توقعات بتحول الإمارات نحو نظام أكثر مرونة في سعر صرف الدرهم
توقع تقرير مصرفي حديث أن تعمل الإمارات خلال العام الجاري على تجنيب مبالغ إضافية في صافي الموجودات بالعملات الأجنبية مقدارها 55 مليار دولار. وقال التقرير الذي أصدره "دويتشه بنك" إن الزيادة في إنتاج النفط مع استمرار النمو النشط في القطاع غير النفطي، يفترض أن تعني سنة أخرى من النمو الاقتصادي المتين. وجدد البنك توقعاته بحدوث تحول نحو نظام أكثر مرونة لأسعار صرف الدرهم الإماراتي خلال عام 2008. وهذا يعني أن "دويتشه بنك" يتوقع أن ترفع الإمارات قيمة الدرهم.
أما المخاطر الرئيسية, كما يراها "دويتشه بنك" فيه استمرار جوانب عدم اليقين حول موقف السياسة النقدية في وقت يعاني فيه التضخم ونمو السيولة أصلاً من مخاطر عالية تهدد بتعقيد المشكلات التضخمية أكثر من ذي قبل.
سجلت الإمارات على نحو منهجي أسرع معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي في الشرق الأوسط في السنوات القليلة الماضية. ونُقدِّر أن النمو في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2007 سيصل إلى 7.3 في المائة، مما يعني أن متوسط النمو خلال السنوات الخمس السابقة بلغ معدلاً مثيراً للإعجاب هو 9.3 في المائة. وكما هي الحال في بقية بلدان المنطقة، فإن الإسهام الرئيسي في النمو جاء من القطاع غير النفطي، حيث ساهم القطاع النفطي في المتوسط بنسبة لا تتجاوز 1.6 نقطة مئوية منذ عام 2003. ولكن اتباع سياسة أكثر نجاحاً في التنويع الاقتصادي يعني أن النمو في القطاع غير النفطي كان يسير على نحو أسرع من البلدان الأخرى في المنطقة، وقد أفلحت الإمارات العربية المتحدة في تثبيت نفسها كمركز تجاري إقليمي نشط للنشاط المالي والسياحة. كذلك كانت الصناعة من المحركات الرئيسية للنمو، حيث سجل قطاع التصنيع وقطاع الإنشاءات نمواً متيناً من خانتين. وعلى جانب الخدمات، فقد حقق قطاعات النقل والخدمات المالية والعقارات وتجارة التجزئة جميعاً مكاسب طيبة.
القطاع غير النفطي
من المرجح أن بعض الآثار الجانبية من ارتفاع أسعار النفط ساعدت على تعزيز النمو في القطاع غير النفطي عن طريق الاستثمارات المتزايدة. ولكن الدليل المستفاد من عدد من المصادر غير الرسمية حول المشاريع الاستثمارية الضخمة لا ينسجم مع نسبة ثابتة من الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الأخيرة. وعلى الأرجح فإن مرد ذلك إلى الاختلاف في العوامل الإحصائية المستخدمة لتحويل النشاط الحالي بالدولار إلى أرقام معدلة لاحتساب أثر التضخم في قيمة النقود. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى وجود مبالغ أخرى مخصصة للمشاريع الاستثمارية على مدى السنوات الخمس إلى السنوات العشر المقبلة بقيمة 300 مليار دولار، ومعظمها في العقارات والمواد الهيدروكربونية. وهذا المبلغ كبير إلى حد لا يستهان به بالنسبة لبلد تبلغ القيمة الحالية فيه للناتج المحلي الإجمالي الاسمي 200 مليار دولار. وانسجاماً مع أسعار النفط التي لا تزال مرتفعة فإن من المتوقع أن يكون رصيد المالية العامة واحتياطي العملات الأجنبية لدولة الإمارات قد سجل مزيداً من الفائض الكبير في عام 2007 بنسبة تبلغ 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في رصيد المالية العامة و20 في المائة في رصيد احتياطي العملات الأجنبية. ويشير هذا إلى قدر من الادخار السالب لدى القطاع الخاص (أي أن الإنفاق أعلى من الدخل)، وهو اتجاه عام كان موجوداً أثناء معظم العقد الماضي.
وهذا الوضع نقيض الوضع الذي تشهده بقية بلدان مجلس التعاون الخليجي، حيث يتجاوز فائض الحساب الجاري فائض المالية العامة وحيث القطاع الخاص هو مَصدر رأس المال الأجنبي. كذلك فإن المنهج القائم على تحليل المدخرات والاستثمار يبرز حقيقة أن الفائض الخارجي المتصاعد يعود بالدرجة الأولى إلى تصاعد المدخرات العامة. وفي المقابل فإن مدخرات القطاع الخاص انخفضت بصورة حادة. وعلى الجانب الاستثماري فإن البيانات تشير إلى أنه حتى عام 2006 كان القطاع الخاص المستثمر الوحيد وحيث كان استثمار القطاع العام في الواقع سالباً.
مؤشر السلع الاستهلاكية
المؤشر الشهري لأسعار المواد الاستهلاكية من المقرر أن يصدر في أيار (مايو) 2009. عام 2007 وافقت حكومة الإمارات على إنشاء مكتب للإحصاءات الوطنية، ويفترض أن يشهد عام 2008 المزيد من التحسينات فيما يتعلق بالبيانات. وهناك دراسة ميدانية محَدَّثة لأنماط إنفاق الأسر يفترض أن تُنجَز خلال الأشهر المقبلة، وستغطي جميع الإمارات السبع، في مقابل الدراسة التي أجريت في 1997/1998 والتي تُستخدَم كأساس لمؤشر الأسعار الاستهلاكية الحالي ولا تغطي إلا إمارة أبو ظبي. كذلك فإن الدولة بصدد مراجعة قانون الإحصاءات الحالي الذي سيعطي المكتب الوطني للإحصاءات الاستقلال الضروري والصلاحيات اللازمة.
