الأسعار .. ارتفاع النفط وهبوط الدولار
قبل أسابيع ذهب أحد سماسرة النفط إلى فراشه قرير العين بادي السعادة ينثر البشر أفراحه بين يديه ومن خلفه حيث كان أول من اشترى برميل النفط بمائة دولار وإن كانت مشترياته لم تتجاوز عددا محدودا من البراميل إلا أنه رغب أن يدخل التاريخ ليكون أول سمسار يشتري البرميل بمائة دولار وهناك آخرون مغرمون بدخول التاريخ من أبواب متعددة فقد فوجئنا في حيّنا عند بدء التسجيل للانتخابات البلدية، بأحد سكان الحي يذهب إلى مكان التسجيل في جامعة الملك سعود قبل صلاة الفجر رغبة منه في أن يكون أول شخص يتلقى البطاقة الانتخابية، وقد تم له ما أراد وقد فوجئنا بذات الشخص يرشح نفسه للانتخابات رغبة منه في دخول التاريخ، ومع أننا في الحي قد طلبنا منه عدم منافسة مرشح الحي إلا أنه أشار إلى أن رغبته فقط هي دخول التاريخ ـ وفي ضوء ما يحدث للأسواق العالمية والسوق المحلية من عواصف هوجاء من ارتفاع سعر الطاقة وانخفاض الدولار وأزمة الرهن العقاري والتضخم في كثير من الدول العربية والخليجية على وجه الخصوص وقد قفزت أسعار النفط في أكبر زيادات سنوية مدفوعة بعوامل متعددة منها محدودية الطاقة المصفاة في أمريكا وازدياد الطلب في الهند والصين وغيرهما من البلدان النامية ـ ويقابل ذلك أيضا الأوضاع السياسية المتردية في كثير من الدول المصدرة للبترول كاتجاهات فنزويلا السياسية وتجدد العنف في نيجيريا ثامن أكبر بلد مصدر للنفط وكذلك زيادة المخاوف من وجود اضطراب سياسي في منطقة الخليج العربي نتيجة المشاحنة المستمرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ـ كما دفعت برودة الطقس في شمال غرب أوروبا وبعض الولايات المتحدة الأمريكية الأسعار للازدهار ـ كما أن بعض العوامل الطبيعية قد تؤثر في أسعار النفط واستمرار ارتفاعها كغلاء معدات الحفر وتمديد الأنابيب وبناء المصافي وارتفاع أسعار المواد بشكل عام ـ كما ترى منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" أن عوامل خارج نطاق العرض والطلب تؤثر في أسعار البترول مثل التوتر السياسي والمضاربة من قبل المستثمرين، حيث تعزز هذه الأحداث ارتفاع الأسعار وليس ذلك بسبب نقص إمدادات الخام ـ كما أن الوضع المتردي في العراق وكذلك زيادة الطلب في الهند والصين وبعض الدول النامية يدفع دائماً الحاجة إلى منتجات نفطية جديدة وأسواق جديدة ومستهلكين جدد خاصة وأن الولايات المتحدة لديها مخزون استراتيجي كاف لمواجهة طلباتها لفترة زمنية كافية مع أن كثيرا من المحللين يرون أن تراجع المخزون الأمريكي من النفط لم يكن سمناً وعسلاً على الدول المصدرة والمنتجة فقد عانت هذه الدول مؤشرات تضخمية كبيرة تهدد بالتأثير في التوازن الاجتماعي الطبقي في هذه الدول، حيث تمثل الطبقة المتوسطة من الأساتذة والدكاترة والموظفين وأصحاب الياقات الزرقاء الوقود الأساسي للنمو الاقتصادي ومع تراجع دخول هذه الطبقة ومحدودية إنفاقها مستقبلاً بسبب التضخم وتراجع أسعار الدولار إلى مستويات قياسية دنيا يجعل هذه الطبقة أكثر المتأثرين بهذا الواقع مما قد يؤثر في التزاماتها المالية والاقتصادية ويؤثر في مستوى الإنفاق ليس على الكماليات فقط ولكنه قد يصل إلى الضروريات ولعل ما أصاب هذه الطبقة في المملكة ومنطقة الخليج العربي وبعض الدول العربية من انتكاسة لسوق الأسهم وأسعارها وكذلك موجة الغلاء والتضخم التي تضرب بقوة وقسوة هذه الأسواق ستؤثر جداً في مستوى إنفاق هذه الطبقة ـ كما أن الدول في هذه المنطقة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بمد يد العون والمساعدة إلى الطبقة المحتاجة في هذه البلدان خاصة وأنه لم يعد باستطاعة رب الأسرة المكونة من خمسة أفراد متوسطي الدخل على الأقل مواجهة أعباء زيادة الأسعار الإضافية على السلع والخدمات ولعل دراسة متأنية لأساليب دعم هذه الطبقة تأتي من أولويات هذه الدول خاصة أن الصدمات المتتالية على هذه الطبقة وشبح الغلاء المسيطر على رؤوسهم وبساط الفقر المفروش تحت أقدامهم قد تخللت البنية الاجتماعية للرفاه الاجتماعي، وقد أحسنت حكومة المملكة صنعاً في المسارعة في دعم الأسعار للمواد الأساسية الأرز والحليب وكذلك اتخاذ حزمة من القرارات المهمة مثل دفع إعانة الغلاء كزيادة الرواتب للمتقاعدين والموظفين بنسبة 5 في المائة لمدة ثلاث سنوات وتحمل 50 في المائة من أجور الموانئ وتخفيض بعض المصاريف المباشرة مثل جواز السفر والإقامة للعاملين منزلياً ورخصة القيادة وتنشيط هيئة الإسكان وإصدار نظام الرهن العقاري.