الدول المصدرة للعمالة الأجنبية في الخليج تحرك عمالتها لضمان مصالحها الدائمة
جاءت تصريحات وزير العمل السعودي غازي القصيبي, بتأييده وضع سقف زمني لإقامة العمال الأجانب في دول مجلس التعاون الخليجي, لتتزامن مع إضراب كبير عن العمل يقوم به نحو 1300 عامل هندي في إحدى كبرى شركات المقاولات البحرينية مطالبين برفع أجورهم، بينما تحاول وزارة العمل إقناعهم بالعدول عن إضرابهم. وقبل ذلك شهدت دبي العديد من إضرابات العمالة الأجنبية المطالبة بتعديل أوضاعها، وقبلها حذر وزير العمل البحريني مجيد العلي من تسونامي جديد يهدد دول المجلس متمثل في طوفان العمالة الأجنبية التي قدر عددها بنحو 15 مليون عامل.
وعزا مراقبون إضراب العمال الهنود في البحرين إلى تصريحات السفير الهندي في البحرين بشأن ضرورة رفع الحد الأدنى لأجور العمالة الهندية إلى 100 دينار (265 دولارا). ورد السفير الهندي في المنامة بالكريشنا شتي أن التصريحات المنسوبة له معلنة منذ عام كامل، وهي سياسة رسمية للحكومة الهندية. وأضاف السفير أن غلاء الأسعار الذي يعم المنطقة والعالم وتأثر قيمة العملة، سبب رئيسي يدفع العمال للمطالبة برفع أجورهم.
ووسط هذه التصريحات والتصريحات المضادة، يتفق معظم المراقبين أن دول الخليج العربية ما زالت غير مهتمة بالقضية السكانية ومستمرة في طلب العمالة الآسيوية، بل تعدى ذلك إلى القيام بحملات ترويجية وتشجيعية على البقاء والاستقرار للمقيمين والاستقطاب للعوائل للإقامة الدائمة وذلك من خلال عروض التملك للأراضي والمشاريع العقارية. وهذا بالطبع سيمثل عامل توتر في مستقبل المنطقة، والدليل على ذلك ما تشهده المنطقة من أنماط للتنمية ترسخ الاستقرار الدائم للعمالة الوافدة بخاصة العمالة الآسيوية، وهذا ما تشير إليه الدلائل والمؤشرات الاقتصادية التي تؤكد اتجاه الآسيويين إلى الاستثمار في القطاعات الصناعية والسياحية والعقارية وتوجيه قوانين الشركات لتلبي احتياجاتهم.
ويقول الدكتور محمد إبراهيم منصور أستاذ القوى العاملة والموارد البشرية في جامعة الإمارات: المسألة ليست كما يتصورها ويتخيلها البعض من أن العمالة الآسيوية أو غيرها عمالة مؤقتة تأتي بغرض تنفيذ مهمة محددة وتنتهي، إن القضية ليست بهذه البساطة، وإن طبقت على فئة محددة على بعض شرائح المهاجرين الجديدة فهناك شرائح كثيرة تجذرت واستقرت وتوالدت وتكاثرت وأصبح لها كيان اجتماعي يعززه حجمها ونفوذها الاقتصادي والدعم السياسي الخارجي لها من دولها أو من خلال الالتزامات الدولية لدول الخليج العربي تجاه المجتمع الدولي. لذلك من المتوقع أن يحدث تأزم كبير في العلاقات الصناعية بين العمال وأرباب العمل في دول الخليج في السنوات المقبلة لكون هذه الدول تجاهلت لمدى زمني بعيد متضمنات تلك العلاقة.
وشهد المنتدى الخليجي حول العمالة الأجنبية الذي عقد في دبي الشهر الماضي جدلا محتدما حول تعريف العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون الخليجي، وفيما إذا كانت عمالة مؤقتة أم عمالة مهاجرة، حيث توصل وزراء العمل الخليجيون بوصف بلدانهم من البلدان المستقبلة للعمالة الأجنبية ونظرائهم من 15 بلدا آسيويا تعد من البلدان المصدرة للعمالة الأجنبية إلى مبادرة تعاون تنطوي على أربع شراكات وتتمثل في تعزيز المعرفة في مجالات اتجاهات سوق العمل والمهارات المطلوبة والمتوافرة للعمال المتعاقدين المؤقتين وسياسات التحويلات وتدفقاتها وتفاعل هذه المجالات مع عملية التنمية في المنطقة، حيث حددت الشراكة الثانية بناء القدرات من أجل التوفيق بشكل فعال بين العرض والطلب على العمالة، والثالثة تتمثل في التعاون في مجال حماية العمال المتعاقدين المؤقتين من الممارسات غير المشروعة في مجال التوظيف وتعزيز الرفاهية وتدابير الحماية للعمال المتعاقدين المؤقتين والتي تدعم رفاهيتهم وتحول دون استغلالهم في دول الإرسال ودول الاستقبال على حد سواء. أما الشراكة الرابعة فتقوم على تطوير إطار مرجعي للتعاون الدولي فيما يتعلق بالعمالة الوافدة المؤقتة مع الأخذ بعين الاعتبار متطلبات المراحل المتتالية لدورة العمل التعاقدي المؤقت وتأكيد مصالح الدول المستقبلة والمرسلة على حد سواء.
ويشرح خبراء حضروا اجتماعات المنتدى أن معايير العمل الدولية الجديدة تتضمن مساواة العمالة الوطنية والأجنبية في البلدان النامية في كافة الحقوق، كما تتضمن الطلب من هذه البلدان إصدار إعلان يقرر احترام الدول الأعضاء في المنظمة للحقوق الأساسية للإنسان المتمثلة في الحرية النقابية والمفاوضات الجماعية وحظر العمل الجبري وعدم التمييز والحد الأدنى للسن، وكذلك قيام المنظمة بإجراء تقييم شامل لواقع الجهود التي تبذلها كل دولة عضو لترجمة التحسينات الاقتصادية الناتجة عن تحرير المبادلات إلى واقع اجتماعي أفضل، والأهم من ذلك إصدار علامة اجتماعية عالمية تمنح للبلدان التي تلتزم بمجموعة هذه المبادئ والحقوق الأساسية والتي تقبل إخضاع ممارساتها لعمليات تفتيش دولية بحيث يكون من حق كل دولة من هذه الدول منح المنتجات المصنوعة على أرضها حق الانتفاع من العلامة الاجتماعية العالمية المقترحة شريطة أن تقبل هذه الدول الالتزامات الناشئة عن ذلك وأن تخضع لشروط التحقق في الموقع.
ويضيف هؤلاء أن التأثيرات السلبية لمعايير العمل الدولية الجديدة تتعدى القوى العاملة لتصيب قطاعات حساسة في المجتمع كالتعليم والتدريب والتأمينات الاجتماعية والسكان والخدمات الاجتماعية، وبالتالي فإن آثارها تنعكس على تشغيل الشباب حملة المؤهلات، والمرأة أيضا ستدفع ثمنا أعلى من أجل تقلص فرص تشغيلها بل وإعادة النظر في دورها الذي تنامى في العقود الأخيرة.
غير أن الأهم من ذلك كله – كما يتفق الكثير من الخبراء الاقتصاديين الخليجيين – أن إثارة موضوع العمالة الوافدة يأتي في وقت تتفاقم فيه مشكلة البطالة الهيكلية في دول التعاون حيث إن معظم الوظائف المعروضة غير موجهة للعمالة الوطنية بقدر ما هي موجهة للعمالة الأجنبية بسبب خلل هيكلية الأنشطة الاقتصادية. كذلك الحاجة إلى إيجاد الوظائف لمئات الآلاف من الشباب الداخلين إلى أسواق العمل في دول مجلس التعاون سنويا، حيث يحذر هؤلاء من الآثار السلبية المتعاظمة لهذه المشكلة حيث تراوح نسبة البطالة بين المواطنين بدول التعاون ما بين 7 و15 في المائة بينما نسبة العمالة الأجنبية في بعض دول الخليج ما بين 60 إلى 80 في المائة من إجمالي قوة العمل.
