سوق المال ودولة الأغنياء
تدور في صفحات الجرائد وفي المجالس والديوانيات ما يحدث في سوقنا المالي الذي نعتز جميعاً بإنجازاته وحجم البناء المتين والدور الثمين للإدارتين السابقة واللاحقة فبالرغم من إنشاء السوق قبل عدة سنوات وكان قابعاً وتابعاً لمؤسسة النقد، وتطور السوق تحت إدارة المؤسسة بدأ بتكليف البنوك بإدارة عملية الشراء والبيع ولم تكن المعلومات متوافرة، كما هو الآن وعلى المستثمر تعبئة نموذج بيع وشراء وتحديد القيمة وصلاحية الأمر وكان الحصول على المعلومة عن السعر للسهم يأخذ وقتاً طويلاً، كما أن تنفيذ الأوامر والخصم من الحساب يأخذ بعض الوقت ـ وكانت نشرة أسعار الأسهم في بداية الأمر وقفاً على بعض كبار القوم وكنا نتسول الحصول على قائمة الأسعار من جيوب بعض الوزراء الذين كانوا يضنون علينا بها باستثناء معالي وزير التجارة آنذاك معالي الدكتور سليمان السليم، ثم بدأت البنوك في إرسال نشرة الأسعار يومياً، وكان بنك الرياض سباقاً في نشر مؤشر الأسعار على استحياء باسم RB30 (بنك الرياض ثلاثين) في إشارة إلى مكونات المؤشر إلا أن إنشاء هيئة سوق المال وتسنم إدارتها من قبل معالي الأستاذ جماز السحيمي في مرحلة التأسيس وما سعى إليه من تعيين كوارد بشرية قادرة ومؤهلة ومدربة وكذلك الاستعانة ببيوت الخبرة الدولية التي ساعدت على أن تكون الأنظمة حديثة والبناء مؤسس، كما قام مجلس الإدارة المعين بدور كبير في سبيل استقرار هذا السوق ونشوئه وارتقائه ويكمل المسيرة معالي الدكتور عبد الرحمن التويجري وهو المختص في أمور الاقتصاد ويحمل على كتفيه تجربة ثرية في جامعة الملك سعود والبنك الدولي والمجلس الاقتصادي الأعلى، ويبدو أن الهيئة استجابت لضغوط الرأي العام لتوسيع السوق رأسياً وأفقياً مما أسهم في تراضي الهيئة في الرؤية المستقبلية للسماح لبعض الشركات ذات رأس المال المتدني في الدخول إلى هذا السوق دون أن يكون لذلك إضافة حقيقية لعمق السوق، حيث أتضح في الاكتتابات الأخيرة وبعد إدخال نظام (بناء الأوامر) إلى السوق انخفاض التخصيص للمساهم بما لا يتجاوز سهما واحدا في أكثر من ثلاث حالات ومشاركة بعض الصناديق وهم بلا شك (مساهمون) أيضا بحصة الأسد ـ كما أن تشبث المالكين السابقين بالسيطرة على مجلس الإدارة وكبريات الأمور في الشركة لا تخدم أغراض الهيئة في توسيع السوق، كما أن الواجب دراسة رؤوس أموال هذه الشركات ـ وكذلك إعادة دراسة أساليب التقييم وبناء الأوامر من قبل جهات موثقة وموثوقة مثل مكتب الأستاذ عبد العزيز الراشد أو يوسف المبارك وبمشاركة الشيخ راشد الراشد عن البنوك وآخرين بالاشتراك مع المختصين في الهيئة مع فرض الحظر على الصناديق لعدم بيع ما تحصل عليه من أسهم في الاكتتاب لفترة تصل من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر حتى يؤدي إلى استقرار الأسعار ومعرفة الوضع الحقيقي لسعر السهم إلا أن قيام الصناديق في البيع في الفترة الأولى وكذلك في اليوم الذي يسبق الإدراج عندما تكون النسبة مفتوحة يؤدي إلى إدخال الكثير من المضاربات مما يجعل المساهم الصغير ضحية لهذه الصناديق وتدفعه إلى عدم الاستثمار الطويل المدى في هذه الأسهم، ولا شك أن السماح لشركات ذات رؤوس أموال متدنية وتحت السيطرة الكاملة لإدارة معينة أو عائلية يعد أحد العيوب التي يجب على الهيئة تداركها مما يدعو الهيئة إلى التفكير في رفع النسبة المطروحة للاكتتاب إلى 50 في المائة فما فوق واشتراط 50 في المائة تمثيل في مجلس الإدارة من المساهمين بصرف النظر عن نسبة المطروح ـ وكذلك رفع رأس المال للشركات التي ترغب في طرح أسهمها في السوق ـ كما أن ما اقترحه الدكتور عبد الرحمن الحميد من أهمية التقدير المناسب لعلاوة الإصدار وفحصها وكذلك بقاء جزء من علاوة الإصدار في رأسمال الشركة أمر يدعو للدراسة والاعتبار ـ إنني أدرك أن الهيئة تتعلم جيداً من خطواتها وتستفيد من كثير من الاقتراحات البناءة والهادفة وتسارع باستمرار إلى نشر ما تعتزم إدخاله على السوق من إصلاحات على موقعها للدراسة من قبل المهتمين والمشاركة في الرأي الذي تدرسه الهيئة وتأخذ به إن كان في ذلك ما يخدم مصالحها ـ إن المتتبع لمسيرة السوق أمثالي يرى أن الأسهم أصبحت دولة بين طبقات معينة وعوائل معروفة، كما أن مكرر الأرباح لهذه الشركات وارتفاعه ومحدودية الأسهم المعروضة منه للتداول وبقاء غالبية الملكية في يد الملاك الأصليين لا يخدم في المدى الطويل الأهداف التي ترغب هيئة سوق المال في تحقيقها ـ إن استعمال الآلة الحاسبة لحساب القيمة لهذه الشركات يعد بحق أرقاما فلكية تؤكد دولة المال بين أياد وفي جيوب محدودة دون أن يصل ذلك المال إلى المستثمرين الحقيقيين وأصحاب الحاجة الملحة للاستثمار طويل المدى لتدبير أمور حياتهم المعيشية وليس أولئك الذين يرون أرصدتهم المالية تزداد وجيوبهم تنتفخ علي حساب المستثمر المحتاج الصغير . والله الموفق