رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


في الحوار الإسلامي .. لنبدأ بالأقربين

[email protected]

حدد البيان الختامي للمؤتمر الإسلامي العالمي للحوار منهجية متكاملة لأسس وأطر الحوار الإسلامي مع الديانات والثقافات الأخرى, وارتكزت هذه المنهجية على غاية سامية وهي إحلال السلام محل الصراع, والتعايش بدل التباعد والمجافاة, وأن الاختلاف يمكن توظيفه لإثراء العلاقة بإيجابيات التنوع, وتضمن تحديدا واضحا ودقيقا لمن يرمي لإجراء حوار معه والأهداف المرجوة من مثل هذا الحوار, وهو ما جعله يجيء متكامل الرؤية ومحكم التحديد وواضح المقاصد.
من أبرز وأهم ما أشار إليه البيان وما يستحق التوقف عنده ما جاء في البند الأول "التأصيل الإسلامي للحوار" في الفقرة سابعا التي نصت على "حل الإشكالات والخصومات التي تقع بين المسلمين وغيرهم ممن يتشاركون معهم في الأوطان والمجتمعات بدرجتي الأكثرية والأقلية, وتوفير المناخ الصالح للتعايش الاجتماعي والوطني بلا مجافاة أو خصومات أو تباعد". وأتصور أن هذه الرؤية التي عبر عنها هنا بالغة الحكمة لكونها وضعت وحددت منهجية للعلاقة تحديدا بين المسلمين وغيرهم المتشاركين معهم في وطن واحد, فهذه العلاقة باتت فعلا في حاجة إلى أن تؤسس وفق المنظور الذي عبر عنه البيان, وهو التعايش السلمي الاجتماعي والوطني, وهو أحد أهم أهداف هذا الحوار.
إذا كنا كعالم إسلامي نعلن ونقرر الرغبة في مد يد الحوار مع الآخرين, فإن من أولى وأقرب من يجب أن نبدأ بالحوار معهم هم من يشاركوننا الوطن الواحد مثل المسيحيين, خاصة العرب منهم, فالمسيحيون خاصة في مصر, فلسطين, لبنان, والسودان, وغيرها من بلاد عربية وإسلامية هم جزء أصيل من مجتمعاتها وشركاء في الوطن, وتجربة التعايش الطويلة جدا بيننا تشجع على سرعة إجراء مثل هذا الحوار معهم من أجل إرساء ما أشار إليه البيان, وهو توفير مناخ التعايش الصالح للقضاء على أي توترات في العلاقة مما يؤثر في السلم الاجتماعي والوطني لكل دولة من هذه الدول ذات المكون الاجتماعي والديني المتنوع, وأهمية وضرورة البدء بالحوار من هنا لكون العلاقة الإسلامية ـ المسيحية في هذه البلدان تحديدا يشوبها تباعد وضعف تفاعل في حدها الأدنى وتصادم يصل إلى حد الدموية في حدها الأعلى, وقيمة أن نبدأ بالحوار مع المسيحيين تحديدا هو لسببين جوهريين, الأول لكي نقدم للعالم صورة مشرقة للحوار من الداخل, فلا يمكن أن نقنع الأبعدين بمصداقية رغبتنا في الحوار دون أن نمارسه مع الأقربين, والثاني لقطع دابر الفتن التي تنشأ ليس بسبب الاختلاف بل من التعصب والتشدد اللذين يؤديان إلى توتر العلاقة الاجتماعية والوطنية بين مكونات المجتمع الواحد. وليس خافيا أن الأقليات الدينية والعرقية في بلداننا العربية والإسلامية يمكن أن يوظف الاختلاف معها لزعزعة استقرارها كما هو حادث في السودان مثلا, ولا يمكن صيانة الوحدة الوطنية إلا من خلال صياغة تعاقد مع المكونات الأخرى للعيش المشترك وفق ضوابط حقوق الأكثرية المشروعة وواجبها تجاه حفظ حقوق الأقلية في حدود التوازن بين حجم الأكثرية وحدود الأقلية دون تفريط ولا إفراط.
إن البدء بحوار إسلامي ـ مسيحي داخل العالم الإسلامي, خاصة منه العربي مع الطوائف المسيحية على وجه الخصوص لكونها أكبر وأهم الأقليات الدينية. أعتقد أن له الأسبقية على أي حوار مع العالم الخارجي. فالمسيحيون العرب في العالم الإسلامي هم الأقرب إلينا ثقافيا واجتماعيا بحكم المعايشة والمواطنة التي تجمعنا بهم من ناحية, ومن ناحية أخرى, أن ارتباطهم وانتماءهم الوطني والقومي أتصور أنه أقوى من ارتباطهم وانتمائهم الديني مع العالم المسيحي الأوسع. وجميعنا نذكر كيف صمت العالم المسيحي وعلى رأسه الفاتيكان حينما حاصرت قوات العدو الإسرائيلي كنيسة القيامة, وهي من أقدس الأماكن المسيحية, حين لجأ إليها مقاتلون فلسطينيون, ولم يتورع الصهاينة من إطلاق النار عليهم وهم داخلها غير عابئين بقدسية المكان المسيحية. وحري بنا كمسلمين ونحن نمثل الأغلبية الأكبر أن نقدم النموذج الإسلامي في صور التعايش الإيجابي مع أتباع الديانات الأخرى الذين يتعايشون معنا في وطن واحد ويشاركوننا هوية وطنية واحدة, وليس الهدف فقط هو تقديم مثل هذا النموذج, بل لنا مصلحة وطنية في أن نوجد تعايشا سليما وسلميا مع مثل هذه الأقليات لكي نحمي جبهتنا الداخلية من الفرقة والصراعات والخصومات بين مكوناتها المختلفة, وحتى لا يكون ذلك مدخلا للتآمر الخارجي لزعزعة أمن بلداننا كما هو حادث في السودان, حيث إن غياب مثل هذا الحوار المؤسس لتفاهم مشترك هو ما أوجد مشكلة الجنوب وحاليا دارفور وأعطى الذرائع لتدخلات خارجية كما نراها حاليا.
بقي القول إن أي حوار من هذا النوع والأهداف والغايات لا بد أن يؤسس على التسامح في التعامل وليس في العقيدة, وإنه لا يمكن أن يثمر عن تعايش حقيقي في ظل فكر متزمت متشدد يلغي الآخر أو يتآمر عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي