كفانا أخطاء ولا ثقافة نفطية دون فكر

[email protected]

طالعتنا صحيفة عربية مشهورة بخبر مذهل يتناقض حتى مع أبسط مبادئ المصالح الوطنية عنوانه "رئيس "أوبك" في بروكسل لحضور اجتماع بين الكارتل النفطي والاتحاد الأوروبي". هل لاحظتم عبارة "الكارتل النفطي"؟ من الواضح أن الصحافي الذي زعم أنه صاحب الخبر ترجمه عن الإعلام الأجنبي لأن عبارة "الكارتل النفطي" ليست موجودة في أدبيات الصحافة السعودية والخليجية والعربية، ولكنها كلمة استفزازية يستخدمها الساسة الغربيون والإعلام الغربي لتأجيج عواطف شعوبهم ضد الدول المنتجة للنفط بغض النظر عن الواقع والحقيقة. قد يرى بعض القراء أن الأمر لا يحتاج إلى هذا "الغضب" ولا يحتاج إلى تعليق في صحيفة مرموقة، ولكن لنننظر إلى انعكاسات استخدام تعبير كهذا في صحافتنا. إن هذا الخطأ يشبه إلى حد ما العبارة التالية "الاحتلال الفلسطيني الغاشم لأراضي إسرائيل".

أقر الكونجرس منذ فترة وجيزة قانوناَ يسمح للحكومة الأمريكية بمحاكمة عدد من دول "أوبك" بتهمة كونها "منظمة احتكارية", التي يتم التعبير عنها باللغة الإنجليزية بكلمة "كارتل"! من هنا يمكن القول ببساطة إن استخدام كلمة "كارتل" يعني ببساطة تأييد قرار الكونجرس بمحاكمة السعودية وغيرها من الدول الأعضاء في المنظمة. ولا أستغرب يوما أن يستخدم مثل هذا الخبر دليلا على أنه حتى الصحافة الوطنية في دولة نفطية تعترف بأن "أوبك" "كارتل"، لذلك تجب محاكمتها. طبعا لا أعتقد بأي شكل من الأشكال أن الخبر مدسوس أو مقصود بهذا الشكل، ويا ليته كان كذلك، لأن الأمر يتعلق بمشكلة أكبر من ذلك، وهي الجهل حتى بأبسط المصالح النفطية للبلد. إن عدم وجود ثقافة نفطية جعل كثيرا منا يقرأ الخبر دون أن ينتبه إلى انعكاساته الخطيرة، ولا شك أن عدم وجود إعلاميين متخصصين في مواضيع الطاقة أدى إلى مثل هذه الأخطاء.
لكن أمر "الثقافة النفطية" ليس بالأمر السهل الذي يتصوره البعض، ولا يقصد منها فقط توفير المعلومات عن أنواع النفط وألوانه وطرق بيعه، ولايقصد بها إنشاء معارض تحكي تاريخ النفط وطرق استخراجه والتقنيات المستخدمة في صناعة النفط، ولا يقصد بها أن يقرأ كاتب ما مقالا في صحيفة أجنبية، بل يقصد بها تكوين مهارات وقدرات بشرية قادرة على خدمة المصالح الوطنية والرد على ادعاءات الأعداء بطرق ذكية ومقنعة. ليس المهم إقناع الأعداء، وإن كان ذلك نجاحا كبيرا، ولكن المهم هو إقناع الجمهور الذي يشاهد الحوارات ويقرأ المقالات المختلفة. إن طريقة الاستفادة من المعلومة وتجييرها لصالح الوطن هو ما نصبو إليه من نشر الثقافة النفطية. لهذا فإن الوصول إلى هذا الهدف وتثقيف الإعلاميين في مواضيع الطاقة لا يتم إلى بتوافر شرطين، الحرفية أولا، والفكر الذي ستُأطّر فيه هذه المعلومات ثانيا. فإذا لم يكن الإعلامي "حرفيا" أصلا، فلن ينفع معه أي تدريب في مجالات الطاقة. وإذا لم توضع المعلومات المكتسبة ضمن فكر معين، فإن الإعلامي أو الكاتب يتحول إلى مجرد وعاء حامل للمعلومات. ودليل ذلك أن كبار الخبراء والمسؤولين النفطيين في السعودية أسهبوا في شرح ضرورة تفادي وصف "أوبك" بـ "كارتل" في الدورة التي أقامتها وزارة البترول والثروة المعدنية في السعودية بالتعاون مع "أرامكو السعودية" للإعلاميين قبل قمة "أوبك" الثالثة التي عقدت في الرياض، ومع ذلك ظهرت الكلمة في خبر بالخط العريض.

