رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تقنين الحيل المُحرّمة!

Al-qasm-y@hotmail٠com

كم هو مخجل أن يصدح أحد المحامين الغربيين بقوله: "إن المسلمون يستطيعون التحايل على ربهم بما لا نستطيع أن نتحايل به على قضاتنا!" قال أحدهم ذلك متعجباً مما تقوم به بعض المصارف الإسلامية والبنوك من تحايل على الربا! وقد أصاب والله كبد الحقيقة, فقد أصبحت بعض المعاملات المصرفية (الإسلامية) في البنوك والمصارف المهتمة بأسلمة التعاملات البنكية, ليس لها من اسمها نصيب! ولا ندري متى يأتي اليوم الذي نرى فيه منتجات إسلامية المولد والنشأة, بعيداً عن المنتجات المسخ, والتي لا تزيد الواقع إلا ضغثا على إبالة؟! وإذا كان التحايل على النظام للالتفاف على بعض نصوصه ممنوعاً - ولله المثل الأعلى - فما الظن إذاً بالالتفاف على نصوص الشارع, والتحايل على الله تعالى بأدنى الحيل؟ ألم تكن هذه الحيل المُحرّمة سبباً في إضعاف الثقة ببعض التعاملات البنكية الإسلامية, كما حصل لبعض الدول الغربية والشرقية حين وقعت أزمة الثقة في الصكوك الإسلامية قبل أشهر؟! ألا يحق لتلك الدول الأجنبية أن تعيش في مثل هذه الأزمة وآخرها اليابان؟!
إن فرصة إقبال الدول الغربية والشرقية على التعاملات الإسلامية لا ينبغي أن تفرط منا؛ بسبب ضبابية معاييرنا الشرعية للمعاملات المصرفية, بل يجب أن تكون معاييرنا الشرعية واضحة, وتطبيقنا لها أكثر وضوحا, ولا يصح أن ننتج تعاملات مصرفية باسم "الإسلامية"، وهي منتجة بلا نسب شرعي, وهذه سقطة سنُسأل عنها يوم القيامة, ومن هذه المنتجات المسخ, ما يسمى "التورق العكسي, أو مقلوب التورق"، وقد انبرى لهذا المنتج، الجديد القديم، المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في اجتماعه الأخير, حيث أصدر قراراً بشأنه, وضع فيه النقاط على الحروف, ولهذا أكتفي بنقله لأهميته, وقد جاء فيه ما نصه: "فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي في دورته 19 المنعقدة في مكة المكرمة, قد نظر في موضوع: (المنتج البديل عن الوديعة لأجل)، والذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر تحت أسماء عديدة، منها: المرابحة العكسية، والتورق العكسي أو مقلوب التورق، والاستثمار المباشر، والاستثمار بالمرابحة، ونحوها من الأسماء المحدثة أو التي يمكن إحداثها.
والصورة الشائعة لهذا المنتج تقوم على ما يلي:
1. توكيل العميل ( المودع ) المصرف في شراء سلعة محددة، وتسليم العميل للمصرف الثمن حاضراً.
2. شراء المصرف للسلعة من العميل بثمن مؤجل، وبهامش ربح يجري الاتفاق عليه.
وبعد الاستماع إلى البحوث والمناقشات المستفيضة حول هذا الموضوع، قرر المجلس عدم جواز هذه المعاملة؛ لما يلي:
1. أن هذه المعاملة مماثلة لمسألة العينة المحرمة شرعاً، من جهة كون السلعة المبيعة ليست مقصودة لذاتها، فتأخذ حكمها، خصوصاً أن المصرف يلتزم للعميل بشراء هذه السلعة منه.
2. أن هذه المعاملة تدخل في مفهوم (التورق المنظم)، وقد سبق للمجمع أن قرّر تحريم التورق المنظم بقراره الثاني في دورته 17، وما علل به منع التورق المصرفي من علل يوجد في هذه المعاملة.
3. أن هذه المعاملة تنافي الهدف من التمويل الإسلامي، القائم على ربط التمويل بالنشاط الحقيقي، بما يعزز النمو والرخاء الاقتصادي.
والمجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في رفع بلوى الربا عن الأمة الإسلامية، ويؤكد أهمية التطبيق الصحيح للمعاملات المشروعة والابتعاد عن المعاملات المشبوهة أو الصورية التي تؤدي إلى الربا المحرم, فإنه يوصي بما يلي:
1. أن تحرص المصارف والمؤسسات المالية علــى تجنب الربا بجميع صوره وأشكاله؛ امتثالاً لقوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
2. تأكيد دور المجامع الفقهية، والهيئات العلمية المستقلة، في ترشيد وتوجيه مسيرة المصارف الإسلامية؛ لتحقيق مقاصد وأهداف الاقتصادي الإسلامي.
3. إيجاد هيئة عليا في البنك المركزي في كل دولة إسلامية، مستقلة عن المصارف التجارية، تتكون من العلماء الشرعيين والخبراء الماليين؛ لتكون مرجعاً للمصارف الإسلامية، والتأكد من أعمالها وفق الشريعة الإسلامية. والله ولي التوفيق, وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وآله, وصحبه". هذه صورة مصغرة لإحدى المعاملات المستنسخة, والتي تجأر إلى الله تعالى من هذا التحايل المكشوف, وقد أحسن المجمع حين أصدر مثل هذا القرار, ونأمل أن يتابع المجمع ونحوه من المجامع الفقهية المستقلة, دراسة مثل هذه التعاملات, والتي تضر بسمعة الاقتصاد الإسلامي, وتشوه صورته, وهو منها براء, والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي