د. القحطاني: مَنْ خرج عن المذهب الوسط مذموم عند العلماء الراسخين
أكد الدكتور مسفر القطاني الأستاذ في جامعة الملك فهد في الدمام أن الشريعة الإسلامية شريعة تتميز بالوسطية واليسر ولذا ينبغي للناظر في أحكام النوازل من أهل الفتيا والاجتهاد أن يكون على الوسط المعتدل بين طرف التشدد والانحلال، كما قال الإمام الشاطبي ـ رحمه الله: "المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط، فيما يليق بالجمهور فلا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال.
وقال إن الدليل على صحة هذا أن الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة؛ فإنه قد مرّ أن مقصد الشارع من المكلف الحمل على التوسط من غير إفراط ولا تفريط، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين؛ خرج عن قصد الشارع ولذلك كان مَنْ خرج عن المذهب الوسط مذموماً عند العلماء الراسخين.. فإن الخروج إلى الأطراف خارج عن العدل، ولا تقوم به مصلحة الخلق، أما طرف التشديد فإنه مهلكة وأما طرف الانحلال فكذلك أيضاً؛ لأن المستفتي إذا ذُهِبَ به مذهب العنت والحرج بُغِّض إليه الدين وأدى إلى الانقطاع عن سلوك طريق الآخرة، وهو مشاهد، وأما إذا ذُهِبَ به مذهب الانحلال كان مظنة للمشي على الهوى والشهوة، والشرع إنما جاء بالنهي عن الهوى واتباع الهوى مهلك، والأدلة كثيرة"(63)
وأبان أن بعض العلماء أجاز للمفتي أن يتشدد في الفتوى على سبيل السياسة لمن هو مقدم على المعاصي متساهل فيها، وأن يبحث عن التيسير والتسهيل على ما تقتضيه الأدلة لمن هو مشدد على نفسه أو غيره، ليكون مآل الفتوى: أن يعود المستفتي إلى الطريق الوسط (64).
ولذلك ينبغي للمفتي أن يراعي حالة المستفتي أو واقع النازلة فيسير في نظره نحو الوسط المطلوب باعتدال لا إفراط فيه نحو التشدد ولا تفريط فيه نحو التساهل وفق مقتضى الأدلة الشرعية وأصول الفتيا، وما أحسن ما قاله الإمام سفيان الثوري ـ رحمه الله: "إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التشدد فيحسنه كل أحد"(65).
والظاهر أنه يعني تتبع مقصد الشارع بالأصل الميسور المستند إلى الدليل الشرعي.
ولاشك أن هذا الاتجاه هو اتجاه أهل العلم والورع والاعتدال، وهي الصفات اللازمة لمن يتعرض للفتوى والتحدث باسم الشرع، خصوصاً في هذا العصر.
فالعلم هو العاصم من الحكم بالجهل، والورع هو العاصم من الحكم بالهوى، والاعتدال هو العاصم من الغلو والتفريط، وهذا الاتجاه هو الذي يجب أن يسود، وهو الاجتهاد الشرعي الصحيح وهو الذي يدعو إليه أئمة العلم المصلحون(66).