تكاليف الإنتاج
لا يمكن للثقافة النفطية أن تنجح إلا إذا وُضعت في إطار فكري صحيح يخدم المصالح الوطنية. هناك أمثلة كثيرة لا مجال لذكرها في مقال واحد، ولكن موضوع تكاليف إنتاج النفط قد يكون من أهمها. فيمكن بسهولة إقناع طالب سعودي يدرس في الولايات المتحدة أن تكاليف إنتاج النفط في السعودية لا تتجاوز دولارين بينما تبيع السعودية نفطها حاليا بأسعار تتجاوز 120 دولارا للبرميل. ويمكن إقناع هذا الطالب أيضاً أن هناك تحويلات مالية ضخمة تذهب من جيوب المستهلكين إلى جيوب المنتجين. وبالطبع، يمكن دعم هذه الادعاءات بالأرقام والرسوم البيانية التي لا يمكن لأحد أن ينكرها. فإذا كان يمكن بسهولة إقناع طالب سعودي بهذا الأمر، فماذا عن ملايين الطلاب الأمريكيين في المدارس والجامعات؟ هل هذا الموضوع مهم؟ طبعاً، لأن أعداء الدول النفطية يستغلون الحقائق بصورة علمية لتأجيج العداء ضد العرب والمسلمين بطريقة يمكن تسميتها "منهجة أو أكدمة العداء". السياسيون الغربيون والإعلام الغربي ليسوا في حاجة إلى أن يقولوا بصراحة أن الخليجيين "مصاصو دماء" ولكن يقولونها بعبارات أخرى يفهمها المتلقي مثل كلمة "كارتل" مدعمة بكل الأرقام التي توضح انتقال الثروات من الدول المستهلكة إلى الدول المنتجة، وبالطبع، يدعمونها بصور من دبي لأطول برج في العالم، وصالة التزلج على الجليد في وسط الصحراء، والقصور الطائرة لبعض الخليجيين. الحديث كان عن تكاليف إنتاج النفط، ولكنه فجأة تحول إلى أداة لزيادة الكراهية والعداء بين الشعوب، فكيف لوسائل إعلامنا أن ترد على ذلك؟ إن برامج الثقافة النفطية بمفهومها التقليدي لن تفي بالغرض.

الطلب على النفط
من الأمور الشائعة في الصحافة الخليجية، سواء في التصريحات أو الأخبار أو في أعمدة الكتاب، اللجوء إلى أسلوب يتم فيه لوم الآخرين بطريقة أو بأخرى. المشكلة أن كثيرا من الإعلاميين يقعون في خطأ منطقي يؤكد ما ذكر سابقا من الحاجة إلى الربط بين المعلومات من جهة، والفكر من جهة أخرى. مثلا، هناك عديد من التصريحات الصحافية والمقالات التي تركز على أنه لاعلاقة للسعودية بارتفاع أسعار النفط لأن الأسعار ارتفعت بسبب زيادة الطلب عليه في الصين والهند. بما أنه من الطبيعي أن يزيد الطلب على أي شيء مع زيادة عدد السكان وارتفاع الدخول، فإنه بالمنطق نفسه يمكن لوم الخليجيين على ارتفاع أسعار الرز واللحوم والأسمنت والحديد. باختصار، عند استخدامنا منطقا معينا علينا أن ننتبه بألا يتم استخدام المنطق نفسه لانتقادنا. وما دام الحديث عن الأرز، فإنه ليس من الإسلام وليس من الإنسانية أن نلوم ارتفاع الأسعار على تحسن الحالة المعيشية للهنود والصينيين ونقول لو أنهم أكلوا وجبة بدلا من وجبيتن في اليوم، لانخفضت أسعار الأرز. إن استهتار البعض بالآخرين، هو الذي جعل الآخرين يستهترون بنا عندما انخفضت أسعار النفط وعجزت بعض الحكومات الخليجية حتى عن دفع رواتب موظفيها. أخيرا، هل الضرائب العالية على المشتقات النفطية في الدول الأوروبية لصالحنا أم ضدنا؟ وللحديث بقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي