السودان وعرب النسيان
لا يملك المواطن الحصيف إلا أن يرفع عقاله تحية لمجموعة الإنقاذ المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس عمر البشير التي تقود السودان وسط أجواء عدائية محلية ودولية وإقليمية، والنار في السودان تنتشر من مكان إلى مكان وتحتاج إلى إطفائي متمكن من إخماد النيران، فبعد استقرار الجنوب لسنوات بدأت مشكلة دارفور تأخذ حيزاً إقليمياً ودولياً، بدأت القوى الكبرى من أمريكية وأوروبية تضع هذه المشكلة في جداول أعمالها وتحاول باستمرار التدخل في شؤون هذا البلد العربي المسلم، بل إن كثيرا من رجال السياسة والاقتصاد والفن قاموا بزيارة دارفور لتفقد أحوالها ومعرفة الواقع الحقيقي لهذه المنطقة المشتعلة، والسودان باستمرار يتهم قوى إقليمية جارة بأنها المحرك وراء هذه المشكلات وتتهم هذه الجارة السودان بأنه أيضا يتدخل في شؤونها الداخلية ويثير بعض القبائل والنعرات رغبة في عدم الاستقرار في هذه الدولة الجارة، وبين هذه المشكلات المشتعلة لأسباب ربما تكون خارجة عن إرادة الطرفين، وكانت آخر المستجدات على هذه الجبهات قيام حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور خليل إبراهيم بالهجوم المفاجئ على أم درمان، والحقيقة أن تحرك قوى عسكرية كبيرة بعدد كبير من السيارات والمسلحين ولأيام وبمسافة بين 400 و800 كيلومتر دون أن تلاحظها الأقمار المزروعة في سماء السودان وعيون رجال الاستخبارات المنتشرين في مواقع كثيرة في السودان للإشارة إلى هذا التحرك المنظم الكبير دون لفت الانتباه، وكيف غاب عن جهاز الأمن والمخابرات والجيش والشرطة مراقبة حركة تقدم هذه القوات، وفي الوقت الذي تمتع البشير بمسيرة النصر وبيعة الموت من ضباط جهاز الأمن، أشار البشير إلى أنه يعد لمثل اللقاء العسكري منذ زمن وكان يخطط للقاء قوات الدكتور خليل إبراهيم لضرب هذه القوة في دارفور لكنها أفلتت وكذلك في كردفان وخارج أم درمان لكنها زاغت لتدور المعركة عند جسر الإنقاذ، وبعد انجلاء غبار هذه المعركة التي كانت اليد الطولي فيها للقوات السودانية مع أن الدكتور خليل إبراهيم أشار في إحدى المقابلات الصحافية إلى أنه يشرب الشاي مع قواته وأنه يعد العدة لمعاودة الكرة مرة أخرى للهجوم على العاصمة. مرة أخرى ينفجر الوضع في أبيي وهي منطقة حساسة حيث إنها أحد مخازن النفط الكبيرة في السودان وتقع على الحدود بين جنوبه وشماله ويتعايش فيها منذ زمن وعبر العصور قبيلة المسيرية العربية وقبيلة الدينكا الإفريقية، أشعلت نيران النفط والأطماع القريبة والبعيدة والأطماع في هذه المنطقة الغنية بالنفط والقادرة على إنتاج ما يزيد على مليون برميل يومياً منها، حيث إنها تنتج نحو خمسمائة ألف برميل يوميا من النفط، وقد أدى هذا إلى إنعاش الحركة الاقتصادية في السودان ويوجد الصينيون والماليزيون وبعض الشركات الغربية في تنافس محموم في العثور على موارد نفطية جديدة وإن كانت الأطماع السياسية تغلف بعض هذه الأنشطة إلا أن الإخوان الماليزيين ينطلقون من منطلقات إنسانية ودينية، فقد دخلوا السودان في وقت تخلى فيه عنه الجميع فترك وحيدا يصارع المشكلات الداخلية والتدخلات الدولية التي تتخذ جانباً واحداً في كثير من توجهاتها، ومع مضي خمس سنوات على مشكلة دارفور ووجود أربع قوي دولية لحفظ السلام، كما أن السلام مع الجنوب لسنواته الثلاث لم يقف حتى الآن على أرض صلبة، ولعل إشعال الفتنة في أبيي الأسابيع الماضية لإثارة نعرة القبلية كان حدثا سيئا ربما يتطور في الأيام المقبلة إلى ما هو أسوأ، حيث نشبت معركة بين الجيش الشعبي لتحرير السودان وقوات حكومية للسيطرة على هذه المنطقة المتنازع عليها، وهذا أول ناقوس يدق خطر انهيار السلام الهش بين الشمال والجنوب والمشاركة في الحكم. إن 2500 صفحة من اتفاق نيفاشا بين المؤتمر الوطني (الحكومة) والحركة الشعبية لتحرير السودان بإشراف الولايات المتحدة ومفوضية الاتحاد الأوروبي تقف الآن على شفا جرف هار، وإن كانت اللجنة الثلاثية للحكومة الرئيس عمر البشير ونائباه سلفاكير وعلي عثمان محمد طه ينفقون الكثير من الوقت لبحث التوصل إلى تهدئة ومحاولة تنشيط اللجان المشتركة التي سبق الاتفاق عليها وجمدت نشاطاتها وخاصة نشاط اللجان الواقعة في ولايتي الوحدة وجنوب كردفان اللتين تقع أبيي في نطاقهما. وتؤكد الحركة الشعبية لتحرير السودان أنها لن تخوض حربا ضد الشمال وأن الأمور تحل بالحوار وكأن 21 عاماً من الحرب والتنازع والقتل والتقتيل وتدخل الجيران وغير أصحاب المكان من الدول الكبرى لم تكن كافية لعودة السلام والهدوء إلى هذا البلد العزيز. إن المحاولات الغربية التي تلبس الرداء الإنساني للتدخل في دارفور واستقرار الأمر في الجنوب هي أمور ظاهرها إنساني وباطنها طمع في الثروات وإثارة للنعرات والعصبيات. إن قدرة العاصمة الخرطوم وحكومة الإنقاذ على مقاومة الضغوط والتدخلات الدولية والاختراقات من الدول المجاورة والعصيان المدني والهجوم المسلح قد تخور في المستقبل، مما يدعو الدول الإسلامية والعربية للتدخل السريع وإطفاء نار الفتنة، والجهود الدبلوماسية العربية هي المخرج الوحيد لإيجاد أرضية مناسبة للاتفاق والتوافق في دارفور وأبيي والشمال والجنوب، حيث يلاحظ المراقب القريب أن الحركة الشعبية لتحرير السودان لديها قدرات دفاعية وتدريبية جيدة وربما تقتص فرصة العصيان في أبيي والتمرد في دارفور لتكون ثالوثاً يقلق الحكومة في الخرطوم ليمكنها ذلك من الحصول على موقف تفاوضي أفضل مع حكومة الإنقاذ. إن الجميع يدرك حاجة بعض المناطق المهمشة في السودان للأمن والأمان والتنمية المتوازنة في الشمال والجنوب والشرق والغرب وإن على الدول العربية والإسلامية وصناديق الغذاء الدولية أن تبذل المزيد لإسعاد هذا الشعب المسكين، كما أن استقرار السودان وأرضه ومياهه سيكون ثروة كبيرة يعتمد عليها العرب والمسلمون في مستقبل أيامهم لتكون سلة الغذاء وصنبور الماء. إن ما يقارب 85 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة والمياه الجوفية الوفيرة والأنهار الجارية والماء الزلال كافية لإطعام ما يزيد على مليار مواطن في حالة استغلالها استغلالا جيدا، كما أن ذلك سيجلب إلى السودان الاستقرار والتنمية والخبرات الدولية وتوظيف الكوادر المحلية وهي أمور مجتمعة أصبح السودان في أشد الحاجة إليها، ولعل الجامعة العربية وقد ارتاحت الآن من عناء المشكلات اللبنانية والخوض في المصالحات العربية - العربية تجد في السودان ومشكلاته والصومال وآلامه طريقاً جديداً للسلام والمصالحة.
والله الموفق.