رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ماذا بعد صدور نظام الرهن العقاري .. هل ستحل مشكلات الإسكان ؟

يعتقد الجميع أنه بعد طول الانتظار لصدور نظام الرهن العقاري أن مشكلات الإسكان ستنحل وسيمتلك كل مواطن سكناَ، وهو مفهوم خاطئ وليس صحيحا. حيث إن صدور نظام الرهن العقاري في معظم دول العالم التي سبقتنا (وخاصة أمريكا) أدى إلى زيادة الطلب على العقار وبالتالي إلى ارتفاع أسعار العقارات. كما أن نظام الرهن العقاري سيوفر القرض لمن لديه عقار مملوك أصلا ليرهنه. وذلك حسب اسمه "الرهن العقاري" أي رهن عقارك الحالي أو الحصول على عقار بضمان ممتلكات أخرى، وقد يحول ليشمل ممتلكات أخرى غير عقارية مثل أسهم أو مرتب أو سيارات أو شيء عيني كما هو الوضع في الإمارات العربية المتحدة. لذلك فالرهن لن يحل مشكلة من لا يملكون ما يرهنونه. وعندها قد يلجأ الجميع إلى ممارسة الغش والتلاعب في التثمين أو تزوير الأوراق الثبوتية للرهن أو شهادة ما يتقاضاه الراهن من مرتبات شهرية. أو محاولة تضليل الفقراء لتزوير أوراق لهم للحصول على القرض بينما هم لن يستطيعوا الوفاء به فتسلب منهم عقاراتهم كما هو الحال في أزمة الرهن العقاري الأمريكية، التي يعتقد الجميع أن سببها هو محاولة وسطاء التمويل العقاري وشركات التأمين ومؤسسات التصنيف الائتماني تضليل الفقراء والشرائح السكانية الصغيرة مثل السود والمكسيكيين للحصول على قروض لم يستطيعوا تسديد أقساطها ثم تسحب منهم بعد أن صرفوا عليها ما حوشوه طوال أعمارهم.

ومن جهة أخرى، فإن هناك من يرى أن نظام الرهن العقاري هو لعبة صنعها الأغنياء أو المؤسسات المالية للعب على الفقراء لسلب أموالهم وممتلكاتهم. وقد لا يكون ذلك صحيح، ولكن تزامن اعتماد نظام الرهن العقاري السعودي مع أزمة الرهن العقاري العالمية التي مرت بها السوق الأمريكية وقبلها اليابان يدعونا للتحسب لعدم وقوع ذلك. فمشكلة السوق التحتية للرهن (الثانوي). Subprime وCredit Crunch سببها ممارسة إقراض أموال لأشخاص ليس لديهم تأهيل كاف أو تاريخ ائتمان جيد. مما أدى إلى إخفاق قروض لأكثر من 2.2 مليون مقترض وخسارة للجميع تقدر بأكثر من 165 مليار دولار. وهي أخطاء حدثت في السابق ولم يتم الاحتياط لها. وقد بدأت حكومات تلك الدول بتصحيح تلك الأخطاء ووضع ضوابط أكبر وأكثر جدية لعدم تكرارها. ولكن تلك الدول لن تلغي نظام الرهن العقاري، بل سيستمر لأنه أهم آلية لتأمين السكن لمواطنيها. ونحن يجب أن نصدر النظام وأن نستفيد من أخطاء الآخرين وأن نبدأ من حيث انتهوا.
وكحل لمشكلة الرهن العقاري في أمريكا يرى أوباما أن قانونه المسمى بـ "قانون إيقاف الاحتيال" سيعمل على إيقاف "سماسرة الرهن الذين يقومون بخداع مقترضين من ذوي الدخل المتدني لقبول قروض ليس بإمكانهم تحملها". وأن يتم "إيقاف الصفقات التي تتم بغرض ترويج الاحتيال والمخاطرة." حيث يرغب أوباما إنشاء "صندوق لمساعدة الأفراد في إعادة تمويل رهوناتهم ولتقديم مساعدات شاملة إلى أصحاب المنازل البريئين.. وسيتم الدفع إلى الصندوق، بشكل جزئي، من قبل غرامات متزايدة يتم فرضها على المقرضين الذين يتصرفون بلا مسؤولية". وبدورها اقترحت السيدة كلينتون أن يتم إنشاء صندوق مماثل من أموال سرية، بدأ بمبلغ خمسة مليارات دولار إلا أنه سرعان ما ارتفع إلى 30 مليار دولار. ولكن الجميع يرون أن "هناك بعض المقترضين قاموا أيضا بالكذب للحصول على الرهونات أو للمشاركة في مضاربات غير مسؤولة". فالمشكلة تكمن في أنه ليس بمقدور أي فرد أن يميز بشكل سهل الكذابين والمضاربين من أصحاب المنازل "البريئين".
