تراجع معدلات التوظيف يزيد احتمالات خفض إضافي للفائدة الأمريكية
على الرغم من حالة الطوارئ التي أعلنها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مطلع الأسبوع ما قبل الماضي بإعلانه تخفيض سعر الفائدة بثلاثة أرباع نقطة مئوية، واتباعه ذلك بتخفيض منتصف الأسبوع الماضي بمعدل نصف نقطة مئوية، إلا أن بوادر الركود الاقتصادي تتضح أكثر فأكثر فقد فاجأ تقرير التوظف والبطالة المحللين بخسارة سوق العمل الأمريكية 17 ألف وظيفة خلال كانون الثاني (يناير) ولأول مرة منذ أربع سنوات، الأمر الذي يعد دلالة قوية على دخول الاقتصاد الأمريكي مرحلة الركود الاقتصادي. وانخفاض عدد الوظائف يعد مؤشراً قوياً على نمط الاستهلاك المستقبلي للأفراد، الذي يشكل أهم محفزات النمو الاقتصادي الأمريكي، مما يعني أن عام 2008 سيشهد تباطؤاً اقتصادياً كبيراً بالنسبة للاقتصاد الأمريكي.
وكان رئيس الاحتياطي الفيدرالي بيرنانكي قد أشار منتصف الأسبوع الماضي بعد إعلان تخفيض الفائدة بواقع نصف نقطة مئوية إلى أن مخاطر النمو المتباطئ لا تزال قائمة، مما يعني أن انخفاض عدد الوظائف خلال هذا الشهر سيعزز من رؤية أعضاء لجنة سياسات السوق المفتوحة، الذين يقررون السياسة المتعلقة بسعر الاقتراض قصير الأجل كل ستة أسابيع، وبالتالي يدعم توقعات المحللين بخفض إضافي لسعر الفائدة، حيث زادت احتمالات خفض سعر الفائدة بين أوساط المحللين بمعدل نصف نقطة مئوية أخرى خلال الاجتماع الدوري في آذار (مارس) المقبل، ولتبلغ بذلك معدل 2.5 في المائة.
وكانت مؤشرات أخرى على هذا المستوى من التوظف قد ظهرت منتصف الأسبوع الماضي ومنها الزيادة الحادة في طلبات تعويض البطالة والنمو المتواضع في إنفاق المستهلكين فقد زادت طلبات تعويض البطالة من مستوى 69 ألفا إلى 375 ألف طلب خلال الأسبوع المنتهي في السادس والعشرين من كانون الثاني (يناير)، مما يعد الارتفاع الأكبر خلال أسبوع واحد منذ أكثر من عشر سنوات. إضافة إلى ذلك تستقر طلبات تعويض البطالة عند أعلى مستوى لها منذ تشرين الأول (أكتوبر) عام 2005 الذي أعقب إعصار كاترينا، الذي أدى إلى خسارة الكثير من الناس هناك وظائفهم.
من ناحية أخرى ارتفع إنفاق المستهلكين بمعدل لم يتجاوز 0.2 في المائة من الشهر الماضي، مقارنة بمعدل 1 في المائة خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. أما فيما يتعلق بالدخل الشخصي فقد ارتفع بمعدل 0.5 في المائة خلال كانون الأول (ديسمبر) الماضي بالمقارنة مع معدل 0.4 في المائة خلال تشرين الثاني (نوفمبر). وهذا يعد مؤشراً على تراجع ثقة المستهلكين في الاقتصاد مما يؤدي إلى تحولهم إلى الادخار بشكل أكبر خشية تراجع مستوى دخولهم المستقبلية. وفيما يتعلق بالنمو الاقتصادي نما الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الأخير من عام 2007 بمعدل لم يتجاوز 0.6 في المائة وذلك حسب وزارة التجارة الأمريكية بينما بلغ معدل النمو لعام 2007، 2.2 في المائة متراجعاً من مستوى 2.9 في المائة الذي بلغه خلال عام 2006. وفي هذا التراجع مؤشر آخر على اتجاه الاقتصاد الأمريكي بكامل قطاعاته إلى الركود، حيث تعد هذه المرحلة من التباطؤ في النمو الاقتصادي مؤشراً على هذا الاتجاه.
ويبدو أن السياسة النقدية تتخذ مفترق طرق، حيث تختلف أهدافها من دولة إلى أخرى في العالم ففي حين بدأت الولايات المتحدة بالتركيز على مسألة النمو الاقتصادي وجعلها أهم أهداف السياسة النقدية المتبعة حالياً، تركز السياسة النقدية في مناطق أخرى في العالم على مكافحة التضخم وتعده العدو الحالي للاقتصاد ففي منطقة اليورو استمر البنك المركزي الأوروبي على جعل التضخم الهدف الرئيسي للسياسة النقدية، حيث أبقى على سعر الفائدة عند مستواها المرتفع بواقع نقطة مئوية عن مستوى سعر الفائدة الأمريكية، مما دفع بالعملة الأوروبية عند مستوى مرتفع في مقابل الدولار ولتبلغ الأسبوع الماضي مستوى 1.4866 دولار لكل يورو. وعلى الرغم من ذلك لم يبلغ اليورو مستواه القياسي، الذي بلغه خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عندما بلغ مستوى 1.4968 دولار لكل يورو، مما يعد مؤشراً على أن المستثمرين يتوقعون أن ينزلق الاقتصاد الأوروبي إلى المنحدر نفسه الذي يسير فيه الاقتصاد الأمريكي. وإلى ذلك الحين سيبدأ البنك المركزي الأوروبي بتخفيض سعر الفائدة مما سيعزز وضع الدولار الأمريكي مرة أخرى أمام العملات الأخرى، وهذا كله منوط بعدم ظهور مؤشرات أخرى تدل على تراجع في الأداء المستقبلي للاقتصاد الأمريكي. ويبدو أن تفاقم مشاكل شركات تأمين السندات مثل MBIA وAmbac، التي تعاني خسائر كثيرة بسبب دخولها في مجال تأمين السندات المدعومة بقروض الرهن قد يؤدي إلى تعميق المشاكل الاقتصادية، التي يعانيها الاقتصاد الأمريكي وبالتالي إلى إطالة أمد فترة الركود الاقتصادي الحالية.