ظاهرة المضاربة في سوق الأسهم السعودي ودور البنوك التجارية فيها

ظاهرة المضاربة في سوق الأسهم السعودي ودور البنوك التجارية فيها

في ظل الأجواء الغائمة التي تبدو للوهلة الأولى غير مشجعة لأي جهد بشري، تطوف هذه الزاوية كل أسبوع ببقاع متفرقة دون أن تتقيد بحدود جغرافية لترصد اختلالات متنوعة تدرسها وتعالجها أملا في أن يكون الخلل مفتاحا للصواب.

لا يملك المرء وهو يشاهد ما يحدث في سوق الأسهم السعودي إلا أن يقف منزعجا حول ما يمكن أن تنتج عنه مجريات الأمور من آثار غير مواتية لا يمكن تصورها، فقد ارتفعت وانخفضت أسهم شركات دون تغير يُذكر في أصولها أو أداء عملياتها، وذلك في فترات زمنية قليلة جدا لا تتجاوز أياماً معدودة. إن التذبذب بالارتفاع والانخفاض المفاجئ في أسعار أسهم الشركات السعودية يعكس خطورة الدور الذي تلعبه الفوائض المالية التي حققتها الدولة نتيجة الارتفاع المتزايد في إيرادات النفط بمعدل يفوق القدرة الاستيعابية للاقتصاد السعودي، فضلا عن الدور السلبي الذي تلعبه البنوك التجارية في ضخ أموال إضافية للسوق لا مبرر لها. إنه بدلا من توجيه هذه الفوائض إلى قنوات استثمارية حقيقية ذات قاعدة إنتاجية محلية، أخذت هذه الفوائض تتراكم في أيدي فئة من الناس في شكل قروض بطريقة ميسرة، وفي ظل غياب رقابة حقيقية من قبل السلطات النقدية. وبذلك أصبح ما يجري في سوق الأسهم ليس سوى أرصدة ومبالغ مالية ضخمة تطارد بعضها بعضا في ظل مضاربات متطرفة يجريها المتعاملون في سوق الأسهم السعودي بدعم وبمساندة من قبل البنوك التجارية من خلال التمويل المصرفي الذي تقوم بالترويج له بشكل كبير باعتباره مجال استثمار مجزياً وذا عوائد مالية سهلة مقارنة بالاستثمارات الأخرى التي يمكن أن تقوم بها البنوك والذي يمكن أن يعرضها لمخاطر.
إن المتابع لسوق التمويل في المملكة والصعوبات التي يواجهها المستثمر السعودي في الحصول على التمويل الاستثماري اللازم يعلم أن من أهم الحجج التي تقدمها البنوك التجارية وراء انخفاض مستوى أدائها وعزوفها الواضح عن تمويل المشاريع الاستثمارية ولا سيما الصغيرة والمتوسطة، هو عدم قيام أصحاب تلك المشاريع بإعداد دراسات جدوى يحددون فيها التكاليف المبدئية والعوائد المتوقعة لتلك المشاريع. والحجة التي تروّج لها هذه البنوك هو أن إعداد مثل هذه الدراسات من شأنه أن يسهم وبشكل كبير في نجاح هذه المشاريع وتذليل الصعوبات المختلفة التي قد تواجهها، وكذلك تضمن للبنوك استرداد أموالها المقترضة. وقد نتفق ولا نختلف مع البنوك السعودية في هذا الاتجاه حتى وإن كان المتقدم شاباً واعداً يرغب في الحصول على تمويل لتنفيذ فكرة استثمارية تراوده، ولديه إصرار وحماس كبيران لتنفيذها. وتبريرنا لذلك هو أنه عندما يبدأ شخص ما في التفكير في إقامة مشروع استثماري معين، فإنه غالباً ما يمارس نوعا من المفاضلة بين مجموعة من البدائل الاستثمارية المتاحة بناء على معطيات وحيثيات مختلفة. وبذلك يصبح المستثمر في حيرة من أمره في تحديد القرار السليم حول أفضلية هذا المشروع أو ذاك. وفي بعض الحالات يمكن أن يكون الاختيار في غير محله، وتكون نتيجة القرار بمثابة الكارثة. إن الحل السليم المطلوب اتخاذه لتجنب الوقوع في مثل هذا الخطأ، هو صرف قليل من الوقت والمال في إعداد دراسة جدوى تقوم على تحليل مجموعة من البيانات والمعلومات المتعلقة بالمشروع المقترح وعرضها بأسلوب منطقي وبشكل يساعد على الوصول إلى القرار السليم.
نعم نحن نتفق مع البنوك السعودية حول ضرورة تقديم دراسة جدوى لأي طلب تمويل يتم التقدم به لإقامة مشروع استثماري معين، غير أن هذه الحجة تبدو واهية وغير معتبرة عندما يتعلق الأمر بالحصول على تمويل من البنوك التجارية لاستثماره في سوق الأسهم السعودي. إن البنوك التجارية في مثل هذه الحالة تنقلب على نفسها وتصبح أكثر مرونة في منح التمويل المطلوب بغض النظر عن جدوى القرار الاستثماري الذي يتخذه هذا الشاب أو تلك الشابة، بل إن دراسة الجدوى هنا بما تحتويه من محددات مرتبطة بسوق الأسهم السعودي وطبيعة الشركات التي سيتم الاستثمار فيها ليست ذات أهمية تذكر بالنسبة للبنك الممول. إن دراسة الجدوى من وجهة نظر البنوك التجارية لا تعد الطريقة المثلى المستخدمة كمعيار لمنح التمويل ولتحديد إذا ما كان الاستثمار المراد الدخول فيه من قبل الفرد السعودي هو القرار الذي سيؤدي إلى خدمة هذا المستثمر وتحقيق نفع من نوع ما له وللاقتصاد القومي بشكل عام. إن المعايير المستخدمة هنا في منح التمويل من قبل البنوك التجارية في المملكة هي معايير اعتباطية وغير علمية، وتعتمد المصلحة الخاصة المعيار الأوحد والأهم في منح التمويل.
إن الأموال الباهظة التي يتم ضخها من قبل البنوك التجارية في سوق الأسهم السعودي يمكن أن تصبح فقاعة من السهل أن تنفجر في أي وقت إذا حدث تطور غير موات ومفاجئ في المنطقة. وحتى البنوك التجارية التي تعتقد بأنها على أتم الاستعداد لامتصاص أي صدمة يمر بها السوق، ستجد نفسها أمام مخاطر كبيرة لا يمكن تحملها. إن ظاهرة المضاربة التي أصبحت السمة الغالبة على طبيعة أداء سوق الأسهم السعودي أسهمت بشكل أساس في تحويل الإمكانات المالية التي تتمتع بها الدولة من نشاطات إنتاجية إلى نشاطات تحويلية عديمة الفائدة. كما أن المردود المالي الذي أمكن تحقيقه من هذه النشاطات التحويلية العشوائية تم توجيه معظمه ومن خلال مختلف فئات المجتمع ومؤسساته التمويلية إلى أوعية ذات إنفاق استهلاكي يعود مرة أخرى لاستثماره في نشاطات المضاربة في سوق الأسهم، وهكذا تستمر العملية بشكل منتظم ومدروس.
إن عدم تبني استراتيجية استثمارية بعيدة المدى تسهم في استيعاب الموارد المالية الضخمة التي تتحقق نتيجة القيام بعمليات إنتاج وتصدير النفط من شأنه أن يزيد من خطورة الموقف، كما أن عدم ممارسة أي نوع من الرقابة الفاعلة على البنوك التجارية من شأنه أن يحدث شرخا كبيرا في الاقتصاد السعودي لا يمكن علاجه بسهولة، وأن استمرار الوضع على ما هو عليه سيدفع بالاقتصاد السعودي بعيدا عن أهداف التنمية الحقيقية وسيسهم في نشوء ظروف تتفاقم بسببها مشكلات وأعباء مختلفة. إن ظاهرة الارتياح التي ينتهجها كثير من متخذي القرار أمام هذا الواقع لا تشير إلى وجود أي مؤشر على توافر ظروف اقتصادية مناسبة. كما أن سياسات الارتياح هذه والمصاحبة للرواج النفطي الذي تنعم به المملكة هذه الأيام هي سياسات قصيرة الأجل ولا تكفي وحدها لتأمين مسارات الاقتصاد على المدى البعيد. لقد كشفت التجارب في كثير من اقتصادات دول العالم الشبيهة بالاقتصاد السعودي أن شروط النمو الاقتصادي الحقيقي تكمن بصورة رئيسة في زيادة معدلات الاستثمارات المحلية والأجنبية من غير عوائد الصادرات النفطية، وفي زيادة الصادرات من غير النفط الخام. وبالتالي فإن السياسات الاقتصادية المناسبة هي تلك السياسات التي يجب أن تبدأ وتنتهي بتأمين هذين الشرطين على المديين المتوسط والبعيد.

الأكثر قراءة