الشيخ السند: بعض صور التورق المصرفي تثير الريبة
اعتبر فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله السند الأستاذ في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن بيع السلعة بعد تملكها من البنك لطرف ثالث بعيدا عن البنك يجيز التورق المصرفي، وأكد ذلك في محاضرة ألقاها أخيرا في جامع الأمير تركي بن عبد الله في الرياض، أن ما يثير الريبة أن المشتري بمجرد أن يجري إجراءات البيع مع المشتري على أساس أنه يبيع السلعة المشتراة يودع المبلغ في اليوم التالي في حساب المشتري، وهنا يكون التورق محرما لأنه لا بد أن يكون ممتلكا للسلعة وهو يبيعها لطرف ثالث، وأكد الدكتور السند أنه تقع على عاتق العلماء والفقهاء وطلاب العلم مسؤولية كبيرة تتطلب منهم ضرورة تبيان الأحكام الشرعية في بعض القضايا والمستجدات في المعاملات المالية المعاصرة، وأضاف أن هناك أعدادا غير قليلة من الناس بحاجة إلى ذلك مما يتطلب الاهتمام بها وإطلاع الناس عليها، توخيا لعدم الوقوع في المحظور الشرعي لهذه المعاملات المالية المعاصرة التي لها صور متعددة، وقال إنه من الضروري إيضاح هذه الصور ليتعرف عليها الناس، انطلاقا من المسؤولية الشرعية المستقاة من القرآن والسنَّة، حتى أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، شدد في الإنكار على الذين يدخلون السوق دون علم بأحكام البيع ونحوه مما يحتاج إليه المسلم في معاملاته يقول عمر، رضي الله عنه: (لا يبع في سوقنا إلا من تفقه في الدين).
وأشار إلى أنه ليس المطلوب تعلم دقائق المسائل في هذا العلم ومعرفة خلاف العلماء وأدلة كل فريق، بل يكفي تعلُّم ما يحتاج إليه المسلم عند التعامل وأن يتعلَّم أحكام ما يقوم به من معاملات. .
وقال من المعلوم إن الشريعة جاءت كاملة شاملة مبنية على اليسر، ومن يسر الشريعة أن الشارع الحكيم أباح التعامل بين الناس بما يحتاجون إليه من ببيع وشراء وتعاقد بأنواع العقود وجعل الأصل في هذه المعاملات الإباحة، فكل معاملة خلت من الغرر والربا والظلم والميسر فهي مباحة.
المؤسسات والمحال التجارية
وأكد الدكتور السند أن المسابقات التجارية أولى المعاملات المالية المعاصرة التي تستحق الحديث عنها وعدها من الميسر، وقال إن النصوص الشرعية وإجماع العلماء جاءت بتحريم الميسر، بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (90) سورة المائدة، وفي الصحيحين أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (من قال لصاحبه تعالى أقامرك فليتصدق)، والإجماع انعقد على أن الميسر فيه مفسدة في الدين ومفسدة في المال، وما تقوم به بعض الشركات والمؤسسات والمحال التجارية من وضع ملصقات مجزأة في أجزاء سلعة معينة غالباً ما تكون هذه الأجزاء شكلاً معيناً فمن اشترى بكذا حصل على بطاقة فيها جزء من هذه الصورة وإذا كرر الشراء حصل على جزء آخر حتى تكتمل الصورة، صورة جهاز أو سيارة ثم بعد ذلك تعطى السيارة أو الجهاز للمشتري إذا استطاع أن يكمل أجزاء الصورة، وقد يحصل المشتري الجزء المطلوب فيغنم بعد أن يكون قد اشترى من هذه السلع ربما ما لا يحتاج إليه وقد لا يحصله فيغر، وهذا هو القمار لأنه يشتري من السلع ما لا حاجة له به بقصد الحصول على الهدية، فهذا قمار وميسر وفيه إسراف وتبذير وإضاعة للمال من غير وجه، والنبي، صلى الله عليه وسلم، قال (إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال) يقول ابن القيم: (إذا تأملت في هذه المغالبات رأيتها كالخمر قليلها يدعو إلى كثيرها وكثيرها يصد عما يحبه الله ورسوله ويوقع فيما يغضب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم).
احتياجه المال وربما ليس لضرورة
وفي السياق ذاته، يشير الدكتور السند إلى معاملة أخرى من المعاملات المالية المعاصرة وهي ما يتعلق بالتورّق المصرفي حيث يقول إن كثيرا من الناس اليوم لمجرد احتياجه المال وربما ليس لضرورة كبيرة وسد حاجة عنده يتجه إلى التورّق المصرفي حتى أصبح عند البعض تجارة.
ويضيف أن التورّق المصرفي له صور عديدة، ومن الصور الشائعة ما تجريه بعض البنوك مع الناس، فعندما يطلب أحدهم قرضاً من بنك معين ليكن مثلاً (100) ألف ريال يقول له البنك نحن نبيع عليك معادن أو بعض السلع مؤجلة بمائة وعشرين ألف ريال، ثم توكلنا لبيعها لطرف ثالث بمائة ألف ريال حالة ومن الغد تجد المبلغ (100) ألف في حسابك.. ويأتي المقترض ويوقِّع على عدة أوراق ويجد المبلغ بعد ذلك في حسابه (100) ألف وهو مطالب بتسديد (120) ألف ريال.. وهذا التعامل بحثته بعض المجامع الفقهية ومنها المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وخلص المجمع بأعضائه بحرمة هذا النوع من التورّق المصرفي وذلك لعدة أمور أولها: أن من شروط صحة التورّق أن يكون البائع للسلعة مالكاً لهذه السلعة ولا يجوز له أن يبيع ما لا يملك ثم أيضاً إذا باعها فلا يتصرف فيها المشتري (المتورِّق) إلا بعد قبضها، ثم أيضاً من الشروط أن يبيعها على طرف ثالث لا علاقة له ألبتة بالبائع وإلا أصبحت عينة، والعينة عند جماهير أهل العلم محرمة (البيع بالعينة).. فهذا النوع من التورّق لا يجوز ومحرم، وهناك بعض أنواع التورّق عند بعض البنوك جائزة وذلك بتحقق الشروط وأن يكون البنك مالكاً للسلعة مثلاً سيارة فيبيعها على المتورِّق مؤجلة، فإذا كانت قيمتها مثلاً (50) ألفاً يبيعها البنك مثلاً بـ (60) ألفاً مؤجلة فيقبض المتورِّق هذه السيارة ويبيعها على طرف ثالث لا علاقة له بالبنك، فهذا التورّق جائز عند جمهور العلماء.
معاملات لها وجود سابق
وينتقل الدكتور السند لمعاملة مالية متجددة كان لها وجود سابق وهي تتمثل في الصورة التالية التي تقول: إنه إذا كان هناك شخص يريد شراء بيت معين ولكن ليس لديه المال فيذهب إلى البنك ويتفق معه على أن يشتري له هذا البيت على أن يشتري هذا الشخص البيت من البنك بالأجل نظير ربح معين يذهب إلى البنك ويتفق عليه..
وهذه الصورة من المعاملات لها وجود سابق وليست من الصور المعاصرة فقط كما ذكر ذلك العلامة ابن القيم، رحمه الله، في أعلام الموقعين، فالموقف من هذه الصورة أنه إذا تم اتفاق بين الطرفين قبل شراء البنك لهذه السلعة أو هذه الدار فلا يجوز لأنه لا يجوز للإنسان أن يبيع ما لا يملك، فالضوابط في مثل هذا النوع من المعاملات هو خلوها من الالتزام كتابة أو مشافهة بإتمام البيع قبل الحصول على العين بالتملُّك والقبض، وأيضاً أن تخلو من الالتزام بضمان هلاك السلعة أو تضررها من أحد الطرفين، بل هي على الأصل من ضمان البنك.
بطاقات الائتمان
وتناول الدكتور بطاقات الائتمان كإحدى المعاملات المالية المعاصرة فيقول إن هذه البطاقات هي مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري بناءً على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع.
فهذه البطاقات التي تسمى (الفيزا (أو) المستر كارد) أو غيرها ما حكمها من الأحكام المتعلقة بهذه البطاقات غرامات التأخير في السداد، ففي الغالب تتضمن اتفاقية إصدار هذه البطاقات تحميل صاحب البطاقة غرامة تأخير لمجرد التأخير عن تسديد كامل مبلغ فاتورة البطاقة إلى ما بعد مهلة سماح معروفة عندهم.. هذه الغرامة حكمها أنها من ربا النسيئة الممنوع شرعاً، فالأصل حرمة وبطلان اشتراط فوائد التأخير فلا يجوز أخذ ولا إصدار بطاقات الائتمان غير المغطاة ولا التعامل بها إذا كانت مشروطة بزيادة وغرامة، وقد يقول قائل أنا سآخذ البطاقة وسوف أسدد في فترة السماح، ولن أضطر إلى غرامة التأخير، فنقول: إن الدخول في هذا العقد أصلاً لا يجوز لأنه يتضمن على شرط ربوي محرم وهذا ما نصت عليه كثير من المجامع الفقهية كما في قرار مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي عام 1421هـ.
النوع الثاني من بطاقات الائتمان
ويبين أن النوع الثاني من بطاقات الائتمان هي البطاقات التي لا تتضمن شرط الزيادة الربوية على أصل الدين، فالذي ذهب إليه كثير من الفقهاء المعاصرين أن مثل هذه البطاقات يجوز إصدارها والتعامل بها ويتفرع عن ذلك جواز أخذ مصدر البطاقة من العميل رسوم مقطوعة بصفتها أجراً، فعليهاً على قدر الخدمات المقدمة، أما إذا كانت هذه الرسوم زائدة عن الأجرة الفعلية، فالصحيح أنه لا يجوز أن تكون الرسوم المقررة نظير تقديم الخدمة زائدة عن الرسوم الفعلية، ويرتبط بذلك أن شراء الذهب والفضة بالبطاقة غير المغطاة لا يجوز فيشترط لصحة بيع الذهب والفضة بالنقود الورقية بالتقابض في البدلين أي التسليم الفوري لكل من الثمن أو الذهب أو الفضة وهذا لا يحصل في بطاقات الائتمان غير المغطاة حتى وإن كان هناك اطمئنان وثقة وتعهد وضمان بالمبلغ فعن طريق البطاقة ليس هناك تقابض في الحال الذي هو شرط صحة الذهب والفضة. حتى البيع بالعملة الورقية فيما يتعلق بالذهب والفضة يشترط في صحته التقابض يداً بيد.. فلا يجوز شراء الذهب والفضة بالبطاقات الائتمانية ومثله أيضاً شراء العملات النقدية بالبطاقة الائتمانية فهو لا يجوز لعدم وجود التقابض، يقول، صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة...)، إلى أن قال (مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد فإن اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم.