معادلة ناقصة بين دعم السلع ودخل الفرد في المملكة
يبدو أن ارتفاع معدلات التضخم بشكل عام في الاقتصاد السعودي خلال السنوات القليلة الماضية الذي صاحب الطفرة الاقتصادية الحالية, وتفشيه في بعض المواد الأساسية أبرز لنا قضية أساسية ذات علاقة مباشرة بالتضخم وذات علاقة بإدارة التضخم, وهذه القضية تحتاج إلى علاج جذري, ونظريا فإن علاج هذه القضية يقودنا إلى علاج عديد من القضايا التي سببها ارتفاع معدلات التضخم.
الطرح هنا يأتي على شقين, لعل أولهما هو ما أفرزته ظاهرة تضخم الأسعار في عديد من السلع الأساسية ذات العلاقة المباشرة بمعيشة المواطن مثل المواد الغذائية الأساسية كالرز والشعير, وكذلك المواد الحياتية الأساسية كمواد البناء والبنزين. فمنذ ظهور ظاهرة التضخم على السطح, والدولة تحاول بشتى الطرق أن تدعم معيشة المواطن ومع ذلك فإن محاولات السيطرة عليه لم تؤت ثمارا بسبب تشعب التضخم من كونه ناتجا عن النمو الاقتصادي المحلي أو ناتجا عن التضخم المستورد الناتج عن النمو العالمي وارتفاع أسعار النفط, ولذلك فإن محاولات السيطرة بدت غاية في الصعوبة, ولذلك جاء العلاج على أشكال مختلفة منها رفع الرواتب ودعم السلع الأساسية واستصدار قرارات تجارية تزيد من قسمة المعروض في السوق لتخفيض أسعار سلع معينة. والحديث هنا محدد بظاهرة دعم السلع التي بدأت بالبنزين وانتهت بالأرز كردة فعل طبيعية لموجة التضخم التي أصابت تلك المواد بغض النظر عن الأسباب.
وعند النظر إلى طريقة دعم السلع الأساسية فإن المبدأ صحيح, ولكن يبدو أن أبعاد التطبيق لم تصل إلى المستفيد الحقيقي من هذا الدعم, وهنا نقصد "المواطن", الذي يكون دخله محليا وإنفاقه محليا, وكذلك نقصد "بالمواطن المحتاج" من يحتاج إلى دعم بسبب قلة دخله المالي ومساعدة على السيطرة على ميزانيته المالية من مدخلات التضخم وجشع التجار سواء بزيادة دخله أو دعم مصروفاته, كما أشرنا سابقا.
الحاجة إلى تحديد المحتاجين إلى الدعم المالي المباشر والمحتاجين إلى الدعم المادي غير المباشر عن طريق دعم المصروفات, وذلك يكون بتحديد دخل الفرد بشكل حقيقي يعكس الحالة الحقيقية لدخله, وليس استنادا إلى معادلة حاسبية تخرج لنا رقما افتراضيا عن متوسط دخل الفرد في المملكة, ولذلك فإن الحاجة تبرز إلى وجود قاعدة بيانات حقيقية لجميع المواطنين لتحديد دخلهم الشهري أو السنوي, وفي ضوء ذلك فإننا نستطيع تحديد المحتاجين الحقيقيين إلى الدعم, والخطوة الأخرى تكون بتحديد المستفيدين "الحقيقيين" من الدعم الحالي للسلع بدل أن يكون الدعم يشمل "المستفيدين غير الحقيقيين" كالتجار والطبقات التي لا يمثل لها دعم السلع هاجسا ماليا, خصوصا وقد زاد عدد الأثرياء لدينا بعشرة آلاف ثري جديد خلال السنة الماضية وفقا لإحصائيات أثرياء العالم المنشورة أخيرا. ولذلك فإني أرى أن تحديد الدخل الحقيقي للفرد في المملكة هو الحل لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه.
فعلى سبيل المثال, ما نسبة المواطنين الحقيقيين المستفيدين من دعم الأرز؟ فدعم الأرز على الإطلاق يجعله يشمل طبقات تجارية تستفيد تجاريا من هذا الدعم, وكذلك يصل إلى طبقات قد لا يمثل سعر الأرز الحالي مصدر قلق ماليا. ولذلك فإذا استطعنا تحديد المحتاجين إلى ذلك الدعم المالي, وهو الفرق بين سعر الأرز قبل الدعم وبعده, وقمنا بدفع الفرق مباشرة للمحتاجين إليه فإن ذلك سيفي بالغرض من دعم المواطنين المحتاجين ويترك لهم الخيار في صرف ذلك الفرق, ومن جهة أخرى فإنه سيوفر مليارات الريالات على خزانة الدولة.
في مقام لاحق قد نستطيع تناول بعض الأسئلة المهمة ذات العلاقة المباشرة بالموضوع, مثل: كيف نستطيع تحديد المحتاجين الحقيقيين إلى دعم السلع؟ وكيف نستطيع حصرهم؟ وما القضايا الأخرى التي يمكن حلها من خلال معرفة دخل الفرد الحقيقي في المملكة؟