القرصنة تخسر شركات برامج الكمبيوتر 750 مليون ريال سنويا
تتكبد الشركات العاملة في مجال إنتاج برامج الكمبيوتر خسائر فادحة تقدر بمليارات الريالات سنوياً، إذ تعد مسألة القرصنة واستنساخ البرامج وتزويرها من أهم العقبات التي تواجه مستقبل صناعة الكمبيوتر والمعلومات بمختلف أشكالها، إلا أن هؤلاء القراصنة لازالوا يشكلون العائق الأكبر أمام عجلة النمو الاقتصادي والاجتماعي.
في سوق حراج الكمبيوتر وسط العاصمة في حي العليا، كشفت لنا جولة لـ "الاقتصادية" أعمال قراصنة البرامج وممارسة نشاطهم بجرأة ـ يحسدون عليها- وعلى مرأى من الجميع عن طريق النسخ والاستعمال غير المشروع لبرامج الحاسوب، والتي من المفترض أنها محمية بموجب قوانين محلية ودولية!
والحقيقة إن قرصنة البرامج تفرض نفسها بقوة، بل وتجتذب إليها كل يوم المزيد من الزبائن الطامعين في الحصول على ما يحتاجون إليه من برامج بأقل التكاليف. فإذا أردت مثلاً الحصول على برامج ويندوز أو أوفيس أو أي برنامج آخر تنتجه إحدى الشركات العالمية المعروفة، وموسوعات مقلدة بملصقاتها وأغلفتها الملونة فسوف يحضرونها على الفور وبسعر زهيد لا يقارن بأسعار النسخ الأصلية الموجودة في المعارض والمحال القريبة!
ويستغل القراصنة هذه الرغبة في النصب والاحتيال من أجل تحقيق أكبر قدر من الأرباح. والدليل على ذلك أن تكلفة نسخ قرص الليزر الواحد مع غلافه لا تزيد على ريال واحد، في حين يبيعون الواحد بعد نسخه بسعر لا يقل عن 15 ريالا، ورغم أن قرصنة البرامج أصبحت للأسف أمراً شائعاً واعتيادياً في السوق، إلا أنها لا تمارس عشوائياً كما قد يبدو لزوار السوق من أول وهلة، فقد لاحظنا أنهم يوزعون الأدوار فيما بينهم وفقاً لنظام دقيق كنظام تجارة المخدرات، بداية من الأفراد الذين يراقبون باستمرار مداخل السوق ومخارجها، مروراً بمن يتوجه إلى السيارات فور توقفها، أو حتى قريباً منها والتعرف على طلبات الزبائن، في حين يسارع آخرون لإحضار الأقراص المدمجة المطلوبة بعد الحصول على ثمنها، وفي داخل أحد المباني القريبة من السوق يتم استنساخ البرامج المطلوبة في وقت لا يتعدى نصف الساعة.
لا تغضب منهم!
إن سبق واشتريت من أحد هؤلاء القراصنة، فلا تغضب إذا اكتشفت بعد مغادرتك السوق أن الأقراص المدمجة التي حصلت عليها بثمن بخس لا تعمل، لأنهم ببساطة يستخدمون أنواعاً رديئة وغير صالحة في الغالب، ولأن هؤلاء الأشخاص لا يعملون بشكل قانوني ولا يوجد لديهم محل ثابت يمكن أن تتوجه إليه، فلن تتمكن من ملاحقتهم أو استبدال القرص التالف.
من أمن العقوبة..!
ومن مبدأ "من أمن العقوبة أساء الأدب: يروي أحد القراصنة العاملين من أربعة أعوام أن نظام العقوبات لا يطبق كما هو، وإنما هي مجرد تعهدات تؤخذ عليهم لضمان عدم التكرار، ولم أسمع عن مخالف غرَم من الجهات المسؤولة إلا شخص واحد غرّم 1000 ريال فقط، ويرى في القرصنة أنها مسألة وقت وأنها نقطة البداية لمشاريع أكبر، مستشهداً بزميل له سابقاً قام بإنشاء مركز لبيع أجهزة الحاسب الآلي ومستلزماته الأصلية في مجمع سوق الكمبيوتر.
وأشار إلى استخدامه لملف "kegen" أو ملف "krak" في عملية نسخ البرامج المحمية، ويضيف أنه أفضل من العمال الذين لا يتمتعون بحق الإقامة ويصل عددهم إلى 200 شخص، ويتبعون لأشخاص مجهولين يتاجرون بأقراص مخلة بالآداب ومنافية لتعاليم الدين الحنيف.
كيف أمتلكها؟
أما أحد زبائن البرامج المنسوخة فيقول أنا طالب، وهذه البرامج تطلب مني كمناهج تعليمية، وكنت أقتني الأصلي منها ويزعجني ارتفاع أسعارها، فعرضت علي فكرة الأقراص المنسوخة التي يسهل عليّ وعلى مثلي الحصول عليها، وأضاف أن الشركات المنتجة ليست عاجزة عن حماية برامجها من عملية النسخ، مطالباً الشركات بتخفيض الأسعار حتى لا تتعرض برامجهم للقرصنة.
هزة اقتصادية
من جهته حذر أحمد العفالق مدير برامج سطح المكتب لشركة مايكروسوفت السعودية، من هزة اقتصادية متوقعة في حال استمرار القرصنة وقال: قنوات توزيع البرمجيات تخسر ملايين الدولارات من الإيرادات كل سنة بسبب قرصنة البرمجيات، حيث تشير تقارير اتحاد برمجيات الأعمال (BSA) حول القرصنة إلى أن خسارة تقدر بأكثر من 34 مليار دولار لحقت الشركات بسبب البرمجيات المسروقة أو المزيفة حول العالم. وهذه الخسارة يشعر بها في الغالب بائعو التجزئة المحليون وصغار مجمعي النظم الذين لا يستطيعون منافسة الأسعار المنخفضة التي يعرضها البائعون غير الشرعيين.
وأضاف: تعمل مايكروسوفت في إطار عدد من المبادرات بالشراكة مع عدة حكومات لمعالجة مشكلة القرصنة عالمياً، وقد لمحنا بعض التقدم في عدد من الدول في مجال تعزيز حماية الملكية الفكرية، فالمملكة العربية السعودية مثلاً أصدرت مؤخراً العديد من القوانين والغرامات الرادعة لمثل هكذا ممارسات تمس حقوق حماية الملكية الفكرية، وفي المقابل وسعياً منها لإيجاد حلول لهذه المشكلة خفضت أيرلندا نسبة القرصنة لديها من خلال التوعية وتطبيق القوانين. والإمارات العربية ذات الاقتصاد الصاعد أصبحت تصنف الآن من بين البلدان الـ 20 التي تتمتع بأقل معدل قرصنة في العالم بفضل تبنيها لمبادرات حماية الملكية الفكرية، وأكد أن القرصنة لا تزال مستمرة، وتشكل تحدياً كبيراً لمايكروسوفت ولمجمل صناعة البرمجيات.
هبوط في معدلات القرصنة
وعن دور مايكروسوفت يقول العفالق: شهدت بعض الأسواق هبوطاً متزايداً في معدلات قرصنة البرمجيات، إضافة إلى الصناعات الأخرى التي تقدم منتجات تعتمد على الملكية الفكرية، وستظل مايكروسوفت ملتزمة بتعزيز عملية توعية المستخدمين لتوجيههم نحو استعمال البرمجيات الأصلية، كما ستظل ملتزمة بالترويج لمبدأ تنفيذ القوانين المتعلقة بالملكية الفكرية، إضافة إلى تطوير تقنياتها لمكافحة هذه الظاهرة.
وأشار إلى أن التقدم في مجال تقنية المعلومات والتجارة الإلكترونية وصناعة البرمجيات التجارية، والتي تقدر بأكثر من 175 مليار دولار في العالم تسهم وبشكل رئيس في استمرار مسيرة التحول في مختلف مجالات الاتصالات الشخصية والعمل على مستوى العالم بسرعة مدهشة، وتأمين وظائف لنحو 2.3 مليون شخص حول العالم (طبقا لمؤسسة BSA)، فالتقنية تعد المحرك الحقيقي للنمو الاقتصادي.
ونوه العفالق إلى أن القراصنة يسرقون الملايين من نسخ برامج الحاسوب ذات الحقوق المحفوظة في العالم أسبوعياً، بلغت نسبة القرصنة في السنة الماضية 35 في المائة من جميع البرامج المستخدمة حول العالم، وصادرت جهات تطبيق القوانين أكثر من 1.8 مليون نسخة من برمجيات مايكروسوفت المزيفة في مختلف أنحاء العالم فاقت قيمتها 266 مليون دولار خلال الشهور الـ18 الماضية.
انتهاك حقوق الملكية الفكرية
من جهة أخرى حذر المحامي محمد الضبعان ممثل منظمة اتحاد منتجي برامج الكمبيوتر التجارية في السعودية من ظاهرة (القرصنة) بعد أن قُدرت خسائر المملكة بـ 750 مليون ريال سعودي سنوياً، معتبراً أن مثل هذه الممارسات تهدد الاقتصاد الوطني وتساعد بشكل كبير على تقليل حجم الاستثمارات الأجنبية الموجهة للسوق المحلية من جراء هذه الأعمال التي قادت السعودية لتحتل المرتبة الثالثة عالمياً بين أكثر دول العالم انتهاكاً لحقوق الملكية الفكرية.
وبيّن الضبعان أن من أهم أسباب انتشار مثل هذه الظاهرة يعود إلى غياب القيم الأخلاقية لدى بعض المستخدمين للبرامج والموردين للمنتجات المغشوشة والمقلدة وضعف العقوبات، إضافة إلى غياب وعي المستهلك، الأمر الذي يؤمن لهذه السوق أرضاً خصبة للنمو والاتساع.
وعن العقوبات أشار الضبعان إلى أن نظام حقوق المؤلف الجديد قد نص على عدد من العقوبات بحق القراصنة بدأها بالإنذار وأنهاها بالسجن لمدة لا تزيد على ستة الأشهر، وغرامة مالية تصل إلى 500 ألف ريال، مؤكداً أن تطبيق قانون حماية الملكية الفكرية الذي تشرف عليه وزارة الثقافة والإعلام في الدول المتقدمة، يؤدي إلى زيادة نمو المجتمعات في العديد من النواحي، كالنواحي الاقتصادية، والتنموية، والبشرية، ويعد عاملاً رئيساً لخلق أفكار جديدة تسهم في تطوير الصناعات.
الحل!!
يرى ممثل اتحاد منتجي برامج الكمبيوتر التجارية في المملكة أن الحلول تتلخص في عدة نقاط أهمها: تحديد جهة واحدة مسؤولة في متابعة هذه الفئة واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقها، تعيين شركات أمنية خاصة إذا ما علمنا أن الشركات الأمنية على ارتباط مباشر مع الجهات الحكومية، إعطاء حقيقة الجريمة أهمية أكبر من خلال التدقيق في التحقيق والسعي للقبض على العقول المدبرة لهذه العملية، إصدار العقوبات الرادعة لمثل هذه التصرفات لما لها من تأثير في العلاقات الاقتصادية بين الدول، توحيد الجهة القضائية المختصة بالنظر في المخالفات لأحكام حقوق الملكية الفكرية، وأن تسهم في سرعة إنجاز الإجراءات للمتقاضين، ومتابعة ورصد وتوقيف مسوقي برامج الحاسب الآلي الذين يقومون بنسخها بشكل غير شرعي.
رأي الشرع.. لا يجوز نسخ البرامج إلا بإذن أصحابها
أصدرت هيئة كبار العلماء فتوى برقم (18453)وتاريخ2/1/1417هـ وترأسها فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ تنص على أنه لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها إلا بإذنهم، سواء كان صاحب البرنامج مسلماً أو غير مسلم غير حربي، لأن حق غير المسلم غير الحربي محترم كحق المسلم، وجاءت هذه الفتوى رداً على أحد المستفتين ممن كانوا يعملون في تجارة البرامج المنسوخة.