الأمانة العلمية
عندما تقرأ قول الله تعالى: ?إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا?، وقوله تعالى: ?إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل?.
وفي الصحيحين من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة).
ترى أن الشارع قصد إلى تعظيم أمر الأمانة والقيام بها، والأمانة وإن كانت في مفهوما الأوسع هي ما ائتمن الله عليه عباده وأخذ الميثاق فيه عليهم من توحيده وطاعة أمره واجتناب نهيه إلا أنها مقامات بعضها فوق بعض، فتارة تكون في العبادات المحضة ومراعاة مقام النيات فيها، وتارة أخرى تكون في مقام التعاملات وحقوق الخلق، ومن أخص مقاماتها مقام الأمانة العلمية، وحاصلها أن يكون الكلام في مجمل ومفصل أحكام الشريعة منفكا عن هوى النفس ونزعاتها، وهو ما أشار الشارع إليه في قوله: ?وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا?.
فمرتبة الأمانة مرتبة جبلت النفوس على السعي إليها ابتداء، ولكن ينازعها في ذلك مادتا (الظلم، والجهل) فمادة الظلم يحصل عنها قصد إلى مجانبة الحق مرده سقط في النفس، وبعدٌ عن مكارم الأخلاق، ومادة الجهل يحصل عنها عدم إصابة الحق لفوات العلم أصلاً، أو للقصور عن مرتبة التحقيق فيه.
وكل هذا يوجب أن يكون الناظر في فقه الشريعة على قدر من التمام في تحقيق مقتضيات الأمانة العلمية، بحيث يكون على قدر من الإدراك والتحقيق المعرفي، والالتزام الخلقي، بعيدا عن كدر النفوس البشرية، متجردا في إرادة الحق، قال الشافعي: ما ناظرت أحدا على الغلبة إلا على الحق عندي. والله الهادي.