العائد على الاستثمار والتضخم: المعادلة الصعبة لصناديق الاستثمار
من أهم الأمور التي يحرص عليها المستثمر سواء الفرد أو المنشأة المحافظة على رأس المال وتنميته. ولعمل ذلك فإنه يسعى إلى الاحتفاظ بالحد الأدنى من النقد الذي يحتاج إليه للنفقات الجارية. ويلعب معدل التضخم دوراً كبيراً في قرارات المستثمر بالاحتفاظ بالنقد، إذ إن الاحتفاظ بمزيد من النقد يجعل الثروة عرضة لتناقص القيمة دون الدخول في أي مخاطر استثمارية. أي أن الفرد حتى وإن لم يرغب في الدخول في أي مخاطر استثمارية من أي نوع، فإنه في الواقع مجبر على ذلك تجنباً لمخاطر استهلاك التضخم لقيمة ثرواته المالية. وبسبب الارتفاع الكبير في معدلات التضخم والذي نشهده حالياً والبالغ 9.6 في المائة، فإنه من المحتم على الجميع أفرادا أو مؤسسات البحث عن وسائل لتجنب تأثير ذلك على الأقل على أصولهم المالية. المشكلة أن الخيارات التي يتيحها النظام المالي في المملكة خيارات محدودة تتمثل إما في الاستثمار العقاري المباشر ومرتفع التكلفة والذي لا يقدر عليه إلا أصحاب الملاءة المالية العالية أو الاستثمار في الأسهم. المشكلة في سوق الأسهم التذبذب الكبير وحالة كبيرة من عدم التأكد يشهدها السوق مما يجعل عملية الاستثمار بالنسبة للفرد مكلفة سواء من حيث الوقت أو الجهد. لذلك فلا مناص للمهنيين من الأطباء والمحامين والمحاسبين والمهندسين وغيرهم، والذين يشكلون البناء الأساسي للطبقة المتوسطة في المجتمع، من اللجوء إلى أصحاب الخبرة والمعرفة والدراية والمهنية العالية كالصناديق الاستثمارية.
لكن للأسف، يبدو أن أصحاب الخبرة من الصناديق الاستثمارية يحتاجون إلى أصحاب خبرة آخرين لكي يحققوا أرباحا مجزية للمساهمين معهم. فتفحص عابر لأداء صناديق الاستثمار بمختلف فئاتها وبمختلف مديريها يثير العاطفة، إذ إن غالب أسعار هذه الصناديق في تناقص منذ بداية العام. يعني ذلك أنه ودون حساب التكاليف الإدارية للصندوق المستثمر فيه فإن المستثمر سيحقق خسائر من استثماره في تلك الصناديق. وسيكون الأمر أكثر مرارة عندما تضيف إلى تلك الخسائر تكاليف الرسوم الإدارية وأي رسوم أخرى عادة ما تكون مخفية إضافة إلى قيمة الانخفاض في القوة الشرائية للنقود المتمثلة في معدل التضخم. لنأخذ على سبيل المثال أفضل الصناديق الاستثمارية أداءًً من بداية العام وهو صندوق السيف التابع لبنك البلاد الذي يستثمر في الأسهم العربية حيث حقق ارتفاعا في سعره بلغ منذ بداية العام 15.7 في المائة. فبافتراض استمرار أداء الصندوق بهذا المعدل إلى نهاية العام وبخصم المصاريف الإدارية للصندوق البالغة 1.75 في المائة وبافتراض استقرار معدل التضخم عند معدل 10 في المائة حتى نهاية العام فإن العائد على الاستثمار سيكون متواضعاً جداً. أما بالنسبة لجميع الصناديق الاستثمارية الأخرى فبافتراض استمرار وضعها على ما هو عليه وبافتراض ثبات معدل التضخم عند مستوى 10 في المائة إلى نهاية العام، فإن الاستثمار فيها سيحقق عائداً سلبياً لا محالة.
ما أحاول الإشارة إليه هنا هو محدودية الخيارات بالنسبة للمستثمرين الأفراد والمنشآت على السواء وعدم توافر وسائل وأدوات استثمارية يمكن بها على الأقل المحافظة على رأس المال من التناقص بسبب التضخم. من أفضل الخيارات لتجنب التضخم شراء الأصول العقارية لكن عدم توافر صناديق استثمار عقاري منظمة يجعل من الصعب الاستثمار في هذا المجال بالنسبة لأصحاب الدخول المحدودة ويجعله حكراً فقط على أصحاب رؤوس الأموال الضخمة. أضف إلى ذلك أن مشكلات المساهمات العقارية زادت بشكل كبير من مخاطر الاستثمار العقاري بالنسبة للأفراد بينما انخفضت تلك المخاطر بالنسبة لكبار العقاريين لانخفاض المنافسة وإتاحة الفرصة لهم لاحتكار جزء كبير من السوق. من الخيارات الأخرى التي كان من الممكن لمؤسسة النقد أو البنوك تقديمها السندات المالية المحمية من التضخم أو السندات التي تتكيف مع معدل التضخم، والتي تضمن عائداً يتجاوز معدل التضخم، مما يعني على الأقل ضمان المحافظة على رأس المال من التناقص.
لكن ما السبب في محدودية الخيارات الاستثمارية بالنسبة للمستثمر الفرد؟ أعتقد أن مؤسسة النقد والنظام البنكي مسؤولان مسؤولية مباشرة عن هذا الأمر. فمؤسسة النقد والبنوك انشغلوا بتأسيس نظام بنكي يخدم فقط مصالح أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة دون تركيز على ما قد يكون أداة لتوفير خيارات استثمارية للأفراد. ولا أدل على ذلك من الفترة التي تطلبها تحول الكثير من تلك البنوك إلى الخدمات المصرفية الإسلامية التي تحقق رغبات وتطلعات الأفراد الاستثمارية والتي لم يكن لمؤسسة النقد والبنوك خيار آخر إلا الاستجابة لها. وحتى الآن هناك متطلبات استثمارية على المستوى الفردي يتم تطبيقها في مختلف أنحاء العالم كالتخطيط التقاعدي والتخطيط المالي الفردي ومع ذلك لم تدفع مؤسسة النقد باتجاهها ولم تبد البنوك حتى الآن الرغبة في الدخول فيها. لكنني أجزم أن زيادة المنافسة ستجعل الخدمات الاستثمارية الفردية محور المنافسة في القطاع المصرفي وستكون في المستقبل القريب محركاً رئيسا للاقتصاد.