رخص البناء يجب ألا تصدر إلا بعد الالتزام باشتراطات المباني الخضراء

لقد أصبح إلزاميا في معظم دول العالم ومدته ألا تصدر رخص أو فسح البناء إلا بعد الالتزام والتأكد من أن تصميم المبنى وتنفيذه سيكون مطابقا لمواصفات المباني الخضراء. ويقصد بها المباني التي تحد من انبثاق الكربون في الهواء وتلوث البيئة ورئة المواطن. وأن يكون فيها توفير أكبر لاستعمال الطاقة سواء الكهرباء أو الوقود في أنظمة التبريد والتدفئة. وخاصة في تطوير مواد العزل الحراري والتكيف الموفر للطاقة واستعمال الطاقة الشمسية. وأصبحت تسمى مباني عديمة انبثاق أو انبعاث الكربون أو صفر اللانبعاث. وهو أصبح عرفا دوليا ومقايسة عالمية إجبارية يجب أن تتقيد بها جميع الدول. لذلك فإنني أرى أن وزارة الشؤون البلدية والقروية وممثلة بأماناتها وبلدياتها يحب أن تفكر جدياً في الموضوع قبل أن نجبر عليه. وألا يتم إصدار أية رخص وفسوحات مستقبلية إلا بعد مطابقتها لمواصفات المباني الخضراء. وأن يتم تعديل أو إضافة تلك الاشتراطات والمواصفات لكود البناء السعودي الذي سيصدر قريبا إن شاء الله. وأنظمة البناء والأمن وإطفاء الحريق لدى الجهات الأمنية والدفاع المدني وغيرها من الجهات التي لها علاقة. وأن يتم دعم الأبحاث العلمية في مجال البحث عن مواد أفضل للعزل وتطوير صناعة التكيف الصحراوي التي لم تتحسن منذ عقود.
وبعد مؤتمر جدة للطاقة الأسبوع الماضي ومطالبتي بأن تكون السعودية هي المقر السنوي لهذا المؤتمر وأن نكون نحن رواد الطاقة وأن نصوغ الرؤية المستقبلية للمملكة لنصبح دولة أو مملكة الطاقة. أجد أننا من أكثر الدول التي في حاجة إلى مثل هذه الاشتراطات في ظل ظروفنا المناخية الحارة والقارسة. وما يؤدي إليه ذلك من تكلفة عالية ومصروفات فوق قدرة بعض المواطنين من جراء الهدر الكبير في استعمال الطاقة للتكييف.
واسم المباني الخضراء المقصود به إضافة إلى كون المبني ذكيت أو مثقفا فإنه يجب أن يصل إلى مرحلة من التحكم بالطاقة ليصل معدل ما يبعثه المبنى من الكربون الملوث للجو درجة الصفر Zero Emmision. وذلك يتطلب مواصفات عالية من العزل الحراري واستعمال الأجهزة التي تستعمل غازات لا تصدر التلوث. وكما أشرت في مقال سابق فإننا يجب ألا نخلط بين الأسماء الثلاثة للمباني وهي الذكية Smart والعبقرية التي تستطيع التعرف على الأشياء Intelligent والخضراء Green. ثلاث عبارات تختلف في المعنى، المقصود منها ولكنها مترابطة. فالذكية تطلق على المباني من حيث شكلها الخارجي ومدى استعمالها مواد وخطوطا وأشكالاحديثة مثل استعمال الإضاءة النيونية والليزر والخطوط الحادة والأشكال الفضائية. بينما العبقرية هي التي تستعمل تقنية الأرقام والحاسوب لمعظم الشبكات الداخلية والخارجية وربطها مع نظام إدارة المبنى ببروتوكول الإنترنت IP لضمان كفاءة التشغيل للمبنى بدقة وكفاءة توفر تكلفة استعمال الطاقة والأيدي العاملة.

ومن المتوقع أن نرى في القريب العاجل تطويرا لاستعمالات أكثر ابتكاراً للطاقة الطبيعية. وخروج أنظمة ومتطلبات إجبارية للتخلص من الطاقة المضرة بالبيئة. وفي مجال استعمالات المباني يعد المجلس الأمريكي للمباني الخضراء هو الذي يقود العالم حاليا للطاقة ومواصفات المباني الخضراء القياسية. تحت اسم ليد LEED، لدرجة أن معظم المدن الأمريكية مثل مدن بوسطن، سياتل، نيويورك، وشيكاغو مجبرة على الحصول على شهادة من المجلس قبل بناء أي مبان متعددة الأدوار. وهي مواصفات تمس أكثر من 70 عنصرا ومادة بناء وتبدأ من أنظمة التخلص من النفايات أو تخفيضها إلى عمر المبنى وجودة المواد إلى نوع الزجاج العازل ومواد العزل. والتأكد من إحكام مجاري الهواء والتوصيلات وتقديم منتجات إضاءة لا تبعث على رفع الحرارة مثل "سبوت لايت". للحصول على جو داخلي مريح وبأقل التكاليف للطاقة. وكل المباني المستقبلية لا بد أن تخضع لهذه إلا (..)، ويبدو أننا في المملكة والشرق الأوسط أصبحنا أمام الواقع وأننا مجبرون على السير خلف القافلة. فالأمور تزداد سوءا والعالم من حولنا لن يقف كالمشاهد دون أن يوقع علينا العقوبات تباعَ.
ويعزى التوجه الإلزامي إلى جهود أو انتصار داعمي مؤتمر البيئة الدولي العام الماضي، وما نادى به الخبراء عن الاحتباس الحراري والتوجه إلى سيارات الطاقة الشمسية والإلكترونية والنيتروجينية وبدائل الطاقة والوقود للتحول إلى توليد الطاقة بالمراوح أو التوربينات الهوائية ونفق الهواء والطاقة الشمسية. وأخيرا أصبح العالم مجبرا على الانصياع لاحترام البيئة بعد أن تأزم الموقف وزادت خطورته على حياة الإنسان وبقائه على هذه الأرض.
يبدو أن التركيز على البدائل الجديدة للطاقة التي لا تؤثر على الاحتباس الحراري هي في تطوير الطاقة الطبيعية من الشمس والهواء والرياح والمياه والمواد العضوية الطبيعية مثل الكحول والسكر والحبوب الزراعية. وهو توجه قد يكون له منافسة اقتصادية هائلة وقد يكون مرتكزا لاقتصادات معظم الدول. وهو توجه في طريقين متوازيين، الأول لتطوير بدائل الطاقة بأنواعها المختلفة والآخر لتوفير صرف أو إهدار الطاقة وخاصة في الآليات والمكائن والسيارات والشاحنات والطائرات. وكذلك في المباني الخضراء. حيث توصلت بعض الشركات الأمريكية إلى تبني فكرة الأسطح الخضراء التي توفر 25 في المائة من طاقة التكييف. وهي أسطح عبارة عن حديقة عادية في السطح بعمق نحو عشرة سنتيمترات وتزرع عليها نباتات معينة لا تطول وليس لها جذور تخترق السطح وتتم عادة سقياها من مياه المطر وشبكة ري احتياطية في حالة قلة المطر. وبذلك فإن الحديقة من الرمل والنباتات تعمل كعازل حراري جيد في الصيف وكذلك لحفظ الحرارة داخل المبنى في الشتاء.
وهذا التوجه يعتبر فكرة قديمة بدأت في ألمانيا حيث وصلت مساحة تلك المباني حدود ثلاثة آلاف فدان عام 2003م. وأخيراً قام مجلس مدينة تورونتو الكندية بالأخذ على عاتقة أن تغطي الأسطح الخضراء 50 إلى 70 في المائة من أسطح مدينة تورونتو.
وفي الوقت نفسه بدأ المجلس الأمريكي للمباني الخضراء في التوجه إلى عدم الترخيص للمباني السكنية إلا بعد التقيد بمواصفات واعتبارات للمباني الخضراء ومدى التوفير في الطاقة وطول عمر المبنى وتقليل مدى ما يبعثة للهواء الخارجي من تلوث. ومدى تنقيته الجو الداخلي لسكان المنزل.
الاحتباس الحراري يبدو لي أنه شر لا بد منه. ونحن نعاني قلة المطر والحرارة الشديدة فماذا يحمل لنا المستقبل؟ ويصاحبه ارتفاع أسعار البناء فهل نعود إلى البناء بالحجر والطين ونطور الملاقف ونعيد حدائق بابل المعلقة، أم نطور صناعة المكيفات الصحراوية التي مازالت بدائية؟ والتي توفر كثير من الطاقة مقارنة بأنظمة التكييف الأخرى. حري بنا أن نهتم بإلزام الجميع بالتقيد بالمباني الخضراء والبحث عن البدائل الحديثة والصديقة للبيئة قبل أن نضطر إلى استيرادها. ودعوة إلى المسؤولين عن مدننا ومراكز البحث للحاق بالقافلة قبل أن تفوتنا.

مستشار عمراني ومخطط حضري

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي