون برميل يوميا. الإنتاج يتركز على اليابسة وأكبرها في حقل داكينق الذي ينتج أكثر من 900 ألف برميل يوميا وتشرف عليه شركة النفط الوطنية الصينية من ضمن أربعة حقول رئيسية، بدأت كلها تظهر علامات على الشيخوخة تسعى الشركة إلى تجاوز هذا الوضع باستخدام تقنيات جديدة.

الأكثر قراءة