علاوة على ذلك، يلاحظ التزايد الحاد في حجم التحويلات المالية للعمالة الأجنبية التي تخرج من دول المجلس سنويا حيث قفزت خلال الأعوام 2002 - 2006 من 22 مليار دولار إلى أكثر من 50 مليار دولار وفقا لتقديرات مختلفة. إلا أن هذا الرقم سيرتفع بشكل أكبر إذا ما أخذ بالاعتبار التحويلات التي تتم مباشرة دون أن تمر بأي من القنوات الرسمية، مما يشكل استنزافا دائما لموارد التنمية بدول المجلس.
ويعدد الدكتور منصور تحديات الهجرة في الاستيعاب أولا، وهو قدرة دول الخليج العربية على التعامل مع التنوع الثقافي للسكان المهاجرين ومحاولة دمجهم في الثقافة الأم، ومدى استعداد السكان المحليين لقبول المهاجرين جزءا منهم رغم اختلاف أعراقهم وخلفياتهم. وثانيا الالتزامات الدولية، حيث إن دول الخليج العربي هي جزء من المنظومة الدولية وملتزمة باتفاقيات حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة والاتفاقيات والتوصيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية بشأن الهجرة والمساواة ومناهضة التمييز. وثالثا المحاصصة، حيث يتوجب اتباع نظام المحاصصة الذي يتيح توازنا ديموغرافيا لجميع الجنسيات. ورابعا التشغيل، حيث إن دول الخليج العربية شأنها شأن بقية دول العالم في النمو الاقتصادي، فقد تتعرض لأزمات اقتصادية تؤدي إلى تسريح إجباري للعاملين الآسيويين، فلا تتمكن ساعتها من المحافظة على وظائفهم. وبهذا تكون دول الخليج العربية عرضة لبطالة مفاجئة بأعداد كبيرة ولن يكون لديها نظام تأمين ضد البطالة يمكنها مرحليا من معالجة اللا توازن بين المعروض من قوة العمل والطلب عليها. ورابع تلك التحديات التكتل العمالي، حيث بدأ الحديث عن إنشاء نقابات واتحادات عمالية في دول الخليج العربي يتزايد يوما بعد يوم، وهذا أمر طبيعي أن يحدث باعتباره إفرازا تلقائيا لتعارض المصالح في سوق العمل بين أصحاب الأعمال والعمال والمصالح بينهما متداخلة ومتعارضة. وأخيرا الزيادة الطبيعية للسكان الآسيويين، حيث يتزايد السكان الآسيويون مع عوائلهم بعاملين عامل الزيادة الطبيعية وهي فرق المواليد والوفيات وعامل صافي الهجرة وهي فرق الداخلين إلى الدولة من بلدهم الأصلي والمغادرين من الدولة إلى الخارج.
ولمواجهة هذه التحديات كافة طالب الدكتور منصور بالتعجيل بتطبيق جميع بنود السوق الخليجية المشتركة، وإعادة صياغة سياسات التوظيف بما يضمن تشغيلا كاملا لقوة العمل المواطنة، كذلك إعادة هيكلة مؤسسات وبرامج التعليم والتدريب في دول الخليج العربية، كذلك إعادة صياغة سياسات الهجرة البينية في دول الخليج العربية وبينها وبين الدول العربية، وإعادة صياغة سياسات الهجرة الخارجية بين دول الخليج العربية والدول الآسيوية في ضوء الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بحيث يتم من خلالها استقطاب عمالة دون أن تلزم دول المنطقة بحقوق المواطنة للأجانب ووضع سياسات اقتصادية تركز على القطاعات الإنتاجية وتحقق تنمية مستدامة دون الإخلال بمقتضيات الأمن الوطني لكل دولة من دول الخليج العربي وإجراء دراسات سكانية وقوى عاملة عامة ومتخصصة يتم من خلالها تقييم الحالة الراهنة للمواطنين وغير المواطنين واقتراح الحلول الناجحة لمعالجة الخلل في التركيبة السكانية وسوق العمل.