الموجودات الأجنبية
ولا تتوافر بيانات رسمية عن حجم مقتنيات دولة الإمارات من الموجودات الأجنبية، ولكن حيث إن الدين الحكومي لا يزيد على 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (20 مليار دولار) فإنه لا يوجد شك في أن الدولة هي مقرض صاف على نحو كبير. وبالنظر إلى بيانات الحساب الجاري المتوافرة منذ عام 1980، فإن القيمة التراكمية للموجودات الأجنبية ستكون 230 مليار دولار. ولكن هذا التقدير يقع دون الرقم الصحيح على اعتبار أنه ليس معدَّلاً لاحتساب التغييرات في التقييم ولا يأخذ في الاعتبار الثروة النفطية التي هبطت على البلاد في السبعينيات. وفي تقرير صدر حديثاً عن وكالة ستاندارد آند بورز ذُكِر أن الرقم هو في حدود 350 إلى 400 مليار دولار. وتضع بعض الجهات الأخرى تقييمات تجعل الرقم يقارب تريليون دولار. وبصرف النظر عن الرقم الحالي فإن تقديراتنا لعام 2008 تشير إلى أن دولة الإمارات ستحصل على مبالغ إضافية متوافرة للتشغيل عام 2008 مقدارها 55 مليار دولار.
مشكلات السياسة النقدية
الافتقار إلى الوضوح حول النظام الجديد من إصدارات شهادات الإيداع، وهو النظام الذي أُدخِل في تشرين الثاني (نوفمبر)، عمل على خلق قدر من عدم اليقين حول بيئة السياسة النقدية للبلاد. بموجب النظام القديم كان البنك المركزي يعدل أسعار الفائدة على شهادات الإيداع على نحو ينسجم مع أسعار الفائدة على الاقتراض المباشر بين البنوك، وكان بإمكان البنوك وضع مبالغ غير محدودة للإيداع بموجب تلك الأسعار. وكانت مدة شهادات الإيداع الصادرة تراوح من أسبوع إلى 18 شهراً، وكانت جميعها تصدر بالدرهم الإماراتي. والنظام الجديد يزيد من تاريخ استحقاق الشهادات ليصل إلى خمس سنوات، ويسمح بأن تصدر بالدولار أو اليورو. والنظام الآن على شكل مزاد تنافسي، حيث لم يعد البنك المركزي هو الذي يحدد أسعار الفائدة في البداية، وإنما تتحدد الأسعار حسب العرض والطلب. وحيث إنه لم تُنشَر أية نتائج بخصوص هذه المزادات فإن من المستحيل معرفة النطاق الذي كانت ضمنه أسعار الفائدة المحلية خلال الشهر الماضي. ولكن حيث إن البنك المركزي الآن يقرر العطاءات التي يقبلها فإن من الممكن أن هناك تخفيضاً في إصدار الأوراق المالية. وحيث إن الطلب القوي على الدرهم الإماراتي خلال الأشهر القليلة الماضية يقع على خلفية التوقعات برفع سعر العملة، فإن أسعار الفائدة على الودائع المحلية دخلت منذ الآن في المنطقة السالبة. وبالتالي فإن توقيت إصدار القرار كان محاولة لتثبيط المضاربات وعمليات شراء الدرهم الإماراتي.
إصدار شهادات الإيداع
هناك عدة أسباب منطقية ممكنة لإصدار شهادات الإيداع باليورو والدولار. فربما لم يكن ذلك إلا مجرد سبيل لإزالة السيولة الفائضة من العملات الأجنبية، كما إبقاء الودائع بالعملات الأجنبية ينطوي على مضامين بالنسبة لإدارة الاحتياطي. فإذا تحولت المبالغ من العملات الأجنبية إلى الدرهم الإماراتي فإنها يمكن أن تعني امتصاص قدر أقل من السيولة، وبالتالي وضع ضغط يدفع بمعدلات الإيداع إلى الأدنى. ولكن حسب الوضع الحالي فإنه لا توجد معلومات عن نوعية شهادات الإيداع الصادرة ولا عن المزادات التي تم قبولها. كما أن دولة الإمارات أدخلت تسهيلات لإعادة شراء الأوراق المالية في سبيل تحسين إدارة السيولة مع شهادات الإيداع.
وفي البداية حُدِّدت الفائدة على تسهيلات إعادة شراء الأوراق المالية لتكون 4.75 في المائة، ثم خُفِّضت ثلاث مرات خلال الشهر الماضي انسجاماً مع التخفيضات التي قررها البنك المركزي الأمريكي، وهي تقف الآن عند 4.25 في المائة. ولكن هذه الاتفاقيات باعتبارها تسهيلات للإقراض فإن من الصعب أن نرى البنوك في حاجة إلى المزيد من السيولة. والأمر الأرجح في هذا المقام هو أنه طالما أن البنوك تواجه وضعاً من السيولة الفائضة فإن المنطق يقضي بأن الطلب الأعلى هو على تسهيلات إعادة الشراء العكسية للأوراق المالية.