إن أي شيء يعمل على زيادة مخاطرة خسائر القروض سيزيد بشكل حتمي معدلات الفوائد. ولهذا السبب تقوم السندات الرديئة بدفع معدلات فوائد مرتفعة أعلى من سندات الخزانة طويلة الأجل. لذلك يجب أن يكون هناك تأجيل قانوني لسداد الدين في مدة 90 يوما بالنسبة لحجوزات الرهن العقاري. وبعد أن يتم إعطاء مستفيدين يتم انتقاؤهم مدة ثلاثة أشهر إضافية للعيش بأجرة مجانية، سيقوم هذا الإجراء بإسقاط تراكم هائل من طلبات لم يتم تنفيذها بعد لمنازل تم حبس رهنها في السوق في الحال.
كما أن هناك 50 في المائة من حجوزات الرهن قد تمت على رهونات انبثقت بفعل هبوط أسعار المنازل وليس بفعل معدلات الفوائد المرتفعة وحتى بالنسبة للرهن العقاري ذي معدلات الفائدة القابلة للتعديل، فإن معدل الفائدة سيعاد ضبطه بعد سنتين بالاستناد إلى سعر الفائدة البنكية (الليبور) لمدة سنة واحدة. وقد هبط ذلك المعدل إلى نسبة 2.8 في المائة. ويكمن الخطر الحقيقي في أسعار المنازل عندما تهبط دون حجم القرض، حيث يقوم الكثيرون عندئذ بالتخلص من الرهن بصرف النظر عن معدل الفائدة.
لقد أمضت واشنطن العقود القليلة الماضية في انتقاد وتغريم المقرضين بسبب عدم قيامهم بإقراض أرباب المنازل من ذوي الدخل المتدني الذين لديهم سجلات ائتمان رديئة، وهي ممارسة سميت باسم "ريد لايننغ" (امتناع البنوك عن إقراض طبقة معينة من العملاء). ولكن مسألة الحصول على رهونات للمنازل بالنسبة للعائلات من ذوي الدخل المتدني كانت تجري بمنتهى السهولة وبأعداد كبيرة. لذلك كان لا بد من وضع حد بحيث يتم إيقاف ذلك من خلال تهديد المقرضين بدفع الغرامات وبالسجن.
مشكلات الرهن العقاري دولياَ كثيرة ولكننا يجب أن نستفيد منها وخاصة تجربة شقيقتنا الإمارات التي سيبلغ النمو المتوقع لسوق الرهن العقاري فيها عشرة أضعاف النمو في مستواه الحالي البالغ 4.4 مليار دولار إلى 44 مليار دولار بحلول عام 2012. وتعد الآثار المترتبة على ذلك بالنسبة لتنمية الأسواق العقارية في الإمارات هائلة سواء من حيث تعميق السوق وأسعار البيع. تقدر الزيادة السكانية لحدود 1.4 مليون نسمة للسنوات الخمس المقبلة، مما يعني صفقات عقارية بمبلغ 187 مليار دولار حسب تقديرات مؤسسة هيرمز المالية.
لو افتراضنا أن 21 في المائة من هذه الصفقات ممولة (فإن 30 في المائة من العقارات مرهونة بقرض متوسط إلى مستوى القيمة بنسبة 70 في المائة ) فإن هذا يدل على حجم سوق بمقدار 44 مليار دولار. لذلك فإنه من المرجح أن يفقد قادة سوق الرهن المحلية القائمة مثل شركة أملاك للتمويل" و"تمويل" حصتهم في السوق العقارية المحلية لبنوك محلية ودولية. كما أن التساهل في الإقراض العقاري هو أحد الأسباب التي أدت إلى انخفاض الإيجارات في السنوات الأخيرة. ولذا فمن المتوقع أنه بنمو سوق الرهن العقاري في الإمارات فإن زيادة توافر التمويل سوف ترفع الأسعار وتخفض من عوائد الإيجار.
وقد تلجأ الإمارات إلى سن قوانين جديدة تحد من الرهن العقاري وتوضح حقوق الطرفين وتشجع الاقتراض من أجل الاستثمارات في العقارات. فقد تم تمويل معظم صفقات الملكية في الإمارات من خلال الأسهم، ولم يتم بعد ظهور الاقتراض الرهني المرتبط بالعقارات في الأسواق الأكثر نضجاً. حيث يشكل الإقراض العقاري بالنسبة للبنوك في الإمارات فرصة تجارية هائلة، ويستطيع اللاعبون العالميون رفع ميزانياتهم الضخمة للاستفادة من هذه السوق الجديدة في حين أن رؤوس أموال البنوك المحلية عالية عموماً وتبحث عن فرص إقراض جديدة. وهذا سيساعد على خلق دوامة تصاعدية في قيم العقارات مع وجود بنوك تقرض المزيد والمزيد من الأموال وتقود الأسعار صعوداً وبثبات.
الجميع ينتظر بفارغ الصبر حل مشاكل الإسكان وتمكين المواطن من الحصول على قرض وتمويل مما سيكون له أثره على سوق العقار والاقتصاد الوطني في المملكة وسيساعد على عودة روؤس الأموال المهاجرة بل سيساعد على جذب استثمارات خارجية. هذا إذا أخدنا في الاعتبار توجه الدولة لتوفير البيئة القانونية والمناخ الاستثماري الذي يحفظ حقوق الجميع، خاصة بعد انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية.
ولكن هل سيحل الرهن مشكلاتنا؟ فالرهن العقاري بدأ مع ظهور المباني وفق صكوك ومستندات واضحة ومعتمدة. لذلك فالرهن معروف منذ قرون. ولكن البداية الفعلية لنظام الرهن العقاري كانت في 1930 في أمريكا. ولم تكن البنوك هي السباقة في ذلك بل كانت شركات التأمين. ولم يكن هدفها فقط الحصول على الربح من الفائدة والرسوم ولكن أملها ألا يستطيع الراهن دفع المستحق عليه وبذلك تتملك الشركة عقاره. وفي عام 1934 ظهر نظام الرهن العقاري المعرف حالي وذلك كمحاولة لإنعاش الاقتصاد الأمريكي من الهبوط الذي مر به. وقد كان 40 في المائة من الأمريكيين يملكون سكنا لهم. وكانت قيمة الرهن أو القرض لا تتعدى 50 في المائة من قيمة العقار. ومع اعتماد نظام الرهن لدينا فإننا لم نر إشارة إلى أنواع الرهن المختلفة فالأسواق العالمية فيها أكثر من نوع للرهن العقاري. وأهمها: الرهن المرن: Flexible or Adjustable Mortgages، وهو يوفر طريقة مرنة لإدارة القرض. فمثلاَ تدفع مبلغا مقطوعا أو تزيد أو تنقص الأقساط أو أن تأخذ إجازة من الدفع لأشهر محددة. والرهن الثابت: Fixed-rate mortgage: وهو رهن ثابت الفائدة طوال فترة الرهن ولا يمكن تغييره. وكلا النوعين يندرج تحتهما منتجات بديلة أو نماذج محورة قليل. وكضمان للرهن فإنه لا بد من التأمين على الرهن العقاري. وهناك عدة أساليب وآليات للتأمين على الرهن العقاري ومنها: التأمين على الحياة، على المرض القاهر، حماية الرهن، على السكن أو العقار، على محتويات العقار.
كما أن النظام لن يكتب له النجاح إذا لم تتم إعادة النظر في نظام التثمين والتقييم العقاري الذي ما زال يفتقد كما أشرت في مقال سابق إلى وضع تأهيل للممارسة المهنية.
أمور كثيرة لم نسمع عنها ولم يتم توعيتنا بها عن نظام الرهن العقاري كما أن هناك أمورا أخرى تعترض السوق العقارية لا بد من بحثها وطرحها على طاولة النقاش قبل أن تسوء الأمور وتتضاعف مشكلات الإسكان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي