رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


حتى لا يكون الفقراء كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ!

يتفاءل كثير من المواطنين، وبخاصة الفقراء منهم، بمقدم وزير الشؤون الاجتماعية الجديد الدكتور يوسف العثيمين، كثالث وزير يأتي إلى هذه الوزارة بعد استقلالها وانفكاكها عن وزارة العمل، وهذا التفاؤل ينبع من أن الوزير كان أحد مسؤولي الوزارة، ولا يحتاج، من ثم، إلى كثير عناء ليعرف مشاكلها، أو يتعرف على أكثرها إلحاحا وتأثيرا سلبيا ليبدأ به، كما أنه يأتي من قطاع غير بعيد أتاح له فرصة كبيرة للاطلاع على أوضاع الفقراء، وأكثر احتياجاتهم إلحاحا وهو السكن، من خلال مسؤوليته عن مشروع خادم الحرمين الشريفين للإسكان الخيري، وبالتالي، فإن المواطنين يأملون ألا يمضي وقت طويل قبل ظهور الآثار الإيجابية لحسن اختيار القيادة لشاب مفعم بالحيوية والحماس لقيادة وزارة من أهم الوزارات وأكثرها التصاقا بحياة معظم الناس!
ولا يعني التفاؤل أن مهمة الوزير ستكون سهلة، فكل المؤشرات تدلل على اتساع نطاق الفقر ليشمل فئات لم تكن محسوبة ضمنه، ومن هذه المؤشرات ما يلي:
ـ تدني نسبة من يملكون السكن، حيث تشير الإحصاءات إلى أن ذلك لا يتعدى نسبة 25 في المائة على مستوى الأفراد، و40 في المائة على مستوى الأسر، وتتدنى هذه النسبة كثيرا في الأوساط الفقيرة، ويزيد من تأثير هذه المشكلة ارتفاع إيجارات السكن في الآونة الأخيرة، ورفعها من قبل الملاك دون ضوابط أو حدود!
ـ ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل غير معقول، بحيث لم تعد مخصصات الضمان الاجتماعي للأسر والأفراد كافية لمقابلتها، مما سيدفع إلى دخول فئات أخرى ضمن المستفيدين ممن لم تعد مداخيلهم كافية لمواجهة متطلبات حياتهم.
ـ لم يسبق أن شهد بنك التسليف وفروعه ازدحاما مثل ما يشهده هذه الأيام، لشدة إقبال المواطنين عليه، ومحاولتهم الاستفادة من قروضه، رغم أنها، في معظمها، قروض متواضعة، كقروض الزواج وترميم المنازل، وهو ما يعد شاهدا حيا على اتساع نطاق الفقر وشدة وطأته!
ـ زيادة نسبة البطالة بين الذكور والإناث يمكن أن تؤخذ كأحد أسباب زيادة حدة الفقر، فحرمان ما يقارب نصف مليون من المواطنين من فرص العمل الكريم، وتحقيق دخل يعيشون منه، يتسبب في انسحاب مفهوم الفقر عليهم وعلى أسرهم!
هذه المؤشرات، وغيرها كثير، تدلل على أن مهمة وزارة الشؤون الاجتماعية تتقاطع مع مهمات كثير من الأجهزة الحكومية، تتأثر بها، وتؤثر فيها، سلبا أو إيجابا، ومن ثم فلا ينبغي أن تعمل الوزارة بمعزل عن تلك الجهات، ويجب أن تكون لها صلة ودور يستهدف تكامل الجهود، وتلافي السلبيات في اتجاه تحقيق العدل والمساواة في توزيع الثروة التي تنعم بها البلاد، وسأحاول التدليل على ما قصدت بالآتي:
1 ـ عندما قامت الأمانات والبلديات، على مدار العقود الماضية، بتطبيق منح المواطنين أراضي ومواقع لا يتوافر فيها أي من مقومات السكن، كالطرق والماء والكهرباء، وبعضها يتعذر الوصول إليه بالمركبات، فإنها أسهمت بذلك في استفحال مشكلة السكن وتضخمها إلى حد تقف معه كل الجهود عاجزة الآن عن حلها, وتبقى مخططات تلك المنح شواهد على إنكار حق المواطن في السكن, وزيادة حدة الفقر باعتماد الفقراء على الاستئجار الذي يلتهم كل ما لديهم, وهو أمر يؤثر في وظيفة الوزارة.
2 ـ في سوق الأسهم, قيل إن المقصود بالتوسع في الاكتتابات الجديدة هو إتاحة الفرصة لعامة الناس, ولا سيما الفقراء, في التملك والاستثمار, وتوسيع قاعدة الملاك, من خلال خفض القيمة الاسمية للأسهم, بيد أن هذا القول كان بمثابة كلمة حق ضلت طريقها, فلا القاعدة توسعت, ولا الفقراء فازوا حتى بالفتات من الأسهم. أليس مضحكا ألا يفوز المواطن بأكثر من سهم واحد (اكتتاب الصناعات الكيميائية) أو حتى سبعة أسهم (اكتتاب المعجل)؟ فأي استثمار يحمله مثل هذا التخصيص؟ أم أنه أصبح وسيلة (مثلى) لتجميع ما في أيدي الفقراء في محافظ الأغنياء؟ والمحصلة أننا أسهمنا, من حيث لا ندري, في تضخيم الفجوة وزيادة القسوة, وهو أمر يدخل في صلب اختصاص الوزارة, ويسير في اتجاه معاكس لكل جهودها, ولن يستقيم البنيان إذا كنت تبني وغيرك يهدم.
3 ـ البطالة, أحسب أن أمرها يهم الوزارة, فكل عاطل يلقي عبئا عليها إن تسول وإن تجول, وحتى إن جلس, ولذلك فمن الغريب أن تترك هذه المشكلة حتى تفاقمت, بدعوى أن ثمة جهة مسؤولة عنها, أليست مشكلة اجتماعية متعدية تتولد عنها مشكلات اجتماعية لا حصر لها؟
4 ـ رغم ما أشعر به, وأقوله, فإن مشكلة الفقر لدينا لم تصل إلى حد اليأس من حلها, أو على الأقل تخفيف حدتها, وإذا نظرنا إلى المشاهد التي تنقلها القنوات المرئية عن الحالات البائسة والمؤلمة التي أوصلها الفقر إلى البشر, ندرك أننا مازلنا في وضع أفضل منهم, لكن دولهم لا تملك مثلما نملك, وعندما اضطر آباؤنا والأوائل منا في عهد مضى, إلى أكل ما لا يؤكل, كانوا يبتلعونه بصمت لأن الإمكانات كانت لا تقوى على تغيير الحال, أما اليوم فإن كل شيء مقدور عليه, في ظل ما تنعم به البلاد من وفرة وطفرة.
5 ـ تناقلت الصحف خلال الأسبوع الماضي أخبارا عن إضافة 20 ألف أسرة جديدة إلى مستفيدي الضمان الاجتماعي صحيفة ("الجزيرة" 4/6/1429هـ), وهو خبر سار في الوقت الحاضر, يدلل على جهود الوزارة في البحث عن المحتاجين, بيد أنه يدلل, من ناحية أخرى, على اتساع دائرة الفقر بإضافة هذا العدد من الأسر في شهر واحد, إلى العدد الكلي للمشمولين وهو 658477 أسرة, لكن الأمر سيكون مفرحا أكثر, في المستقبل, لو تم إسقاط الأرقام بدلا من إضافتها, كدليل على انحسار عدد الأسر المحتاجة وانتقالها من حال العوز إلى حال الكفاف, وهو ما نتمنى أن نصل إليه.
لقد قال الوزير في مستهل تصريحاته (إنها وزارة المجتمع), وقد تأكد ذلك من خلال ما أوردناه, ونحسب أن هذا القول لا يصور حجم مسؤوليات الوزارة فحسب, وإنما ينبئ عن مدى إدراك الوزير حجم مسؤولياته هو, وما ينتظره من تحديات. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي