التسويق المبسط: انتهاء تعقيدات وفوضى وتشويش العلامة التجارية
"من سخرية الأقدار أن الناس في المستقبل لن يعانوا نقص الخيارات عند الشراء, وإنما من كثرتها التي تفوق بكثير احتياجاتهم الفعلية, وقد ينتهون كضحايا حقيقيين لطوفان التنوع, في فترة يمكن تسميتها "مرحلة ما فوق الاختيار" (آلفين توفلر ـ 1970).
إن أحد أهم التحديات التي يواجهها الإنسان في القرن الحادي والعشرين هو "الكثرة", كثرة ما ينبغي عمله, كثرة ما ينبغي اتخاذ قرار بشأنه, كثرة الصخب, كثرة الفرص والخيارات المتاحة التي تفوق بشكل كبير ما يتوافر لدينا من الوقت والطاقة.. لقد ولى منذ وقت طويل عصر الفكرة القائلة إن "الأكثر هو الأفضل", فالاختيار في عالم يغص بالأصناف, أصبح إرهاقا في حد ذاته, ويمكن رؤية ذلك بوضوح في عالم السلع البسيطة التي تضاعفت خياراتها وأشكال عبواتها أكثر من ثلاث مرات خلال الـ 30 عاما الماضية, فما بين عامي 1970 و2000, قفزت وحدات تعبئة معجون كريست للأسنان من 15 وحدة تعبئة إلى 45 وحدة, ومن ست وحدات تعبئة كوكاكولا إلى 25 وحدة, أما عصير البرتقال فقد ازدادت عبواته من 20 إلى 70, ولا يقتصر هذا الأمر على السلع اليومية البسيطة بل ينسحب على جميع الخدمات والمدارس والعقارات والمصارف التي نتعامل معها في حياتنا اليومية, وأصبح من الضروري للغاية رفع شعارات تسويقية مختلفة, والتوجه بحزم في الاتجاه المعاكس, اتجاه "التسويق المبسط".
الحلول: تبسيط الأمور للزبائن هو جوهر الحل, الذي بدأت استراتيجيات التسويق المعاصرة الأخذ به, بهدف تخفيف الإجهاد عن الزبون, المتولد أصلا عن الخيارات بالغة الكثرة, ويقوم التسويق المبسط على أربعة أركان أساسية هي: الاستبدال, إعادة التعبئة, إعادة التوجيه, وإعادة التعويض.
استراتيجيات التسويق المبسط - الاستبدال : أبسط مثال يوضح مفهوم الاستبدال هو شامبو الشعر المركب ( شامبو + ملطف للشعر), الذي ظهر بديلا لمنتجين اثنين, فالاستبدال هو تطوير وتوجيه المنتج أو الخدمة, بحيث يصبح بديلا لعدة سلع أو خدمات, وعندما أطلقت شركة بروكنر آند جامبل منتجها برت بلاس عام 1987, كان الشامبو والملطف في عبوتين منفصلتين وأحيانا تحت علامتين تجاريتين مختلفتين, ونجحت التجربة بشكل كبير وأصبح الشامبو المركب يشغل قطاعا تفوق قيمته خمسة مليارات دولار, ويسيطر على 30 في المائة من إجمالي سوق صابون الشعر السائل.
استراتيجيات الاستبدال: يمكن تحقيق الاستبدال عن طريق اتباع أحد النسقين:
الاستبدال المباشر: على طريقة "استعمل هذا بدلا من ذاك", وخير مثال هنا هو استخدام الصراف الآلي بدلا من شباك الصندوق, والوقوف الطويل في طابور ممل. ويتحقق الاستبدال المباشر من خلال عدة نماذج:
ـ الاستبدال الذي تحققه السلعة أو الخدمة: ويمكن التعرف على هذا النموذج بوضوح في ميدان الصناعات الغذائية, في منتجات بدائل السكر مثل "نوترا سويت" وبدائل الدهون وغيرها.
ـ الاستبدال الذي يحققه التسويق: عندما تكون القيمة الاستبدالية في المنتج من النوع الذي يصعب على الزبون التقاطه, ينبغي على المسوقين إبرازها للعيان, وهناك مثال طريف وقوي على هذه النقطة, وهو العبارة الإعلانية التي رافقت إطلاق شركة ريفلون طلاء الأظافر السريع الجفاف: "إنه يتركك حرة بعد 90 ثانية فقط!".
ـ استبدال ما هو مألوف بشيء لا يتوقعه العملاء: مثل الإعلان عن التسعيرة الموحدة للمكالمات الهاتفية التي تساوي بين قيمة تكاليف المكالمة الهاتفية عند إجرائها في أي وقت من النهار أو الليل, وكذلك توحيد أسعار المكالمات إلى المدن والولايات (50 ولاية بتسعيرة واحدة ), وقد كان هذا بالفعل نوعا من كسر قاعدة المألوف, لفت انتباه العملاء وحقق لهم المزيد من تخفيف الجهد الذي كان يبذل سابقا للحصول على سعر أرخص من خلال الحديث بالهاتف ليلا وفي الأوقات التي يخف فيها الضغط على الشبكة. .مثال آخر لافت للانتباه هو العرض الذي قدمه المصرف التعاوني البريطاني, وهو أول بنك في المملكة يتعهد بتعويض الزبائن نقدا مقابل أي خطأ يحصل من قبل البنك في أثناء فتح حساب العميل أو تسديد الفواتير وغيرها من الخدمات المصرفية, وقد حقق البنك نتيجة لهذه السياسة مصداقية كبيرة ونتائج ممتازة في اجتذاب الزبائن كبديل يقدم ما هو غير متوقع في عالم المصارف التقليدية.
الإدغام: يدمج الإدغام بين مواصفات أكثر من سلعة في منتج وحيد يضم ميزاتها جميعا, مثل تصميم سيارة جديدة تجمع بين الفخامة والأداء الرياضي والسعة الكافية, التي تغني في النهاية عن شراء ثلاث سيارات منفصلة, ويتميز الإدغام عن الاستبدال المباشر في كونه يقود إلى طفرات أو قفزات نوعية في قيمة المنتج, ما يؤدي إلى توفير الوقت والمال على المستهلك, إضافة إلى توفير الكثير من التفكير والجهد, وهناك أربعة شروط ينبغي توافرها لتحقيق عملية الإدغام الناجح وهي:
ـ إنقاص عدد عمليات اتخاذ القرار وعدد عمليات الشراء.
ـ إنقاص عدد الخطوات الفاصلة بين لحظة شراء المنتج ولحظة تشغيله.
ـ إنقاص عدد التوقفات أو الأماكن المختلفة التي ينبغي على الزبون زيارتها لاستكمال أجزاء المنتج.
ـ إنقاص المتاع, أو عدد الأجزاء الداخلة في تركيب السلعة لتوفير الحيز المكاني والوقت.
وتعد تجربة شركة آبل كومبيوتر مثالا جيدا عن استراتيجية الإدغام, فقد بدأت مبيعات الشركة بالانحدار عام 1998, فتقدم مسوقوها بفكرة رائعة تتمثل في جهاز "آي ماك", الذي حقق شروط الإدغام الأربعة واستطاع تحقيق مبيعات مميزة رغم ارتفاع ثمنه.
يتألف الكمبيوتر التقليدي من أربعة أو خمسة مكونات هيكلية منفصلة هي:
ـ صندوق وحدة المعالجة المركزية.
ـ الشاشة.
ـ لوحة المفاتيح.
ـ مكبرات صوت خارجية.
ـ لوحة توصيل إضافية يجب تركيبها داخل صندوق وحدة المعالجة.
وروعي في تصميم "آي ماك" أن يتم إدغام جميع هذه المكونات في قطعتين فقط, الأولى تضم الشاشة ووحدة المعالجة المركزية ومكبرات صوت داخلية, والثانية هي لوحة المفاتيح. واستطاع "آي ماك" أن يقدم نموذجا فريدا للزبون العادي ذي الدراية المحدودة بشؤون الكمبيوتر, الذي كان عليه بذل الكثير من الجهد بدءا من لحظة قرار الشراء وانتهاء بمرحلة التوصيل والتشغيل, وهي المعضلة التي استطاع مصممو"آي ماك " حلها ببراعة:
ـ فاختيار آي ماك ينقص عدد عمليات قرار الشراء, الذي لم يعد يتطلب شراء الشاشة ومكبرات الصوت باستطاعة وشكل مناسبين, إضافة إلى التردد حيال اختيار نوع خدمة الإنترنت وتوصيلاتها المرهقة.
ـ وآي ماك ينقص عدد الخطوات التي تلي عملية الشراء من توصيل قطع الكمبيوتر ببعضها, وتركيب بطاقة الشبكة وغيرها.
ـ كما أن الإدغام قد تحقق من خلال هنا من خلال إنقاص عدد التوقفات أو الأماكن التي كان يتم فيها شراء الأجزاء المختلفة للكمبيوتر.
ـ حقق آي ماك ميزة إنقاص المتاع, وقلص كثيرا الفراغ الذي يشغله عادة الكمبيوتر التقليدي, وأعطى للمستهلك منتجا جميلا, بعدد أقل من السطوح التي يجب مسح الغبار عنها, والكوابل المزعجة ووفر بيئة كمبيوترية أقل ازدحاما.
وتم تعزيز هذه الميزات بدعاية تلفزيونية فاعلة يظهر فيها طفل في عمر سبع سنوات, مجهز بـ"آي ماك" يتبارى مع شاب في الثامنة والعشرين من عمره, مجهز بكمبيوتر تقليدي, ويتسابق كل منهما في إخراج كمبيوتره الجديد من علبته وتركيبه وتوصيله بالإنترنت.. وكان الفائز هو الطفل ذا السنوات السبع.
كما رافق إطلاق "آي ماك" قيام شركة أبل بتبسيط شعارها المميز ذي الخطوط العرضية والألوان المتعددة إلى التفاحة وحيدة اللون, بهدف تعزيز تبسيط العلامة التجارية, وكانت النتائج ممتازة بالفعل, فقد تضاعفت مبيعات "أبل" الإجمالية في سوق الكمبيوتر خلال أربعة أشهر, وفي 1999 أصبح معدل بيع أجهزة "آي ماك" هو جهاز واحد كل 15 ثانية. بحجم مبيعات هو مليونا جهاز في العام.
استراتيجيات التسويق المبسط - إعادة التعبئة : الوقت المتاح والجهد المبذول من أجل التسوق, يرتبطان بعلاقة عكسية, فيزداد الجهد والعناء الذي يتكبده الزبون مع تناقص الوقت المتاح, والعكس صحيح, وعندما يبتكر المسوقون أنظمة متكاملة توفر الوقت, وتقدم مزايا إضافية مثل سهولة الاستخدام والجهد الأقل, فإن النتيجة تكون تعزيز ولاء الزبون للعلامة التجارية, ويوفر العنصر الثاني من التسويق المبسط "إعادة التعبئة" فرصا عظيمة للاحتفاظ بالزبائن وتخفيض الجهد اللازم للتسوق.
وإعادة التعبئة بالتعريف هي عملية تجميع لسلع أو خدمات كانت متوافرة سابقا لدى عدة مصادر,أو كمشتريات مختلفة من المصدر نفسه, في حزمة واحدة, لتأمين حلول متكاملة تغطي جوانب متعددة بعملية شراء واحدة ونقطة اتصال وحيدة.
وشهدت السنوات الأخيرة أكبر موجة من الاندماج بين الشركات في التاريخ الاقتصادي, وصلت بين عامي 1997 و2000 إلى ثمانية آلاف حالة اندماج في الولايات المتحدة وحدها, وتعمل استراتيجية "إعادة التعبئة" وفق منحيين رئيسيين هما: التجميع, والتكامل.
يؤمن التجميع جميع المزايا الأساسية للإدغام, من إنقاص عدد القرارات واختصار عمليات الشراء والتوقفات, ثم يمضي إلى أبعد من ذلك, بتوفير وقت أكبر للزبون لأنه يعيد تعبئة عدد كبير من المنتجات أو الخدمات معا من جهة, ويرفع قيمة المنتج ومستوى الأداء الخدمي للمكونات الفردية بدلا من إيجاد حلول وسطية فيما بينها.
وكمثال عن التجميع يمكن الحديث عن تجربة شركة C.M.G.A في قطاع الخدمات المالية على الإنترنت, فقد قامت إدارتها بشراء 60 شركة تعمل في المجال نفسه لتضع بين يدي المستخدم أوسع حزمة ممكنة من الخدمات المتكاملة, وحققت من جهة أخرى زيادات مهمة في قيمة أسهمها الذاتية, نالت رضا المساهمين الذين تضاعفت قيمة أسهمهم عشر مرات خلال عام واحد.
أما التكامل فيصل إلى الحد الأقصى من التفاعل الذي يجمع المنتجات والخدمات المتعددة ذات العلاقة ببعضها البعض في نظام يكفل تعامل الزبون معها من خلال صفقة واحدة ونقطة اتصال وحيدة, وتعد شركة أنتيجريون للخدمات المالية المتفاعلة نموذجا واضحا عن التكامل الجيد بإتاحتها إجراء أكثر من عملية مصرفية عبر الإنترنت.
استراتيجيات التسويق المبسط - إعادة التوجيه: لا تموت العلامات التجارية العظيمة موتا طبيعيا وليس لها عمر زمني يمكن التنبؤ به, لكنها تتراجع وتتحطم إذا عجزت عن التطور باستمرار, بحيث تلبي الاحتياجات المتغيرة للزبون, وتهدف استراتيجية إعادة التوجيه إلى تحين وتطوير المحتوى الذي تقدمه العلامة التجارية بحيث يواكب التطور السريع لظروف الحياة و يتفوق على المنافسين.. ولنفترض أنك مسوق لسلعة غذائية تستعمل لتحضير وجبة الغذاء في خمسينيات القرن العشرين, حين كانت ربة المنزل تقضي 130 دقيقة في تحضير وجبة الأسرة, والآن فكر بأنك في القرن الحادي والعشرين, حيث تقلص الوقت المخصص لتحضير الغذاء إلى 17 دقيقة فقط.. هل قمت بتطوير سلعتك بحيث تلبي هذا التغيير؟ إذا كان جوابك بنعم, فأنت مسوق بارع, فإعادة التوجيه هو الحل الذي يكفل إنقاذ العلامة التجارية ويطيل عمرها بحضور منافسين أقوياء, في بيئة تتغير وتتطور باستمرار.
مأزق تعقيدات العلامات التجارية: منذ نصف قرن, كانت شركة جنرال موتورز تضم خمسة فروع منفصلة للسيارات, يحمل كل منها اسما تجاريا مختلفا, وهي مرتبة بحسب السعر, النوعية والفخامة على الشكل التالي: شيفروليه, بونتياك, أولدزموبيل, بويك ثم تأتي كاديلاك في رأس الهرم, وكان المستهلك يختار ببساطة ودون إرباك النوع المناسب, فهو يبدأ بركوب شيفروليه الأقل تكلفة, ثم مع تقدم العمر وازدياد القوة الشرائية, ينتقل إلى البونتياك ثم صعودا نحو البويك فالكاديلاك.....خمسة فروع, تعني خمسة تدرجات صممت لتلائم المراحل العمرية والمالية للمستهلك, وقد كان الأمر بسيطا ومفهوما, وظل كذلك طيلة 50 عاما.
أما اليوم فإن المستهلك نفسه سيصاب بالحيرة عندما يتوجه إلى معارض "جنرال موتورز", ويجد نفسه أمام 66 طرازا مختلفا من السيارات, الذي لن يستطيع حتى حفظ أسمائها.. على الطرف الآخر, يجد المستهلك نفسه أمام علامة تجارية من طبيعة مختلفة في معارض سيارات "بي إم دبليو", حيث تحمل الطرز أرقاما ثلاثية هي : (318 – 323 – 328 – 528 – 540 – 740 – 750 – 840 – 850 )..الرمز الرقمي الثلاثي ذو دلالة ذات معنى بالنسبة للزبون, فالرقم الأول من (850) وهو (8) يشير إلى سعة السيارة, أما الرقمان الآخران ( 50 ) فيشيران إلى سعة المحرك. وفي حين يتسبب ازدحام الأصناف والطرز في إرباك الزبون وتشويش قراراته في "جنرال موتورز", تقدم له "بي إم دبليو" عددا معقولا من الخيارات وفكرة أولية واضحة عن مواصفات كل طراز, دون إغراقه في ما يزيد من تعقيد عملية الشراء.
استخدام اسم تجاري يفيد التوضيح: يمكن التوصل إلى اختيار اسم تجاري نموذجي إذا ما تم تقديم شرح واف للمنتج من خلال هذا الاسم, وهذه نماذج من الأسماء التجارية ذات البعد الإيضاحي:
ـ إيزي أوف EASY OFF (التخلص السهل)....منظف أفران الغاز
ـ وول لايت WOOLITE (لطيف على الصوف)...منظف السجاد بخطوة واحدة
ـ ويندكس WINDEX (للنوافذ الخارجية) ....منظف الزجاج الخارجي للنوافذ
إن مصطلحات التسمية التجارية التي تفيد الشرح, تكاد بذاتها تحل مكان الحاجة إلى العبارات الإعلانية التجارية, فأسماء مثل "التخلص السهل" و"التنظيف الجاف", تبعث برسالة واضحة تلخص المضمون الذي يقدمه المنتج للزبون.
تطوير العلامة التجارية .. فن الحفاظ على البقاء: بدأت متاعب مالية تفرض نفسها على شركة مرسيدس بدءا من عام 1986, فقد تراجع حجم المبيعات بعد أن سرقت " لكزس تويوتا" سوق مرسيدس, باعتمادها قاعدة " التكاليف المستندة إلى السعر" التي يتم وفقها تصنيع سيارات فخمة ذات أداء رفيع بحيث تكون دائما أقل من سعر المنافسين.. واستمر الهبوط في حصة "مرسيدس" خمس سنوات متتالية, إلى أن اعتمدت عام 1991 تكنولوجيا مكنتها من السيطرة على التكاليف, واستفادت من دراسة التصميم الياباني, قبل أن تطلق شعارها التسويقي الجديد " السيارة التي لا تجعلك تضحي بشيء" بدلا من شعار " أفضل سيارة في العالم من الناحية التقنية", متجنبة بذلك مأزق إنتاج سيارات باهظة التكلفة تضم مواصفات تفوق ما هو مطلوب من قبل الزبون, وبحلول عام 1994 استطاعت "مرسيدس" تخفيض أسعارها بشكل تنافسي وقفزت مبيعاتها بمقدار 60 في المائة خلال عام واحد فقط.
إعادة التوجيه المتقطع: إعادة التوجيه المتقطع هو ببساطة تطوير وتوسيع جوهر ما تعد به العلامة التجارية, وذلك باكتشاف وتوظيف المزايا الخفية الكامنة في المنتج, وهذه العملية يمكن أن تأخذ ثلاثة أشكال:
1 ـ ابتكار استخدامات جديدة للمنتج (عبوات جديدة واستخدامات جديدة لمادة المنتج الأصلية).
2ـ توسيع الأبعاد الوظيفية للمنتج (اكتشاف وظائف جديدة للعبوة والمادة نفسيهما).
3 ـ إيجاد مناسبات استهلاكية جديدة (الخروج عن الأطر الزمنية القديمة للاستهلاك).
استخدامات جديدة: النموذج الأكثر تعبيرا عن هذه النقطة هو منتج "آرم آند هامر بيكينج صودا", وهو الاسم التجاري لمنتج رخيص هو بيكربونات الصوديوم التي تستخدم لصنع الخبيز المنزلي, ولما كانت الاحتياجات الفعلية إلى هذه المادة محدودة جدا (العلبة الواحدة تكفي 800 مرة), فقد عانى المنتج ضعف الطلب, لكن المسوقين في الشركة تنبهوا إلى ميزات إضافية لبيكربونات الصوديوم وهي قدرتها على امتصاص الروائح وفاعليتها كمضاد لحموضة المعدة, وهكذا نزلت إلى الأسواق بعد مدة قصيرة عبوتان جديدتان من المادة نفسها, وتم توسيع استخدام العلامة التجارية وتضاعفت المبيعات.
أبعاد وظيفية جديدة: درس مسوقو منتج (إسبرين باير) الخواص العلاجية الإضافية للعقار وهي القدرة على تمييع الدم التي كانت سابقا تعد من العوارض السيئة, وتم الترويج لهذه الخاصية وللدراسات التي تفيد بأن مرضى القلب المهددين بالإصابة بالجلطة قد حققوا نتائج مرضية بتناولهم حبة يوميا من إسبرين باير, وبهذا شجعت "باير" المستهلكين على شراء الإسبرين بشكل مختلف متيحة بذلك فرصا جديدة للاستهلاك.
مناسبات استهلاكية جديدة: أظهرت دراسات أبحاث السوق أن عبوات كوكاكولا كانت تستهلك في جميع الأوقات باستثناء وجبة الإفطار حيث القهوة هي المشروب المفضل للأمريكيين, واستهدف مسوقو كوكاكولا القهوة كمنافس ورأوا فيها مشروبا محلى بالسكر غامق اللون ويحتوي على الكافيين وهي مواصفات متوافرة جميعها في مشروب الكولا, وبدأ المسوقون بالتعاون مع مجموعة من المطاعم بترويج دعايات تفترض تناول الفطور مع مشروب الكولا بدلا من القهوة, كانت الحملة موفقة.
استراتيجيات التسويق المبسط - إعادة التعويض (توريد مستمر بسعر منافس): يحتاج كل منزل بشكل دوري إلى مواد محددة, مثل معجون الأسنان ومسحوق الغسل والمعلبات, وغيرها من اللوازم التي استقر الزبون منذ مدة على علامة تجارية مناسبة لكل منها, التي تجعل التسوق الدوري بهدف تعويضها نوعا من التكرار الممل والمجهد.
وإعادة التعويض استراتيجية تسويقية تهتم بتوفير الجهد والوقت على الزبون, وذلك بدراسة احتياجاته المتكررة إلى المواد والخدمات, ومن ثم القيام بتوريدها بشكل دوري وتلقائي إلى المستهلك.
وبشكل عام فإن مشترياتنا المتكررة تنقسم إلى نوعين:
ـ البضائع والخدمات ذات المواصفات المعروفة والثابتة, مثل شفرات الحلاقة, معجون الأسنان, والمناديل الورقية, ومثل هذه السلع لا تختلف مواصفاتها أو جودتها بين فترة شراء وأخرى, وحاجتنا إليها شبه ثابتة من ناحية لذا نقوم بشرائها دون تفكير.
ـ البضائع والخدمات التي تعتمد على ظرف معين أو تلك التي ليس لها مواصفات ثابتة مثل الطعام المجمد الذي يفسد خلال مدة محددة, ومستلزمات الولائم وأنواع البضائع الإلكترونية التي تتطور بسرعة متزايدة تجعل من المستحيل اعتماد طراز محدد أو علامة تجارية معينة بشكل ثابت.
ويمكن تلخيص إعادة التعويض في أنها اتفاق بين الزبون والمورد, يسمح الأول للثاني بموجبها ببث معلوماته الدعائية وتولي حق التزويد المتكرر من السلع, على أن يتم ذلك في الوقت المطلوب, وبشكل تلقائي يتجنب ما أمكن تدخل الزبون في عملية التزويد.
معايير التعويض الفاعل: هناك ثلاثة شروط ينبغي أن تتحقق حتى تكون إعادة التعويض مثمرة, وهي: السعر المنخفض الذي يجب ألا يزيد بحال على سعر صالات التجزئة, التوريد المستمر المنفصل عن تدخل الزبون, وخلو المنتج من العيوب بحيث يلعب المورد الدور الذي كان يقوم به الزبون في انتقاء السلع الجيدة, وتوريدها في الوقت المناسب.
نموذج ناجح: "ستريم لاين", شركة خدمات تقوم بتوصيل البقالة للمنازل, بشكل دوري وبأقل جهد ممكن من قبل الزبون الذي تقتصر مهمته على انتقاء السلع وإرسال الطلبية من خلال شبكة الإنترنت.. تقوم الشركة بوضع براد ذي سعة مناسبة في موقع أمين ومنفصل عن المنزل (عادة يكون الكراج), حيث يمكن لموظفي التوريد الدخول إليه من خلال لوحة مفاتيح خاصة مزودة بكلمة سر, ويتم وضع البقالة في البراد دون قرع الباب أو إزعاج أهل المنزل.
ويبدأ العمل عادة بزيارة فريق من "ستريم لاين" إلى المستهلك, ويتعاون معه في تحضير لائحة تسوق تتألف من جميع الأصناف التي سيتم شراؤها بشكل روتيني ومتكرر, ويحدد يوم في الأسبوع يتم فيه التوريد, كل ذلك مقابل رسم اشتراك بسيط ( 30 دولارا ), ودون إلزام الزبون بتوقيع عقد أو بحد أدنى من المشتريات, التي ترسل مجانا دون أجور نقل أو إكراميات.
الأسعار المطلوبة هي بمستوى أو أقل من أسعار صالات التجزئة في الجوار, ويستطيع الزبون خلال أقل من 20 دقيقة تسجيل لائحة طلباته على الإنترنت, كما يمكن تكرار الطلبات تلقائيا وبشكل دوي دون أي تدخل منه.
ولم تغفل "ستريم لاين" عنصر الإثارة التسويقية, لمكافأة المستهلكين لقاء ولائهم والتزامهم بالمورد, وأرضت الشركة زبائنها بالعروض والمسابقات والجوائز وسحوبات الحظ أو إضافة كميات مجانية من المنتج إلى العبوة التقليدية, وكانت النتائج إيجابية جدا فقد حققت الشركة بعد أقل من سنة من انطلاقها معدل 85 في المائة من تكرار الطلب بمعدل 45 طلبا في السنة وقيمة متوسطة هي 110 دولارات للطلب الواحد.