رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


من يرفض ويقاوم المتابعة والتقويم؟!

[email protected]

إحدى أهم الآفات التي تُفشِل الخطط آفة عدم المتابعة والتقويم, وهي آفة منتشرة بشكل كبير في مؤسساتنا الحكومية والخاصة وغير الربحية, وهو ما يجعل كثيرا من الخطط المحكمة والأموال المرصودة تتحول إلى هشيم تذروه الرياح دون محاسبة, وهو ما يحفز كثيرين على المزيد من الفساد المالي والإداري ليدفع الوطن والمواطن الثمن غاليا, ولقد باتت كفاية المال السعودي (المال مقسوم على الناتج ) غير مرضية, والقصص التي تثبت ذلك كثيرة ومتعددة.
العمليات الإدارية من تخطيط وتنظيم وتوجيه ومتابعة من أجل التغذية الراجعة ومن ثم إعادة التخطيط بناء على تلك التغذية تغص بها كتب منظري الإدارة والعاملين فيها, خصوصا أولئك الذين حققوا نجاحات كبيرة في إدارة مؤسساتهم, وكلنا يعلم أهمية كل عملية من تلك العمليات وارتباطها بالأخرى والآثار السلبية المترتبة على عدم الاهتمام بأي منها بالشكل السليم, ومع ذلك تجدنا نهمل تلك العمليات خصوصا المتابعة وما يتبعها من عمليات تقويمية دون مبرر بشكل يجعل الحليم حيران إذا فكر بشكل منطقي, وهو ما يجره إلى التفكير إلى مساحات أخرى منها سوء النية وغياب الأمانة إضافة لضعف الثقافة الإدارية التي يمكن معالجتها بالمزيد من التوعية.
أحد العاملين في إدارة التخطيط في إحدى المؤسسات الخاصة يقول إن لغة الوصف تغلب على الأهداف بينما تتضاءل لغة الكم, أما زمن تحقيق الأهداف فإن لم يكن غائبا فإنه مفتوح بشكل مطاطي كبير. ويضيف إذا كان هذا حال الخطط فما حال المتابعة التي لن تجد مقاييس ومعايير تحدد مدى التقدم أو التأخر في تحقيق الأهداف وأسباب ذلك لمعالجتها بخطط موازية أو بديلة أو مساندة أو حتى طارئة؟!

آخر يعمل في جهاز حكومي يقول إن الخطة الاستراتيجية للمؤسسة التي يعمل فيها يمكن أن يطلق عليها قائمة أمنيات أكثر منها استراتيجية تشتمل على أهداف وصفية كمية محددة المدة, وهو ما يجعل متابعة تنفيذها أقرب إلى الخيال, متسائلا كيف ستتم متابعة تنفيذ خطة استراتيجية لا تشتمل على أهداف واضحة ومحددة ومدة تنفيذ هذه الأهداف؟ وفي هاتين الحالتين سبب ضعف المتابعة, ويتمثل في خطط ليست بخطط.

أحد العاملين في إدارة المراقبة والتفتيش لضمان تحقيق الأهداف يقول إن التنظيم القائم على الأهداف ومهام كل إدارة لتحقيق تلك الأهداف دائما ما يظلم إدارة المتابعة بحيث يجعلها الأقل إمكانات من حيث الموارد البشرية والإمكانات المالية والأنظمة التقنية ما يجعل قدرتها على تنفيذ المهمة المناطة بها مستحيلة, ولا أدل على ذلك من حجم وإمكانات إدارات مراقبة الشركات والمحال وغيرها ما جعل عملية تحقيق أهداف كثير من المؤسسات الحكومية في حكم المستحيل, فكيف لإدارة مراقبة ومتابعة نظافة المطاعم التي تطعم كثيرا من أبنائنا المرض مع الغذاء أن تتأكد من تحقيق أهداف النظافة بفريق عمل يعد على الأصابع لمراقبة آلاف المطاعم على سبيل المثال؟
وكيف لإدارة مراقبة الغش التجاري والاحتكار وغير ذلك من تحقيق الأهداف المتعلقة بكبح جماح التضخم وحماية المستهلك في مدينة في حجم الرياض بإمكانات تصلح لمراقبة قرية صغيرة لا يتعدى سكانها خمسة آلاف نسمة؟ وفي هاتين الحالتين يتضح أن السبب يتمثل في ضعف تنظيمي غير مبرر.
وكلنا يعلم أن غياب المتابعة والتقويم يؤدي إلى إضعاف فاعلية الخطط رغم الإمكانات المتاحة وإنعاش الفساد الإداري والمالي والتسيب والتقاعس, كما يؤدي إلى التقليل من شأن التخطيط والتنظيم والتوجيه ما يؤدي في المحصلة إلى العمل بعشوائية وبفوضى وارتجال والتقييم بناء على الانطباعات الشخصية مما يترتب عليه غياب معايير تقييم منطقية في اختيار الكفاءات واستحقاق المناصب بناء على الجدارة في الإنجاز. وكلنا يعلم الآثار السلبية لوضع الرجل غير المناسب في مكان لا يستحقه, وكم رجل غير مناسب عطل مصالح قطاعات اقتصادية كاملة بسوء سلوكياته وسعة ذمته.
ومما يشيع بين القائمين على كثير المؤسسات الحكومية والخاصة وغير الربحية اليوم فشل التخطيط حيث يتندرون على كثير من الخطط, خصوصا الاستراتيجية, التي تم إعدادها بالتعاون مع مكاتب استشارية عالمية وتم وضعها في الأدراج أو على الرفوف ولم تفض إلى تطور منشود بتاتا, وكأنهم يقولون البديل الأمثل للتخطيط هو التخبيط والعشوائية, وكأنهم لا يعلمون أنهم هم من قتلوا تلك الخطط بمقاومة ومحاربة برامج المتابعة والتقويم لأنها ستكشف ضعف الضعفاء وسوء نية المفسدين, فكان أن أصبحوا يروجون لإهمال التخطيط بدل أن يشخصوا أسباب فشل الخطط ليعالجوها كما هو متعارف عليه عالميا في جميع المنشآت الناجحة.
ما أرجوه بالنسبة إلى الأجهزة الحكومية – وهي الأكثر أهمية بالنسبة لنا - أن يفعّل دور وزارة الاقتصاد والتخطيط لكي يكون لها دور أكبر في عملية إعداد الخطط ووضع مقاييس ومعايير المتابعة والتقويم وربط صرف الموازنات المعتمدة بمدى التقدم في تنفيذ الخطط حسب المقاييس والمعايير المستخدمة ومدى القدرة على معالجة الانحرافات, إن وجدت, ومحاسبة المسؤولين الذين يخفقون في تحقيق الأهداف لأسباب غير منطقية, فالوطن لا يريد أعذارا بقدر ما يريد إنجازا. أما بالنسبة إلى القطاعين الخاص وغير الربحي فكلي ثقة بأن الأهداف المالية ستدفعهم لاعتماد المتابعة والتقويم نهجا في عملياتهم الإدارية طال الزمان أو قصر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي