جامعات بريطانية تشرع في تدريس الصيرفة الإسلامية وضخ الكوادر
إنه القطاع الأسرع نمواً في صناعة الصيرفة.. ومع ذلك لا يعرف الشبان في حي المال البريطاني الكثير عنه، ولا يتم تدريسه لطلبة العلوم المالية، ولكن بدأت الآن عملية إماطة اللثام عن أسرار الصيرفة الإسلامية، وتم الإعلان هذا الشهر من جانب مدرسة للأعمال وهيئة للمحاسبة عن استحداث برامج للدراسات العليا متخصصة في هذا المجال.
ويوجد أكثر من 250 بنكاً إسلامياً في شتى أنحاء العالم، ولا تقل قيمة موجودات هذه البنوك عن 300 مليار دولار مقارنه بـ 5 مليارات في عام 1985. ويمثل هذا العدد جزءاً بسيطاً من الاقتصاد العالمي، ولكنه ينمو بمعدل يثير الإعجاب والدهشة بما يراوح من 15 إلى 30 في المائة سنوياً. وبفضل ارتفاع أسعار النفط وتنامي عدد المسلمين في أوروبا، حدثت طفرة في المنتجات المالية التي تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتتجنب الفائدة وتحترم الأعراف الأخلاقية الإسلامية في الاستثمار.
وحتى بضع سنوات خلت، كانت البنوك الإسلامية تهتم بتمويل الإرهاب. والآن يعمل جوردون براون على أن تصبح لندن مركزاً للتمويل الإسلامي، حيث تم تأسيس ثلاثة بنوك إسلامية فيها، وبدأ اللاعبون الكبار من أمثال HSBC ولويدز، وTSB بتقديم منتجات وخدمات مالية إسلامية. ومن أجل تدريب المصرفيين على تطوير هذه المنتجات، ستبدأ كلية الأعمال في جامعة بانجور في شهر أيلول(سبتمبر) من هذا العام ببرنامج متكامل لتدريس الصيرفة الإسلامية يمنح الدارسين بموجبه شهادة الماجستير، وبذلك تكون الجامعة الوحيدة التي تفعل ذلك حتى الآن.
وتنطوي الصيرفة الإسلامية في ظاهرها على التناقض، فالإسلام يحرم الربا المتمثل في تراكم الفائدة التي تعد حجر الزاوية في النظام المصرفي. وفي الوقت نفسه، يجب على البنوك الإسلامية أن تعطي معدلات منافسة من الفائدة وتحقق الربح. وفي الوقت الحالي، تلجأ البنوك إلى أساليب عدة، حيث تتقاضى رسماً مقابل المزاوجة بين المستثمرين والمقترضين،وتشتري حصة في المشروع أو تشتري الموجودات وتؤجرها إلى المقترضين المحتملين.
إن تعليم تعقيدات الأسواق والكم الهائل من الكتابات الإسلامية حول هذا الموضوع أمر لا يمكن أن يتم في عام، ولذلك سيعمل مساق جامعة بانجور على الموازنة بين التمويل والإسلام مع التأكيد على الأول.
ويقول فيل مولينوكس، أستاذ العلوم المصرفية والتمويل ورئيس كلية بانجور للأعمال:"هناك أناس يأخذون بالأسلوب الديني، بينما يدور كثير من الجدل حول المعنى من ذلك. وبالنسبة لنا لن نمضي كثيراً من الوقت على ذلك".
وقد استقطب المساق الجديد سلفاً طلبات واهتماماً من العالم الإسلامي حتى من المراكز المالية غير الإسلامية مثل هونج كونج. ومع ذلك، فإن هذه خطوة جريئة نوعاً ما. ومن المتوقع أن يكون معظم التلاميذ من الأجانب، وتواجه الجامعة منافسة قوية وأقل كلفة من المساقات في الدول الأخرى، خصوصا من الجامعة الإسلامية الدولية في ماليزيا.
يشار إلى أنه تم إلغاء برنامجي ماجستير متخصصين في تدريب نظام التمويل الإسلامي في جامعتي دروهام ولوبورو قبل بضعة أعوام. وما زالت جامعة دور هام تعقد دورة صيفية فيه، وهي تعد أكبر مركز بحثي في نظام التمويل الإسلامي في العالم حيث يعمل فيها25 من حملة شهادة الدكتوراه، ولكن رودني ولسون أستاذ الاقتصاد في جامعة دور هام يقول إنه ببساطة لم يكن هناك طلب كاف من جانب الطلبة الجديرين بدراسة هذا المساق.
ومما لا شك فيه أن نظام التمويل الإسلامي موضوع معقد، فقد ظهرت آلاف الصفحات التي تحمل آراء فقهية حول تفسير القرآن والشريعة. والأمر ليس مجرد تجنب للفائدة الربوية. إذ يقول ولسون:" ينبغي أن تكون الهيكليات مختلفة تمام الاختلاف. وبحكم الشرع، ينبغي أن تحمل الصفات التي تؤهلها لأن تكون هيكليات إسلامية. وهذا لا يعني أن التمويل الإسلامي هو للمسلمين وحدهم. ذلك أن الكثير من الطلبة من اتباع الديانات الأخرى أو الذين لا يتبعون أية ديانة ينجذبون إلى فرصة بناء نموذج مصرفي أكثر أخلاقية".
وإذا لم يكن في المستطاع تدريس نظام التمويل الإسلامي بتعقيداته في سنة، فماذا عن جعله وحدة تدريبية؟ ففي هذا العام، انضمت كلية جامعة لانكاستر للأعمال إلى كل من كلية كاس للأعمال وإلى مركز SOAS للدراسات المالية والإدارية في تقديم وحدة اختيارية في نظام التمويل الإسلامي كجزء من برنامجها التدريبي لطلبة الدراسات العليا. ولكن هل تكفي وحدة تدريبية واحدة؟ يقول الدكتور مروان عز الدين مدرس هذا المساق في جامعة لانكاستر:" إننا لا نقول إن دورة واحدة تكفي، ولكن درجة ماجستير(متخصصة في هذا المجال) كثيرة عليه. ذلك أن درجة الماجستير ستحد من فرص الطلبة في العمل. وما زال هناك المزيد من الوظائف في البنوك التقليدية وفي البنوك الإسلامية". إنه يقول إن الدورة تكفي لكي يعمل الخريجون في هذا القطاع ولتحليل المنتجات المالية الإسلامية.
وستبدأ هذا العام أيضاً دورة موجهة للطلبة الناضجين الذين لديهم خلفية قوية في التمويل. فقد تم تطوير شهادة معهد المحاسبين الإداريين في نظام التمويل الإسلامي بالاستعانة مع مجموعة استشارية عليا من خبراء الشريعة، ولذلك ستكون شاملة نوعاً ما، ولكن إنهاءها يستغرق من شهرين إلى ثلاثة أشهر من الدراسة عن بعد.
ويقول روبرت جيلي مدير التعليم في المعهد المذكور:" إن هذه الشهادة ستساعد أصحاب العمل في الحي المالي والمراكز المالية الرئيسة الأخرى في سائر أنحاء العالم في إعداد موظفيهم لتطوير المنتجات المالية." على أن الموافقة على توظيف هؤلاء الأشخاص في البنوك الإسلامية ستكون بيد علماء الشريعة العاملين في مجالس إدارة تلك البنوك.